وراء الأحداث

لـمحة عن مسار الدكتور سعيد شيبان مع العلم والإيمان والنضال 2/2

الجزء الثاني

أ. عبد الحميد عبدوس/

 

غادر سعيد شيبان يوم 16 ماي 1945 ثانوية ابن عكنون وتوجه رفقه ثلاثة من زملائه إلى مدينة تيزي وزو واستقبلوا من طرف مسؤول حزب الشعب في المنطقة، وبعد قضاء ليلة أولى دعوا إلى حضور اجتماع سري لمسؤولي حزب الشعب الجزائري بجنوب مدينة تيزي وزو، وخلال هذا الاجتماع أخبرهم السيد حاليت – رحمه الله – أن الحزب قد قرر إعلان الثورة المسلحة على فرنسا في منتصف ليلة 23 ماي 1945. وعُين سعيد شيبان للالتحاق بمشدالة – مسقط رأسه – عن طريق عين الحمام للمشاركة في الانتفاضة والاتصال بالسيد أحمد مزياني – رحمه الله- وفي مشدالة نظم السيد مزياني اجتماعين إعداديين، شارك فيهما سعيد شيبان والشهيدان علي أوصافيه، وحموش أبركان – رحمهما الله – وأمضى سعيد شيبان أسبوعا كاملا يصنع الرصاص بالقصب مع عمه وصهره الحاج عبد القادر – رحمه الله – وقبيل يوم واحد من موعد الهجوم على مركز الدرك الفرنسي بمشدالة، ذهب سعيد شيبان لحضور اجتماع أخير مع رفاقه ولكنه وجد مكان الاجتماع خاليا، فذهب يبحث عن رفاقه في مشدالة ولكنه لم يجدهم، وبعد ما ألغي أمر الهجوم من طرف قيادة حزب الشعب، عاد سعيد شيبان بعد إلحاح من والده – رحمه الله – إلى ثانوية ابن عكنون وقال له والده ليقنعه بالعودة إلى مواصلة دراسته العبارة التي قالها الشيخ الحداد لابنه عزيز – عليهما رحمة الله – يا بني كلنا مستعدون لمواجهة فرنسا والثورة عليها، ولكن بماذا؟


ركب سعيد شيبان القطار المتوجه إلى العاصمة وفي محطة ثنية بني عيشة التقى بزميله في الثانوية حسين آيت أحمد وعادا معا إلى ثانوية ابن عكنون. وخلال هذه السنة الدراسية لم يتحصل التلميذ شيبان على القسم الثاني من شهادة البكالوريا، نظرا للظروف التي مر بها ولكنه واصل نشاطه النضالي حيث عين مسؤولا عن الخلايا السرية لحزب الشعب لفئة تلاميذ ثانويات العاصمة وكان الصادق هجرس – الذي أصبح بعد الاستقلال أمينا عاما لحزب الطليعة الاشتراكية (الحزب الشيوعي) – مسؤولا عن خلايا ثانوية ابن عكنون.
في جوان 1946 نجح التلميذ سعيد شيبان في امتحان الجزء الثاني من شهادة البكالوريا، وأكمل بذلك دراسته الثانوية، وسجل نفسه في شهر أكتوبر 1946 في كلية الإعداد الطبي بالعاصمة، وكان مكلفا بإعداد ملخصات وعرض لصحافة حزب الشعب الجزائري مع السيد يحي حسين، وساهم في نشاطات جمعية الطلبة المسلمين بشمال إفريقيا.
وفي ربيع 1947 كلف بتمثيل الشبيبة الجزائرية في المؤتمر الأول للطلبة العرب بأوربا مع يحي حسين وعبد الرحمن کیوان. وفي صيف 1947 استشار الشهيد حسين عسلة – رحمه الله – في الالتحاق بفرنسا لإكمال دراسته في العلوم الطبية وشجعه الشهيد حسين عسلة على ذلك وقال له: اذهب للدراسة لكن ارجع بعد إتمام الدراسة.


وقبل سفره إلى فرنسا كان قد التقى بزميله في الدراسة حسين آيت أحمد الذي كان متخفيا وقال له إذا قررت ألا تواصل الدراسة اقترح عليك أن تكون ممثلا لحزب الشعب في القاهرة. لكن الطالب سعيد شيبان الذي كان متزوجا منذ أوت 1944 من ابنة عمه – رحمها الله – رد عليه قائلا: لقد عزمت على مواصلة دراستي ولكن عند إعلان الانتفاضة العامة اتصلوا بی.
التحق بكلية الطب في ستراسبورغ بفرنسا وظل على علاقة وطيدة بالقضية الجزائرية فكان رئيسا لفرع ستراسبورغ للاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين والذي كان من بين مؤسسيه في خريف 1955.
شارك في الإضراب العام الذي نظمه الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين بالاتفاق مع جبهة التحرير الوطني، وبسبب الإضراب الذي امتد من سنة 1956 – 1957 أجلت كل الامتحانات الجامعية، وبذلك لم يتقدم إلى الامتحان النهائي للتخصص، وتقديم أطروحته في الطب، وبعد رفع الإضراب بالاتفاق مع نظام الثورة وحل الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في 28 جانفي 1958، قدم سنة 1958 أطروحته في الطب العام، وفي سنة 1959 اجتاز امتحان التخصص في طب العيون، ثم سجل نفسه بكلية العلوم بيتراسبورغ ليبرر للإدارة الفرنسية مكوثه في هذه المدينة وفي سنة 1961 طلبت منه فيدرالية فرنسا لجبهة التحرير الوطني الالتحاق بألمانيا (بون) ومنها سافر إلى تونس حيث التقى برئيس الحكومة المؤقتة، السيد بن يوسف بن خدة، والسيد فرحات عباس، والسيد كريم بلقاسم، وعمر أوصديق، ومحمد الصديق بن يحي والدكتور الأمين خان، والسيد بلعيد عبد السلام، وأخيه الشيخ عبد الرحمن شيبان – عليهم رحمة الله ـ واتصل بالدكتور محمد الصغيرنقاش، النقيب في جيش التحرير الوطني، وأول وزير للصحة في أول حكومة للجزائرالمستقلة، ليبلغ له تحية صديق له من ستراسبورغ، فاقترح عليه الدكتور النقاش زيارة إلى الحدود للتعرف على الاحتياجات في طب العيون وهناك لمس حالة الصراع الذي كان يتصاعد بين الحكومة المؤقتة وقيادة أركان جيش التحرير الوطني.


وبعد عودته من تلك الزيارة عين في مصلحة الصحة التابعة لوزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة تحت قيادة الدكتور الرائد أحمد بن عبيد – رحمه الله – كطبيب في قسم طب العيون وأشرف على معالجة الجزائريين والتونسيين في اختصاص طب العيون، مع الدكتور رشید معيزة.
في أوائل ماي 1962 تلقى أمرا استعجاليا من الحكومة الجزائرية المؤقتة للسفر إلى الجزائر، ونقل مع أسرته التي التحقت به في تونس بمساعدة السيد عبد الكريم سويسي من فيدرالية جبهة التحرير بفرنسا وحط الرحال بمدينة روشي نوار (بومرداس حاليا) وهنالك طلب منه الالتحاق بالولاية الثالثة وبعدها زار عائلته التي لم يرها منذ 1954.
وبعد استرجاع الاستقلال الوطني سنة 1962 وبطلب من الرائد الشيخ الطيب – رحمه الله – التحق بمستشفى تيزي وزو الذي لم يكن به طبيب جزائري سواه، وأشرف على مصلحة طب العيون لمدة 6 سنوات، وكان رئيسا للإسعاف الوطني بمنطقة القبائل، (تيزي وزو والبويرة) وكان يرأس هذه الهيئة المناضل الكبير بلقاسم راجف – رحمه الله -، كما كان عضوا في هياكل الهلال الأحمر الجزائري.
ـ حين نُظمت مسابقة التبريز التحق بالعاصمة في أوت 1968، وكان قداقترح في جانفي1964 لشغل منصب أستاذ مساعد في الجامعة، ولكنه لم يستطع الالتحاق بالمنصب بسبب كثرة الأعمال في مستشفى تيزي وزو. وفي سنة 1967عين أستاذا مكلفا بالتدريس في طب العيون بجامعة الجزائر، ولم يحصل على التبريز الكامل إلا في سنة 1969، وفي السنة نفسها عين رئيسا لبعثة طبية جزائرية لمساعدة نيجيريا بسبب الحرب الأهلية.
– في سنة 1970 كان عضوا في لجنة إعداد القانون الأساسي للكشافة الإسلامية الجزائرية.
– عين عضوا في إدارة معهد العلوم الطبية من 1971 إلى 1976.
– ترأس اللجنة التحضيرية لتأسيس الاتحاد الطبي الجزائري وانتخب في المؤتمر التأسيسي أمينا عاما للاتحاد الطبي من سنة 1971 إلى 1977 أمينا وطنيا من 1977 إلى 1981 ساهم في لجنة المعجم الطبي الموحد (إنجليزي، فرنسي، عربی)، من سنة 1974 – 1982 وهو المعجم الذي طبعته في سنة 1983 المنظمة العالمية للصحة.


– أحد الفائزين بجائزة الطب المغاربية في سنة 1985.
– حقق كتاب الكليات في الطب لأبي الوليد بن رشد، مع الدكتور الأستاذ عمار طالبي، وقد طبع تحت إشراف المرحوم الأستاذ الدكتور إبراهيم بيومي مدكور، والاتحاد الدولي للجامع سنة 1989 بالقاهرة.
– عين بالمجلس الإسلامي الأعلى في وزارات الأساتذة مولود قاسم والشيخ عبد الرحمن شيبان، وبوعلام باقی – رحمهم الله – وكان عضوا في لجنة إعداد ملتقيات الفكر الإسلامي.


– عين في حكومة السيد مولود حمروش وزیرا للشؤون الدينية من سبتمبر 1989 إلى جوان 1991.
تعرف في هذه الفترة على علماء كبار من المشرق والمغرب.. وسعى في وزارة الشؤون الدينية لتحقيق مشروع «مؤسسة المسجد» – وهي فكرة للسيد مولود حمروش حمروش رئيس الحكومة الأسبق- بعد الاطلاع على تجارب مماثلة في بعض البلدان الإسلامية، و اقترح تأسيس المجلس العلمي، ومجلس سُبل الخيرات، ومجلس «اقرأ» لتعليم الأطفال ومحو الأمية، ومجلس البناء والتجهيز، هذه المجالس ترافق المسجد.. وقام خلال وجوده على رأس وزارة الشؤون الدينية بإيجاد تصنيف جديد للأئمة.. وإعداد قانون الأوقاف الذي صودق عليه في عام 1991…وما تزال بعض الآثار الطيبة لهذه المرحلة مستمرة إلى يومنا هذا.


– له نشاطات فكرية متميزة في الأبحاث الطبية، والفكر الإسلامي داخل الجزائر وخارجها وله مشاركات عديدة في الملتقيات والمؤتمرات الوطنية والدولية التي تهتم بالفكر الإسلامي والإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والعلوم الطبية.
يقول الدكتور السعيد شيبان: «كان أول اتصالي بمعاني القرآن عن طريق ترجمة «كازيمرسكي» سنة 1945، وقراءة كتاب «الظاهرة القرآنية» بالفرنسية لمالك بن نبي في عام 1947. كانت هذه القراءات بالنسبة لي دعوة للاهتمام بالقرآن قراءة وفهما. وفي 1988 طلب مني الأستاذ عبد الوهاب حمودة رحمه الله ومن الدكتور أحمد عروة رأينا في ترجمة البروفيسورجاك بيرك لمعاني القرآن الكريم لطبعها في الجزائر وتكون تحت إشراف وزارة الشؤون الدينية، وكان رأينا أن لا تقبل الوزارة إشرافها على هذه الطبعة لأسباب ذكرناها يومها».
– في بداية 2001م. أعد حصة هامة بمساعدة الأستاذ الدكتور عمار طالبي، والأستاذ عبد الوهاب حمودة والدكتور محفوظ سماتي، بالتلفزيون الجزائري «كنال ألجيري» باللغة الفرنسية بعنوان «نور القرآن والسنة».
ـ كرم في سنة 2008 بوسام الاستحقاق الوطني من رتبة «أثير».

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com