حديث في السياسة

البعد الإصلاحي لفلسفة الملتقيات في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/ التهامي ماجوري

تنظم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بالتنسيق مع مركز الشهاب ومديرية الشؤون الدينية والأوقاف بولاية سطيف ملتقى دوليا بعنوان: “واقع القدس والمسجد الأقصى ومستقبل الصراع”، تحت شعار: “شركاء في القضية… شركاء في التحرير”، وذلك خلال يومي: 2 و3 فبراير 2018م. وفي أيام 19، 20، 21 جانفي نظمت الجمعية ملتقى الشيخين واحتضنته شعبة ولاية تلمسان، حول الإصلاح الإسلامي في الجزائر السنوسيان –محمد بن يوس السنوسي ومحمد بن علي السنوسي- أنموذجا، وفي يومي: 2، 3 ديسمبر 2017م نظمت شعبة الجمعية بقسنطينة بالتنسيق مع مكتب الإتحاد العالمي للعلماء المسلمين بتونس ملتقى دوليا بعنوان “تفعيل العقيدة في الاستنهاض الحضاري”، وسيكون بعد أشهر قليلة ملتقى دوليا تنظمه شعبة وادي رهيو بولاية غليزان حول الأسرة بعنوان: “الأسرة المسلمة المعاصرة رهانات وتحديات”. وقد كانت هذه الملتقيات مسبوقة بملتقيات أخرى مهمة أيضا، فملتقى برج بوعريريج الدولي الذي وصل إلى الطبعة الثامنة، كما احتضنت البرج ملتقى الشيخين الثاني وهو آخر ملتقى تنظمه، ولكنه توفق مؤقتا لأن الإخوان في البرج توجهوا بكل قواهم المادية والمعنوية إلى التركيز على المركب التربوي الثقافي الذي استنفذ كل قواهم المادية والمعنوية، وملتقى عين ولمان في طبعته السابعة، وملتقى الأوراس 4 أو 5، وملتقى القرآن الكريم بالوادي وصل إلى الطبعة العاشرة وتوقف، إضافة إلى ملتقيات وأيام دراسية أخرى أقل أهمية في شكلها أو في مضمونها.

كل هذه الملتقيات –وطنية ودولية- عالجت الكثير من الأمور العلمية والعملية، وأعادت إلى الساحة النقاش الحقيقي والجاد الذي افتقدته البلاد منذ ثلاثة عقود على الأقل. وعندما يختفي النقاش والحوار والمبادرات وغيرهما من الفعل الحضاري الهام، فإن المجتمع يفقد بوصلته بالضرورة؛ لأنه إذا لم يهتد إلى ساحات الحوار والنقاش والمبادرات وحتى الجدل، فهو إما ينكفي على نفسه، وهنا تظهر الذاتية بأبشع صورها ومظاهرها القاتلة، أو ييأس من الواقع الذي يعيش فيه؛ لأنه يشعر بالمشكلة والأزمة، ولكنه لا يرى بذور التخلص منها، فيشعر بضرورة التخلص من نفسه أو التخلص من محيطه، ونماذج ذلك التطرف الصدامي الحاد، وظاهرة “الحرقة” وظاهرة الانتحار التي لم يعرفها المجتمع الإسلامي في عصر من عصوره إلا عندما فقد جذوة الإيمان وفاعليته.

ولو عدنا إلى الملتقيات الأربعة: ملتقى القدس، وقبله ملتقى تلمسان، وقبله ملتقى قسنطينة، وملتقى واد رهيو، لوجدناها تسير على نسق معين، تسير وِفقه أو تحذو حذوه الجهات المنظمة، رغم أن تنسيق هذه الجهات لم يكن؛ لأن التنسيق مع المكتب الوطني لا يعدل من المقترحات إلا نادرا، والمقترحات ومبرراتها دائما كانت وما زالت محصورة في الجهات المنظمة، ومع ذلك جاءت بهذا التناغم. فأن يكون هناك ملتقى حول تفعيل العقيدة في الاستنهاض الحضاري، ويعقبه ملتقى حول التجديد بدراسة نماذج مغاربية، ثم يكون ملتقى حول قضية الأمة المركزية وهي القضية الفلسطينية ومسألة القدس تحديدا، وفي الأخير تكون هذه الملتقيات متبوعة بملتقى حول الأسرة المسلمة في هذا الجو العولمي المتفسخ، فمعنى ذلك أن كل إطارات الجمعية من قيادتها المركزية إلى شعبها الولائية والبلدية، تحمل نفس الشعور بالمشكلات التي أصابت العالم الإسلامي، ونفس التخوفات التي تهدد مستقبله، وتريد أن تقفز على هذا الواقع المزري، سواء بالبحث في تفعيل الإيمان في نفوس الناس، أو بدراسة النماذج النهضوية الناجحة في العالم الإسلامي، أو بالعودة إلى أبجديات القضية، وهي العودة إلى تربية الفرد ومحيطه الأقرب له ألا وهو الأسرة.

إن الملتقيات التي عددنا بعضها آنفا، لم تقف عند موضوعات معينة، فمنها من نحى منحى المسائل الوطنية تحديدا كقضية التربية التي كانت في ملتقيين في باتنة وفي برج بوعريريج، في سنوات سابقة، ومنها من ركز على موضوعات لها علاقة بحركة المجتمع، مثل مفهوم المجتمع والحرية، في ملتقيات القرآن الكريم في شعبة الوادي، أو التعريف بعلماء الجزائر كما هو الحال في ملتقى الشيخين، الذي أخذ على عاتقه أن يعرف بعالمين من علماء الجزائر: فكان الملتقى الأول: الشيخان ابن باديس والإبراهيمي، والثاني أبو إسحاق طفيش والتبسي، والثالث السنوسيان، ومن خلال الشيخين تدرس مسألة أو مسائل تهم الأمة عموما والمجتمع الجزائري خصوصا.

والغاية من الملتقيات في الجمعية بالأساس إحداث حركية وحيوية في المجتمع من أجل ترقيته إلى مستوى البحث عن الحلول لمشكلاته، وتكريس مبدأ النشاط الثقافي هو الأساس في الحركة والمجتمع.

على أن نجاح كل نشاك مجتمعي مرهون بمستوى فكره وثقافته، وليس بمستوى ماله وقوته. فيمكن أن يكون المجتمع غنيا، ويملك من القوة ما يهز بها الجبال، ولكنه لا يحرك ساكنا، بسبب فقدانه للحيوية الثقافية؛ لأن مستواه الثقافي لا يسعفه لفعل شيء لتواضعه أو انعدامه، والثقافة هي نظرية في الحركة والفعل أكثر منها نظرية في المعرفة كما يقول بن نبي رحمه الله؛ لأنها تمثل “ما يبقى من مقاعد الدراسة بعدما ننسى كل شيء تعلمناه”. ثم إن هذه الملتقيات تبني شبكة للعلاقات بين أبناء الشعب عموما وأبناء الجمعية خصوصا؛ لأن هذه الملتقيات يحضرها أناس من داخل هياكل الجمعية وخارجها، ليتعلموا ويفهموا ويكتشفوا، ويحضرها آخرون للسياحة، ويحضرها آخرون للالتقاء بأصدقاء لهم ربما لم يلتقوا بهم منذ سنوات، ويحضرها غيرهم للفضول أو للالتزام والانضباط بموجبات الانتماء للجمعية، وفي كل ذلك خير؛ لأن النوايا الفردية غالبا ما تذوب في مبتغى الغايات الجماعية، بسبب النقاش والحوار والسمر والتنزه الذي يحدث بين المجموعات التي تكون في الغالب من ولايات مختلفة جاءت لهذا الملتقى أو ذاك، هذا في العادة، أما إذا كان للملتقى خطة استثمارية في الحضور فإن الثمرة سوف تكون أعمق وأدق.

وشبكة العلاقات التي تنشئها التنظيمات بنشاطاتها، شبكة قوية، وربما تحولت إلى مستويات أعلى كالصداقة والزمالة والمصاهرة والشراكة في مشاريع استثمارية…إلخ. ومن آيات نجاح العلاقات الاجتماعية ذوبان القضايا الفردية في الإطار الجماعي، فبقدر شعور الفرد بالجماعة وتثمين الجماعة للفرد تكون العلاقات ناجحة، ونجاح شبكة العلاقات في أي تنظيم أو مؤسسة من أهم نجاحات التنظيم والمؤسسة، لأن حبل الثقة متين، وتحقيق المكاسب أقرب إلى الجميع من اليأس والقنوط.

وأخيرا فإن الغاية والأهداف الهامة للملتقيات، هو كسر جدار الصمت والقضاء على اليأس وزعزعة الركود، بإحداث اهتزازات الشعور بالخطر الذي يتهدد المجتمعات المخلفة الراكدة والراقدة؛ لأن الملتقى ببعده العلمي الثقافي، لا يعالج موضوعا أو محورا لمواضيع إلا ليحدث سؤالا معرفيا، لماذا نحن على هذه الحال؟ ولماذا لم ننهض؟ ولماذا لم نتقدم؟ وبماذا نجحت التجربة (الفلانية)؟ وبماذا تفوق المفكر والعالم والفلاني؟ أين الخلل؟ وهذه التساؤلات المعرفية التي تكون في العادة نهاية كل نشاط علمي ثقافي، تحدث في الإنسان جملة من التفاعلات الشعورية واللاشعورية، وتثير بذلك حراكا ثقافيا هاما، قد يراه بعض الناس كلاما وكفى، ولكنه في الواقع كلام له امتداداته، وما بدايات الحروب إلا كلمات قالها القائد أو ذاك.

بعض الناس يرون أن الملتقيات لا معنى لها…! وإنما هي تبديد لأموال الأمة…! وهذا في تقديري قصور في الفهم؛ لأن النظر في الموضوع لا ينبغي أن ينصرف إلى كم صرفنا؟ أو كم أنفقنا؟ وإنما يجب أن يتجه إلى كم من فكرة سكنت بعض عقول الناس؟ وهي طريقها إلى التنفيذ أو الإنجاز؟ وكم من مجموعة تعارفت مع بعضها؟ وتواعدت على الشروع في عمل؟ أو فعل شيء؟ أو إنجاح مشروع يخدم الأمة؟

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com