السياسة من منظور أعلام الجزائر؟ …/ محمد العلمي السائحي
من الطبيعي اليوم أن يتساءل المواطن الجزائري عما إذا كان سياسيو اليوم يفقهون معنى السياسة ووظيفتها في الحياة، وهم يرون أحوال البلاد في تردٍّ مُستمر وهي تسوء من يوم لآخر، إذ الأصل أنهم لو كانوا مدركين لما يقومون به، ويصدرون فيه عن علم مسبق للمقاصد والغايات، لما انتهى الأمر بالجزائر اليوم إلى ما هي عليه، من تعفن للأوضاع، لتوالي النزاعات واشتداد الصراع، لأسباب اقتصادية أو جهوية، أو عرقية، وقد يقول قائل: إن للأيادي الأجنبية دور في ذلك. ونحن لا ننكر ذلك ولا نفنده، بل نحن نؤكده وندعو إلى الحذر منه والاحتياط له، خاصة وأن هناك قوى أجنبية قريبة منا وبعيدة علينا، تعمل حثيثا لنقل الصراع الجاري حاليا في الشرق الأوسط إلى المغرب العربي، وقد أشارت إلى ذلك مصادر سياسية وإعلامية، ولكننا ننبه إلى أنه لو قام السياسيون بواجبهم على النحو الصحيح وحرصوا على استبعاد أسباب الصراع ودواعي النزاع بين عناصر الأمة، واجتهدوا في حماية عناصر الهوية الوطنية وتوحيد كلمة الأمة لأسهم ذلك في تشكيل وحدة وطنية من القوة والمتانة، بحيث لا يسهل على الأجنبي أيا كان اختراقها، والتأثير عليها، وتوجيهها لخدمة أجنداته السياسية، ومصالحه الأمنية، ورهاناته الاقتصادية، حيث أن المفهوم الصحيح للسياسة كما يقول أمير البيان الشيخ محمد البشير الإبراهيمي عليه رحمة الله هو: ” تدبير الممالك بالقانون والنظام و حياطة الشعوب بالإنصاف والإحسان ” وهذا معناه أن الدولة التي لا يُحترم فيها القانون، يختل فيها النظام بالضرورة، والدولة التي تغيب فيها العدالة الاجتماعية تتزايد فيها أسباب التذمر والسخط بين الناس، ومن شأن ذلك أن يعصف بثقة الناس بالدولة، ويذهب بالوحدة الوطنية، ويتسبب في انهيار المجتمع، ويهيئ الظروف الملائمة لتدخل القوى الخارجية وفرض أجنداتها على الدولة، وقد تكون هذه الأجندات مما لا يتفق مع طبيعة المجتمع، ومصالح الناس، فينقلبون على الدولة ويعملون على تقويض أركانها، وهدم بنيانها، ولعل من الأسباب الجوهرية التي دعت الشيخ البشير الإبراهيمي عليه رحمة الله من أوكد مهام السياسة ” إيجاد الأمة ” هو أن الأمة لا توجد بمجرد تجمع الناس على رقعة من الأرض وإنما هي تتكون وتوجد بفعل عمل دؤوب ومستمر يرمي التأليف بين قلوب وعقول الناس، وذلك عن طريق دفعهم إلى تبني أهداف وغايات مشتركة تتعلق بها آمالهم، ويستمرئون العمل لأجلها والتضحية في سبيلها، ولا سبيل لذلك أصلا إلا إذا تولى قادتها في الفكر والسياسة والعلم والدين كما قال الإمام محمد البشير الإبراهيمي: ” تثبيت مقوماتها من جنس ولغة ودين، وتقاليد صحيحة وعادات صالحة، وفضائل جنسية أصيلة، وتصحيح عقيدتها وإيمانها بالحياة، و بتريتها على الاعتداد بنفسها، والاعتزاز بقوتها المعنوية، والمغالاة بقيمتها وبميراثها، وبالإمعان في كل ذلك كله حتى يكون لها عقيدة راسخة تناضل عنها، وتستميت في سبيلها، وترى أن وجود تلك المقومات شرط لوجودها فإذا انعدم الشرط انعدم المشروط”
فكيف بنا ونحن نرى أن سياسيينا يعملون عكس ذلك تماما، فبدلا من توحيد لسانها يعددونه، وعوض أن يثيروا فيها نزعة الاعتداد بالنفس، إذا هم يجعلونهم تستعر بانتمائها، وتتنكر لتاريخها، وتسخر من تقاليدها، وتتمرد على دينها.
إن لباب السياسة كما فهمها أعلام الجزائر وعلى رأسهم الشيخ محمد البشير الإبراهيمي هو:” صناعة الأمم” وقد أفلحوا في ذلك حيث استطاعوا أن يشكلوا من شتات الشعب الجزائري الذي مزقه الاحتلال، بما سلط عليه من جهل وفقر وامتهان، أنساه نفسه وأصوله، أمة عظيمة صاولت أعتى احتلال عرفه التاريخ تسانده قوة الحلف الأطلسي فقهرته، فليس لسياسيينا اليوم أن يهدموا ما بناه الأوائل، ويفسدوا ما أصلحوه، بل يتوجب عليهم تتميم مالم يتموه، وتدارك مالم يتمكنوا من إنجازه، فذلك هو حق الجزائر عليهم، إن كانوا للسياسة مدركون، وبأهدافها واعون…