الأستاذ نورالديـن لعمـوري رئيس جمعية «المعالي للعـلوم والتربية» في حوار صريح مع جريدة «البصــائر»
• نتقاطع مع بعض الجمعيات الدعوية ولكن نحرص على التميّز والـريادة • المجتمع في تهاو أخلاقي رهيب...ولا بد ّ من عمل كبيـر وضخم لمقاومة الفساد والشرور
حاوره: أ. حســن خليفة/
من هو الأستاذ نورالدين لعموري؟
-نورالدين لعموري هو ابن الجزائر ولدت ونشأت في مدينة عين وسارة بولاية الجلفة التي حفظت فيها القرآن في سن الخامسة عشر وأخذت مبادئ العلوم الدينية على مشايخها، ثم انتقلت إلى العاصمة وتحصلت على ليسانس في العلوم الإسلامية ثم الماجستير وأنا الآن باحث في مرحلة الدكتوراه بجامعة وهران في تخصص الكتاب والسنة .
– مارست الإمامة في العاصمة وأشرفت على مدارس قرآنية نموذجية، وأنا الآن إمام أستاذ رئيسي بالمسجد العتيق وسط مدينة تيزي وزو.
– التحقت بالعمل الدعوي في مرحلة الجامعة حيث كنت ألقي دروسا وخطبا في الإقامات الجامعية، وأشرفت رفقة مجموعة من علماء ودعاة الجزائر على تأسيس جمعية المعالي للعلوم والتربية وأكاديمية اصعد للتأهيل العلمي والدعوي وغيرها من المشاريع
دعنا نبدأ من «المعالي» …ما الذي يمكن أن تقدمه كرئيس لجمعية متميزة كالمعالي؟
-جمعية المعالي للعلوم والتربية هي جمعية جزائرية تأسست سنة 2014 هدفها أساسا القيام بواجب الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وإحياء الوظيفة التربوية في أوساط الشباب والنساء وعموم المجتمع باعتماد برامج ومشاريع مدروسة تلبي احتياج المجتمع وتعمل على إصلاحه، وهي تضم مجموعة طيبة من العلماء والدعاة والمربين من مختلف ربوع الوطن، وأتشرف أن أكون خادما لجمعية المعالي للعلوم والتربية في منصب الرئيس منذ سنة 2019 إلى يومنا هذا، وأجتهد كثيرا أن تكون جمعية المعالي جمعية متميزة في تخصصها الذي أسست لأجله؛ بحيث تكون معتمدة على طرق الإدارة الحديثة للمؤسسات الدعوية، وفاتحة نافذة أمل للشباب، وخادمة للإسلام والجزائر.
اهتمام المعالي متنوع ومتشابك: دعوة، إرشاد، تكوين…. ماهي طبيعة الاهتمامات الكبرى في جمعية المعالي…وبتعبير آخر ماهي أهدافها ؟
-اهتمامات جمعية المعالي للعلوم والتربية أساسا في الوظيفتين الدعوية والتربوية ولها في ذلك برامج متعددة مثل: مؤتمر المعالي الدولي وهذه السنة سننظم الطبعة الرابعة بحضور علماء ومتخصصين من داخل الجزائر وخارجها، الحملات الدعوية في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشر الأخلاق والفضائل في المجتمع الجزائري، دورات التعليم الشرعي وترشيد الفهم، المخيمات التربوية للأطفال والشباب والنساء، منتديات المعالي الفكرية، برنامج مدارس خيركم ، برنامج مجالس القراءة والمطالعة وغيرها …
– وأطلقنا مجموعة من المشاريع المتميزة منها: مركز الرواد للتدريب التربوي، أكاديمية اصعد للتأهيل العلمي والدعوي، مؤسسة النهضة بالقرآن الكريم، رابطة الشباب الدعاة (رشد)، مشروع أطفال القيم، مشروع شباب القيم، مشروع البيت السعيد
الهيئات العاملة في المجال الثقافي الدعوي متعددة ..هل تعتقدون أنكم مجرد رقم أم أن هناك ملامح تميّز تعتـزون بها في المعالي؟
-نعم توجد في الجزائر العديد من الجمعيات الثقافية والدعوية ونحن أسسنا جمعية المعالي للعلوم والتربية لتقديم إضافة نوعية والمرابطة على ثغر الدعوة والتربية، ونظرا لانتشار الآفات التي تهدم الأخلاق والقيم فإننا نثمن تعدد المشاريع الدعوية وتكاملها والتنسيق بينها مع خلق التنافسية في الأعمال الرسالية، لذلك نسعى دوما في جمعية المعالي للعلوم والتربية على التميز باعتماد طرائق العمل المؤسسي المحترف، والاعتماد على تجديد الخطاب الديني مع الانضباط بأصول الشرع، واستعمال الوسائط الإعلامية المختلفة، وفتح آفاق التكوين والعطاء لمختلف الفئات العمرية .
من جهة ثانية ماهي نقاط التقاطع بينكم وبين الجمعيات والهيئات الأخرى؟
-توجد الكثير من نقاط التقاطع بيننا وبين الجمعيات الأخرى بالأخص العاملة في الجانب الثقافي والدعوي والتربوي، فالجزائر ملأى بالمشاريع الرسالية في مختلف ربوعها ونسعد كثيرا حينما نرى الآلاف من حفظة القرآن الذين يتخرجون سنويا من المساجد أو من الزوايا أو من الجمعيات الوطنية والمحلية، وكذلك الكثير من الجمعيات تنظم الملتقيات في مختلف المناسبات الدينية والوطنية وفي المواضيع التي تعالج القيم والأخلاق.
– وقد رأينا في العشرية الأخيرة صحوة علمية في الجزائر في مختلف العلوم الشرعية وكل ذلك بجهود رسمية ومجتمعية ينبغي تثمينها.
يلاحظ المتابع المهتم أن الهيئات والمؤسسات و الجمعيات العاملة في حقل الدعوة إلى الله تفتقد إلى التعاون والتآزر ..هل هذا صحيح برأيك وماهي أسبابه، علما أن ذلك مما يكتب عنه الدعاة والمهتمون في حساباتهم ومقالاتهم؟
-من الطبيعي أن يتفرغ العاملون لمؤسساتهم وجمعياتهم التي يتطوعون فيها ويبذلون فيها أغلب جهدهم، وينبغي على كل العقلاء بالأخص المتصدرين منهم للقيادة الدعوية أن يكونوا دعاة رفق وتوافق وتعاون وتآزر، لكن ملاحظتكم تبدو صحيحة ابتداء وفي تقديري أن هذا التباعد له أسباب موضوعية وأسباب وهمية.
– أما الأسباب الموضوعية فهي أن العمل التطوعي في الجزائر يستهلك جهدا كبيرا ووقتا كبيرا نظرا لعدم تفرغ الأفراد ونظرا للبيئة القانونية المتعبة، ونظرا للبيئة الاجتماعية الصعبة للمتطوعين، في تقديري أرى أن هذه الأسباب تكون حائلا دون الانتاجية الجيدة داخل الجمعية الواحدة فما بالك بفتح آفاق التنسيق والتعاون مع الجمعيات الأخرى.
– وأما الأسباب الوهمية فهي استحضار الكثير من العاملين في الحقل الدعوي والتربوي صراعات القرن الماضي بين مختلف الجماعات والتيارات الإسلامية، وإن كانت تلك الصراعات مبررة نوعا ما في وقتها وسياقها فإنها الآن مع القرن الجديد والتحديات الجديدة والأحداث المتسارعة غير مبررة تماما، لذلك نرى بأن الأمل كبير في جيل الشباب الذي يجب عليه أن يحفظ للسابقين جهدهم ومكانتهم ويعمل على التفاعل السريع بعلم وبصيرة مع أوليات قرن النهضة، وأن يزيل الفوارق الوهمية مع مختلف التيارات الإصلاحية بالبرامج والمشاريع الميدانية الجادة.
بصراحة هل ثمـة «موانع» تحول دون تواؤم وتعاون العاملين في الحقل الدعوي الإيماني..ومن أي جهة بالضبط ؟
-الاختلاف طبيعة البشر، واختلاف طرائق العمل الإصلاحي ظاهرة إيجابية ومن مظاهره تعدد الهيئات والجمعيات ولامناص من التعاون والتكامل، وفي تقديري أن الموانع التي تحول دون هذه النظرة الإيجابية تكمن في ثلاثة أسباب:
– استحضار صراعات القرن الماضي والحقيقة أن أولويات القرن الجديد مختلفة تماما.
– عدم قراءة المخاطر التربوية والقيمية التي تصيب مجتمعنا وأمتنا قراءة واعية.
– التربية الداخلية على الانكفاء والانعزال داخل الجمعية أو الطريقة أو الجماعة.
تلتقي جمعية المعالي مع جمعية العلماء في عديد حقول العمل والنشاط..هل ثمة تنسيق وتعاون بين الجمعيتين ، بشكل ما؟ وما هي مشاريع ومظاهر هذا التعــاون؟
-جمعية العلماء المسلمين الجزائريين هي أم الجمعيات ومنهجها الإصلاحي والدعوي والتربوي ملهم للكثير من علماء الأمة الإسلامية، ونحن في جمعية المعالي للعلوم والتربية نعتمد أدبيات علماء الإصلاح في الجزائر ونقتبس من شعاعهم وعلى رأسهم الإمام ابن باديس رحمه الله، ونعمل على استدعاء جذورنا العلمية في الحواضر العلمية الكبرى من بجاية إلى تلمسان إلى مازونة إلى توات وغيرها من الحواضر .
– وكما ذكرتم نلتقي مع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في الكثير من الأنشطة والبرامج ونحن على تواصل دائم مع قيادتها للتعاون والتنسيق
– ومن مظاهر هذا التنسيق مشاركة العديد من علماء جمعية العلماء في تأطير ملتقيات ومنتديات جمعية المعالي للعلوم والتربية، ونسعى في المستقبل لتنظيم أنشطة علمية مشتركة
حدّثنا عن العمل الديني الدعوي الإ صلاحي في الجهة التي تعمل فيها وعن المنطقة عموما ..كيف يبدو لك الأمر؟ وهل هناك ما يمكن اعتباره «عقبات» أمام العمل الديني الإيماني الدعوي؟
– أنا أعمل في ولاية تيزي وزو منذ سنة 2010 في المسجد العتيق وسط مدينة تيزي وزو، وكما هو معروف عن الولاية أنها تحتوي على أكبر عدد من المساجد وطنيا، وفيها تقريبا 20 زاوية قرآنية، وقد كانت جبالها تسمى بجبال النور نظرا لكثرة حفاظ القرآن الكريم فيها والآن هنالك جهود دعوية وتربوية مشكورة تقوم بها المؤسسات الرسمية أو الجمعيات الخيرية أو لجان القرى بالمداشر والحمد لله رب العالمين.
– لكن هنالك الكثير من التحديات والعقبات في المنطقة التي تحتاج إلى اهتمام مشترك لتجاوزها منها:
– ضعف التأطير الديني الذي يسد الحاجة ويراعي واقع المنطقة.
– ضعف في مواجهة التيار التغريبي وحملات التنصير.
– بعض الدعوات الانفصالية الشاذة التي لا تعبر عن الواقع الحقيقي للمنطقة
كل ذلك يتطلب خطابا دعويا حكيما وتعاونا على مشاريع الخير الأصيلة في المنطقة.
كيف تنظر إلى مجتمعنا …في أخلاقه وسلوكه وانسجامه وكيف يمكن تلبية احتياجاته الحقيقية: الإيمانية، والروحية، والعاطفية…على النحو المطلوب ؟وما الذي ينقصه بالضبط في تقديرك كقائم بالاتصال الدعوي ؟
-إن المتأمل في حال مجتمعنا اليوم وفي ظل الانفجار التكنولوجي الذي يشهده العالم ومايتعرض له شبابنا بالأخص من غرس للشبهات، ونشر للشهوات، وصناعة مزيفة للقدوات، وتعطيل للطاقات لايملك إلا أن يعلن بصراحة مدوية: أين أهل المنابر؟ أين حراس القيم؟ أين أصحاب الضمير؟
– إن المجتمع في تهاو أخلاقي رهيب، وإن القيم انقلبت والمفاهيم تغيرت، وإن شبابنا بالأخص يعيشون في عوالم وخيالات أخرى ومن مظاهر ذلك انتشار الإباحية والشذوذ، وموجة الإلحاد الجديدة، وظهور الكثير من المجموعات التي تتبنى أفكارا غريبة عن ديننا ومجتمعنا.
– وحتى نكون مبشرين كذلك هنالك الكثير من المظاهر الإيجابية في ظل الصراع العالمي الرهيب لازالت حصنا منيعا في مجتمعاتنا الإسلامية ومنها مفهوم الأسرة والانسجام العائلي مقارنة بالمجتمعات الغربية، وزيادة انتشار الإسلام وافتتاح المساجد مقارنة بضعف الانتماء للمسيحية وغلق الكثير من الكنائس ولعل التقارير الرسمية خير دليل على ذلك.
– وأمام هذه التحديات نرى في جمعية المعالي للعلوم والتربية أن يكون هناك عمل دعوي وتربوي بنائي جاد يستهدف الأطفال والشباب والنساء، وأن تتكاتف في ذلك جهود المؤسسات الرسمية والمؤسسات الطوعية حتى تنقذ مايمكن إنقاذه وحتى نساهم جميعا في خدمة ديننا ووطننا.
لنتحدث بصراحة عن الخطاب الديني ـ المسجدي، كيف تــراه …؟
– المسجد هو منطلق الدعوات ومهما تعددت المنابر الدعوية والوسائط الاجتماعية يبقى المسجد هو الأنموذج الأمثل، وهو يستهدف تقريبا ثلثي الجزائريين، وأئمتنا الأفاضل – وأنا واحد منهم – هم حراس العقيدة وناشروا الفضيلة، ونرى بأن الخطاب المسجدي الناجح هو الذي يكون مبنيا على ثلاثية:
– قوة التأصيل – وجمال التنزيل – والقدرة على التفعيل.
وهذا يتطلب جهدا كبيرا في إعداد الأئمة في الجوانب العلمية والمهارية والسلوكية.
ويتطلب تطويرا للبرامج في معاهد التكوين بحيث تصبح قادرة على معالجة ومواجهة التحديات المجتمعية الكثيرة وتمكن الأئمة من التفاعل مع النوازل المعاصرة، ومجابهة التيارات الهدامة كالإلحاد والحداثة وغيرها، وتتطلب تدريبا مهاريا يعطيه القدرة على الفاعلية والتأثير في محيطه، مع المسحة التربوية والروحية التي هي زاد الدعاة والأئمة دوما.
– لذلك كثيرا مانشاهد خللا في الخطاب المسجدي وفي الفاعلية المرجوة من إخواننا الأئمة نظرا لغياب أحد هذه الأركان الثلاثة.
كيف تنظر إلى علاقة الجمعيات الدعوية والخيرية والثقافية الجادة في علاقتها بالسلــطة؟ وكيف ترجو أن تكون عليه تلك العلاقة ؟
-الأصل في العلاقة بين السلطة والجمعيات هو العلاقة التكاملية التشاركية لاعلاقة التنافس أو التضييق، وإن ما تقوم به الجمعيات الدعوية والخيرية والثقافية الجادة من جهد طوعي كبير يصب في تنمية المجتمع وخدمته هو دور هام جدا يمثل مساعدة ودعما مجتمعيا للهيئات الرسمية، ومع ذلك نرى بأن المجتمع المدني في الجزائر لم يتبوأ بعد المكانة الحقيقية التي تليق به، وإذا رأينا مثلا دور المؤسسات التطوعية في أوروبا أو في أمريكا ومساهمتها الفعالة في إنشاء مشاريع جادة لها قيمة حضارية بميزانيات ضخمة توازي أو تفوق دور المؤسسات الرسمية وذلك بسبب التسهيلات القانونية التي تجعل المتطوع شريكا ومساهما في خدمة المجتمع ، وهذا ما نفتقده في مجتمعاتنا العربية ومن بينها الجزائر.
ونأمل أن يكون هنالك تثمين جاد لدور الجمعيات المنتجة، ومعايير حقيقية لتقييم الجمعيات وفق تواجدها الميداني وخدمتها للمجتمع ويمكن الاعتماد على نماذج لمعايير المؤسسية في الجمعيات حتى يكون التقييم موضوعيا.
وبالمقابل لا ينبغي تشجيع الجمعيات التي لا نعرف منها إلا الأسماء دون أن يكون لها أثر واضح في مجال تخصصها وامتداد معروف في مختلف ولايات الجزائر.
ونأمل من السلطات الرسمية كذلك أن تلتفت إلى التحديات القيمية والأخلاقية التي يتعرض لها شبابنا وتعمل على المستوى الرسمي أو على مستوى التنسيق مع الجمعيات على الاهتمام بالبرامج العلمية والدعوية والأخلاقية التي يمكنها أن تنتشل شباب الجزائر من الآفات الاجتماعية والمخدرات والشذوذ والإباحية وما ينتج عنها من جرائم شنيعة أصبحنا نشاهدها يوميا في وسائل الإعلام.
كلمة أخيرة
-إن الجزائر أمانة العلماء والشهداء، وما أسعد من يكون همه في هذه الحياة أن يسير على هذا الطريق وأن يكون صاحب بعد رسالي خادما لدينه ووطنه، فلا ينبغي أن نكون أنانيين مشتغلين بمصالحنا الشخصية فقط بل يجب أن نكون من أصحاب المعالي والهمم العالية نحمل الخير للناس جميعا وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب الناس إلى الله تعالى؟ فقال: أحب الناس إلى الله أنفعهم…)، ولا يحمل قيمة خدمة الناس ونفعهم إلا أصحاب النفوس الكبيرة، ولاتزال الآمال في بلدنا الجزائر كبيرة جدا نظرا للمجهود التطوعي الكبير الذي نشاهده في مختلف الجمعيات وفي كل المناسبات ما يعطينا صورة جمالية ويبشرنا بمستقبل مشرق بإذن الله وتوفيقه.
وفي الأخير نشكركم كثيرا على هذه الاستضافة الطيبة