الشيخ أبو بكر الحاج عيسى الأغواطي سيرة ومسيرة (1987-1912)
د . توفيــــق جعمــــــات/
نوطئ لهذه الشخصية الكبيرة باقتباس فقرة قصيرة للشيخ أحمد حماني – رحمه الله –يعرفه بها فيقول: «كان الشيخ أبو بكر رحمه الله يمتاز بذكاء خارق يبلغ به حد الألمعية (الألمعي الذي يظن بك الظن كأن قد رأى وقد سمعا)، وبالثقافة الصحيحة والعلم الغزير والخلق القويم والتواضع الجم، وبسعة الاطلاع والتضلع في العربية وفي علوم الدين، وبالوفاء والإخلاص لأمته ودينه ووطنه وأصدقائه … لقد خسرت الجزائر بوفاة الشيخ أبي بكر عالما جليلا يذكرنا بشيوخنا الكبار، ابن باديس والميلي والتبسي والإبراهيمي…» اه. فمن هو الشيخ أبو بكر الذي كان يطلق عليه في البصائر نابغة الأغواط ؟
عوامل نبوغه
المناخ الثقافي المصغر الذي نشأ فيه (الأسرة): والذي يتمثل في عائلته بدءا بوالده الشيخ بلقاسم الحاج عيسى الذي كان أحد رجال القضاء الشرعي، وجده الشيخ ابن الدين الأغواطي صاحب الرحلة المشهورة باسمه (رحلة ابن الدين الأغواطي)، الذي كان قاضيا وفقيها وقد كتب الرحلة بناءً على طلب قنصل الولايات المتحدة بالجزائر ويليام هودسون في سنوات(1825-1829) وقد قام هذا القنصل بترجمتها إلى الإنجليزية، ونشرها في فيلاديلفيا بأمريكا في عام 1830 أي أنها كتبت قبل ذلك أي في عام 1826، وبعد نشرها ترجمت إلى الفرنسية وقرئت في الجمعية العامة الفرنسية عام 1832 ومن هذه الرحلة عرف الأوروبيون جغرافية الصحراء الكبرى الجزائرية، وقد ضاع النص العربي لهذه الرحلة لذلك قام الدكتور أبو القاسم سعد الله بإعادة ترجمتها إلى اللغة العربية في كتاب مستقل.
وفي الأسرة جده الأكبر عمود الأسرة بل المدينة كلها، الشيخ الولي الصالح الشيخ الحاج عيسى (1668-1737) الذي ارتبط تاريخه بتاريخ المدينة إذ قدم إليها من تلمسان وكان له الفضل في توحيد القبائل المتخاصمة واجتماع الكلمة بالأغواطـ، وقد اتخذها دارا إلى أن وافته المنية.
طلبه للعلم
كان للشيخ أبي بكر مشايخ كثيرون بلغوا القمة في التبحر والاستدلال وهم باختصار أكبر علماء الجزائر وأكبر علماء تونس، فمن الجزائر الأديب الكاتب والشاعر الألمعي الشيخ سعيد الزاهري الذي قدم إلى الأغواط في سنة 1922 معلما في مدرستها الحرة والعلامة ثم مؤرخ الجزائر الشيخ مبارك الميلي، الذي خلف الزاهري واستمر بالأغواط إلى سنة 1934، وقد كان تأثير الشيخ مبارك الميلي كبيرا في نفس التلميذ أبي بكر فلزم دروسه في شرح «الأجرّومية» و«قطر الندي» في النحو، ورسالة أبي زيد القيرواني في الفقه المالكي وواظب على دروسه المسجدية كشرح البخاري والتفسير والعقائد ودروس الوعظ والإرشاد …
المرحلة الزيتونية: نزح الشاب أبو بكر إلى تونس بإشارة من شيخه رفقة بعثة علمية كونها الشيخ مبارك للتخصص في علوم اللغة والدين بجامع الزيتونة عام 1932 وفي تونس تتلمذ الشيخ على المشايخ محمد الطاهر بن عاشور صاحب التفسير العظيم «التحرير والتنوير» والإمام الأعظم لجامع الزيتونة ومفتي تونس، والشيخ عبد العزيز جعيط والشيخ بلحسن النجار والشيخ ابن عبد السلام التونسي والشيخ محمد الزاغواني والشيخ البشير النيفر والشيخ الهادي العلائي وغيرهم.
تميزه ونبوغه العلمي
لم يكن الشيخ أبو بكر مجرد عالم زيتوني فقد تخرج من الزيتونة المئات من العلماء الجزائريين، بل كان من كبار العلماء الزيتونيين، المشهود لهم بالتبحر في العلم، فقد وصف الشيخ حماني تحصيل الشيخ أبي بكر من الزيتونة بقوله: «وقد تخرج منها (الزيتونة) بتحصيل قلما حصل عليه أحد من المدرِّسين»، ووصف اجتهاده بقوله: «كان عظيم الجد والاجتهاد يدرس حتى الكتب غير المقررة في البرنامج الزيتوني بإيحاء من أستاذه مبارك الميلي، ومنه علمنا أهمية كتاب «المحصول في علم الأصول» للإمام فخر الدين الرازي فقد درسه دراسة خاصة…» اه.
ومن مظاهر هذا النبوغ أنه كان وهو لا يزال طالبا في الزيتونة يدرس مجموعة من الطلبة الجزائريين الزيتونيين من بينهم الشيخ أحمد حماني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، وقد قال الشيخ حماني في مقاله عن الشيخ أبي بكر: «وأحيانا كان يلقننا بعض الدروس سنة 1937/1936 وكنا في سن الأهلية» (يقصد الأهلية الزيتونية)، وقد أكد لي الشيخ أبو بكر نفسه هذه المعلومة؟ في لقاء معه فقال لقد درسته علم المنطق، حيث إن الشيخ أبا بكر كان على وشك التخرج وكان الشيخ حماني في بداية دراسته في جامع الزيتونة.
العالم المتعلم
في أواخر سنة 1937 استدعى الشيخ عبد الحميد بن باديس الشيخ أبا بكر الحاج عيسى ليكون إلى جانبه في التدريس في مدرسة التربية والتعليم، وهي مدرسة مختلطة عصرية تدرس العلوم الشرعية واللغوية والعلوم الإنسانية والتاريخ والرياضة والمبادئ الكشفية واللغة الفرنسية ومبادئ الموسيقى، والتدبير المنزلي للبنات إضافة إلى المواد السابقة، وقد كان الإمام ابن باديس في حاجة إلى من يساعده في التعليم بعد أن كثر عدد التلاميذ وتمايزت مستوياتهم وطبقاتهم، وضاق بهم الجامع الأخضر بقسنطينة، فأنشأ هذه المدرسة وانتدب لمساعدته في التدريس سواء في مدرسة التربية والتعليم أو الجامع الأخضر من يثق فيهم من علماء شباب من أمثال الشيخ المجاهد محمد العابد الجلالى والشيخ الشهيد أحمد بوشمال، والشيخ عبد الرحمن الأخضري، والشيخ الأديب الشهيد أحمد رضا حوحو والشيخ أبي بكر، وبعد سنوات استدعى المشايخ محمد الصالح رمضان وأحمد حماني وابن عمه الصادق حماني، وللقارئ أن يسأل كيف اهتدى الشيخ ابن باديس إلى الشيخ أبي بكر الذي لم يمض على تخرجه من الزيتونة سوى سنة واحدة ؟ الجواب أن الشيخ ابن باديس كان يتابع الطلبة الزيتونيين ويعرف عنهم الكثير ثم هناك تزكية شيخه الشيخ مبارك الميلي والشيء الثالث أن الطلبة الجزائريين كان لهم تنظيم خاص بهم، ولهم جمعية هي «جمعية الطلبة الجزائريين التونسيين» ولهم مجلة دورية، وكانوا يشاركون في نشاطات جمعية العلماء في الجزائر بل كان معظمهم أعضاء عاملين في جمعية العلماء الجزائريين، ومنهم الشيخ أبو بكر الذي حضر الاجتماع السنوي لجمعية العلماء في نادي الترقي في العاصمة الجزائرية عام 1934 وكان طالبا زيتونيا عمره 22 عاما، وقد رأيت صورة الشيخ أبي بكر ضمن الصور المخلدة للاجتماع وهي في كتاب «ابن باديس حياته وآثاره» لعمار طالبي.
إذن لبى الشيخ أمر الإمام وحزم حقائبه إلى قسنطينة وباشر التدريس، وكان من بين تلاميذه الكاتبة المتميزة زهور ونيسي، واستغل الشيخ فترة تواجده بقسنطينة في الدراسة على الشيخ عبد الحميد بن باديس فقرأ عليه الأدب من كتاب الأمالي لمحمد بن يزيد المبرد وهو من أمهات كتب الأدب التي ذكر ابن خلدون أنها تكسب الملكة الأدبية، وحضر درسه في شرح مقدمة ابن خلدون وحضر دروسه في التفسير وفي شرح الموطأ، وهكذا جمع الله له في لائحة مشايخه جماعة من أفضل علماء الجزائر وتونس، وعند هذا الحد نكون قد أنهينا الكلام عن مرحلة التحمل والتكوين للشيخ فماذا عن مرحلة الأداء؟
عمله في جمعية العلماء المسلمين
الشيخ أبو بكر الحاج عيسى ابن جمعية العلماء المسلمين فهو لم يعرف غيرها، تدرج في مدارسها طفلا وهاجر إلى الزيتونة بإشارتها شابا وتوظف في مدارسها وعمل في مؤسساتها المركزية كهلا وبقي ثابتا على نهجها حتى أشرقت شمس الاستقلال، وكذلك كان أخوه الشيخ أحمد بن بوزيد قصيبة.
وقبل تفصيل الكلام على المسؤوليات والوظائف التي أسندت إليه في مؤسسات الجمعية نذكر واقعتين تدلان على مكانته عند مؤسسي الجمعية الأوائل: الأولى منهما تكليفه من الشيخ عبد الحميد بن باديس بإلقاء درس مكانه من على كرسي التفسير ولكنه استحى أن يتكلم في التفسير إشفاقا على نفسه، والتفسير ساحة ابن باديس فألقى درسا شرح فيه بيتا من الشعر العربي القديم ونشره في البصائر في عدد دسمبر1937 بعنوان «دعائم العز» وسنه خمس وعشرون سنة ومما جاء في افتتاحيته:
«بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على النبي الكريم، السلام عليكم أيها الإخوة، يجمُلُ بي، وقد حللتُ محلَّ أستاذنا باديس في محادثته التي اعتاد –حفظه الله- أن يُسمعكم إيَّاها كلَّ يوم أحد، أن أعتذر إليكم أن حَرَمْتُكُم التَّذَوُّق إلى نفاسة معانيه وغوالي حكمه ومواعظه. هذه الليلة التي تستبطئون حلولها، وتودُّون بكل قلوبكم أن تشد نجومها بكل مغار الفتل حتى لا تفلت منكم فيفوتكم كل خير في الاستماع إلى داعية الخير والحق المخلص، فتستضيء نفوسكم بفضل شعاع إيمانه المقتنع النافذ إلى الأعماق؛ وتتزوَّدون من إخلاصه ما يطرد عنكم وسواس الشيطان ووحي البيئة الوبيئة كل الأسبوع…».
– الواقعة الثانية تكليفه بإلقاء كلمة في حفل ختم القرآن للشيخ عبد الحميد بن باديس ممثلا لفئة من شباب جمعية العلماء وهي «فئة تلاميذ التلاميذ» فالشيخ أبوبكر تلميذ الشيخ مبارك الميلي وهذا الأخير تلميذ ابن باديس أي انه كان من خطباء الحفل وقد قدمه الشيخ الإبراهيمي للجمهور بقوله: «الأستاذ أبو بكر الأغواطي أستاذ شاب أخذ عن الأستاذ الميلي ثم نزح بإشارته إلى تونس في بعثة إلى جامع الزيتونة، وهو الآن يشغل مركزا من مراكز جمعية العلماء لا يقوم به إلا المحنكون، وقد حضر الاحتفال طائفة من هذه الطبقة (تلاميذ التلاميذ) وألقى الأستاذ أبو بكر هذه الكلمة ممثلا لهم متكلما باسمهم لعدم اتساع الوقت لجميعهم».
وكان حفلا مشهودا التقى فيه العلماء من كل ربوع الجزائر وقد حضر الاحتفال وفود من تونس من الطلبة والعلماء وقد كان الحفل بتاريخ 12 ربيع الأول من عام 1357ه الموافق لسنة 1938، وكلمة الشيخ أبي بكر منشورة في العدد الخاص بختم التفسير من جريدة «الشهاب» عدد جوان وجويلية 1938.
ونعود إلى عمله في جمعية العلماء المسلمين، فنقول بأن الشيخ قد شغل عددا من الوظائف الهامة، نلخصها في العناصر التالية:
1- تكليفه برئاسة المكتب العمالي (من العمالة) للجزائر العاصمة عام 1939:
وهذا المكتب يشرف على نشاط جمعية العلماء شعبها ومدارسها ومساجدها… في كل ولايات الوسط الجزائري مثل الجزائر العاصمة والبليدة والمدية الجلفة الأغواط غرداية … وله من السن 27 سنة وتنظيم جمعية العلماء قسّم الجزائر إلى ثلاث عمالات، عمالة الجزائر ورئيسها الشيخ أبو بكر، وعمالة قسنطينة ورئيسها الشيخ أحمد حماني، (24 سنة) وعمالة وهران ورئيسها الشيخ سعيد الزموشي (39سنة)، وقد رشح لهذا العمل لما لوحظ من كفاءته وسمته وخلقه أثناء تواجده بقسنطينة إلى جوار الشيخ ابن باديس، وهذه المناصب تخضع للانتخاب في مؤتمر الجمعية السنوي العام.
2- عضويته للمجلس الإداري لجمعية العلماء المسلمين:
وهو أعلى هيئة قيادية للجمعية فقد انتخبه الأعضاء العاملون في الجمعية في هذا المنصب عام 1946 وذلك في الاجتماع الكبير الذي نظمته جمعية العلماء في قاعة الماجستيك بالعاصمة والذي حضره 5000 مناصر وعضو عامل في الجمعية وهذه العضوية تعرض للانتخاب كل سنة في المؤتمر السنوي للجمعية وقد استمر عضوا في المجلس الإداري للجمعية إلى أن حلت الجمعية من طرف الاستعمار، ولم يكن في الأعضاء من هو أصغر سنا سوى الشيخ أحمد حماني(1915) وهذا يبين اعتماد جمعية العلماء على العناصر الشابة.
3- تكليفه بمسؤولية الكاتب العام لجمعية العلماء المسلمين من 1946 إلى 1951:
وقد خلف الشيخ العربي التبسي الذي رقي إلى منصب نائب رئيس الجمعية، وهذا المنصب هو ثالث منصب في قيادة جمعية العلماء بعد رئاسة جمعية العلماء والنيابة، وفي المكتب الإداري أعضاء أسن منه ولهم أقدمية كالشيخ محمد خير الدين (1902)، والشيخ أحمد توفيق (1899) وهما من أوائل الأعضاء المؤسسين للجمعية، والشيخ عبد اللطيف سلطاني(1902) والشيخ أحمد سحنون(1907)، ولنا أن نلاحظ من خلف الشيخ في المنصب (العربي التبسي) ومن خلفه في المنصب بعد طلب إعفائه وهو الشيخ أحمد توفيق المدني المؤرخ الكبير لنعرف قيمة الشيخ أبي بكر في الجمعية.
4- عضويته في لجنة التعليم العليا:
وهي كما وصفها الشيخ عبد الرحمن شيبان «وزارة تربية وتعليم شعبية» مهمتها الإشراف على التعليم الحر في الجزائر وقد أسس هذه اللجنة الشيخ البشير الإبراهيمي عام 1947 لما كثرت المدارس وتضاعفت الأشغال فأسند كل قضايا التعليم إلى هذه اللجنة ومن صلاحيات هذه اللجنة توظيف المعلمين ودراسة حركة تنقلاتهم، وتعيين المفتشين وإقرار المناهج والبرامج التعليمية والإشراف على الامتحانات وإعلان نتائجها … وتتكون هذه اللجنة من المشايخ العلماء:
– الشيخ إسماعيل العربي، الشيخ عبد القادر الياجوري (وادي سوف)، العباس بن الشيخ الحسين (رئيس المجلس الإسلامي الأعلى قبل الشيخ حماني وإمام مسجد باريس) والشيخ محمد الغيسري (سطيف) والشيخ أحمد حماني (الميلية) والشيخ علي مرحوم (جيجل) والشيخ الشهيد أحمد رضا حوحو (سيدي عقبة بسكرة) والشيخ محمد الصالح رمضان(بسكرة) والشيخ الصادق حماني، وانبثق عن هذه اللجنة مكتب دائم يتكون من المشايخ:
إسماعيل العربي رئيسا (بجاية)
الشيخ أبو بكر الحاج عيسى عضوا
الشيخ محمد الغسيري عضوا.
وقد تغيرت تشكيلة لجنة التعليم العليا عدة مرات لظروف خاصة لا يتسع المجال لذكرها.
5- تكليفه بالتفتيش الجهوي لمدارس جمعية العلماء الحرة: من طرف لجنة التعليم العليا وفي ما يلي رسالة من الشيخ الإبراهيمي مؤرخة في 27 مارس 1950 تحمل رقم 23 إلى الشيخ أبي بكر يكلفه فيها بالتفتيش ونص الرسالة كالآتي:
«ولدنا الأعز الشيخ أبا بكر بن بلقاسم بن الحاج عيسى بالأغواط حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته:
وبعد فإن لجنة التعليم العليا كانت قررت في اجتماعها السنوي نظاما للتفتيش على أساس
جهوي يوزع على جماعة من مديري المدارس الأكفاء أنتم أحدهم، وعَرَضْتهُ علينا في حينه مصحوبا بالملاحظات الفنية الاجتماعية لنقرره وننفذه، فوافقنا عليه بعد التأمل ومنعنا
من تنفيذه في الفصلين الماضيين من السنة عدة اعتبارات منها عدم من يخلفكم في أيام التفتيش… فإننا نكلفكم بالقيام فورا بمباشرة التفتيش المعين لكم في المناطق المفصلة كما يأتي: الأغواط، الجلفة، سيدي عيسى، وليكن ابتداء التفتيش يوم 25 أبريل 1950 على إثر الانتهاء من راحة الربيع مباشرة – تأتيكم مع هذه الرسالة تعليمات مدققة فقوموا بتنفيذها، وتقديم تقرير واف عنها بالتفصيل، ولتكن هذه التقارير عندنا بالبريد المضمون قبل نهاية شهر ماي المقبل وإن كنت أعلم أن هذا العمل مرهق، ولكنه لازم، فقوموا به بكل ما أعهده فيكم من نشاط وأمانة وإخلاص…».
والدكم محمد البشير الإبراهيمي رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
6- تكليفه بإدارة مدرسة الإرشاد بالبليدة:
تم تعيين الشيخ أبي بكر مديرا لمدرسة «الإرشاد» التابعة لجمعية العلماء بمدينة البليدة سنة 1950 مع احتفاظه بالمسؤوليات الأخرى، وهي عضوية المكتب الإداري للجمعية ومسؤولية الكاتب العام للجمعية، وعضوية لجنة التعليم العليا، فكان يباشر مهمته يوميا في مدرسته في البليدة فإذا استدعي لاجتماع أو كلف بمهمة ذهب إلى العاصمة واستخلف على عمله في المدرسة من يثق فيه من قدماء المعلمين.
في 1951 خلف الشيخ أحمد توفيق المدني الشيخ أبا بكر في مسؤولية الكاتب العام وقفل الشيخ راجعا إلى الأغواط ليكون معلما في مدرستها الناشئة التي فتحت أبوابها في 1948 وليدعم الحركة التربوية والإصلاحية فيها، مفضلا مدينته على المناصب ومستعفيا من المسؤوليات التي كانت تثقل كاهله.
ولسائل أن يسأن كيف يفضل الشيخ أبو بكر التخلي عن المهام الجليلة التي كان مكلفا بها في البليدة والعاصمة، ويعود إلى الأغواط قانعا بمهمة معلم في مدرسة التربية والتعليم في ولاية داخلية؟ ولماذا لم ينح نحو زملائه المشايخ عبد الطيف سلطاني وأحمد سحنون وأحمد حماني ومصباح الحويذق وعمر العرباوي وعبد الرحمن شيبان وغيرهم الذين قرروا الاستقرار في العاصمة وتوسيع دائرة تأثيرهم، الجواب هو شعور الشيخ أبي بكر بالمسؤولية تجاه ولايته ولأجل شد أزر الشيخ الشهيد أحمد شطة مدير مدرسة التربية والتعليم وتقاسم الأعباء معه، ولم يكن الشيخ الإبراهيمي مقتنعا برأيه ولكنه لم يشأ إجباره على البقاء في العاصمة وكثيرا ما كان يقول له: «حبك الأغواط يعمي ويصم».
-المهم أن شيخنا عاد إلى الأغواط واكتفى بعضوية المجلس الإداري للجمعية بالإضافة إلى القيام بالتدريس في مدرسة التربية والتعليم والوعظ والإرشاد.
وواصل جهاده التربوي بعد الاستقلال في الوظيفة التي يتقنها والتي عمل فيها طوال حياته وهي المجال التربوي، فكلف بالتفتيش في التعليم الابتدائي والمتوسط على المستوى الجهوي ثم اقتصر على الأغواط إلى أن تقاعد.
وقد كان –رحمه الله – حسن الخلق عف اللسان سهل العريكة هينا لينا يحبه كل من يتصل به لذاك كان مرجع الناس في الفتوى والإصلاح بين الناس، وكان منزله إلى أن انتقل إلى رحمة الله في 1987 قبلة المستفتين والمسترشدين والزائرين.
المصادر :
– مقال الشيخ أحمد حماني عن الشيخ أبي بكر الحاج عيسى جريدة الشعب
– مقال الشيخ أحمد قصيبة عن الشيخ أبي بكر الشيخ أبي بكر بمجلة القعدة
– آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي
– كتاب ابن باديس حياته وآثاره عمار طالبي
– مجلدات جريدتي الشهاب والبصائر
وثائق ومقالات إلكترونية ومقالات في مجلات محكمة
– شهادات حية.