تطاول الأقزام على الرسول والقرآن والإسلام

د. يوسف جمعة سلامة*/
يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}.
تناقلت وسائل الإعلام قبل أيام التصريحات المُسيئة لرسولنا محمد – صلّى الله عليه وسلّم – ولأُمِّ المؤمنين عائشة –رضي الله عنها-، التي أطلقها المُتحدِّث باسم الحزب الحاكم في الهند، والتي تُعَدّ جريمة كبرى وإساءة مُباشرة لملياري مسلم في العالم.
إِنَّ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يتابعون باستياء بالغ التصريحات المُسيئة إلى النبي-صلّى الله عليه وسلّم- وبيته، التي تتحدّى مشاعر المسلمين في كلّ مكان، وتستثير ضمائرهم، وتنال من دينهم، وهم يرفضون تلك الإساءات المتكررة، ويدينون بشدّة تلك المُمارسات المُسيئة المُتَهوِّرة، ويدعون إلى وقفها فوراً، وترك التّطاول على الإسلام والإساءة لنبيه – صلّى الله عليه وسلّم -، واحترام مقدسات المسلمين وقيمهم.
إِنّ الله سبحانه وتعالى قد حفظ مقامَ سيّدنا محمد -صلّى الله عليه وسلّم- بقوله تعالى: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)، فمقامُ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- محفوظ، وجنابه منصور، والمُسيء إليه مخذول، قال الله تعالى: (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )، وقال جلّ شأنه: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)، وقال سبحانه وتعالى أيضًا: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ).
كلنا فداك يا رسول الله
إِنّ هذه الأعمال الإجرامية تأتي استمراراً لجرائم التَّطاول على الدين الإسلامي الحنيف وعلى رسولنا –صلّى الله عليه وسلّم-، فَمِنْ رسوم مُسيئة للرسول – عليه الصلاة والسلام-، إلى حرق نسخ من القرآن الكريم، إلى طعن في عقيدتنا الإسلامية، وتشويه لتراثنا الإسلامي، إلى قتل وتعذيب وتشريد للمسلين في بلاد عديدة.
فقد درج بعض الحاقدين على التشكيك في نبيّ الإسلام والطَّعْن في رسالته، لأنهم يريدون الإساءة للرسالة الإسلامية والنَّيْل من صاحبها – عليه الصلاة والسلام –؛ لذلك فإِنّ الواجب علينا ضرورة التَّمَسُّك بِسُنَّة الرسول – صلّى الله عليه وسلّم– قولاً وعملاً، وكذلك نُصرته-عليه الصلاة والسلام-، والدّفاع عنه والذبّ عن سُنّته وهَدْيه، والتَّصدي للحاقدين الذين يعملون على النَّيْل من قَدْرِه والتشكيك في رسالته، وتعريف الآخرين بسيرة النبي – صلّى الله عليه وسلّم-، وذلك من خلال وسائل الإعلام المختلفة.
إنَّ هذا العمل الإجرامي يُثير حالة من الغليان والغضب الشعبي والرسمي في الشارع العربي والإسلامي، نتيجة لهذا الفعل المُسيء للإسلام والمسلمين في كافة أرجاء المعمورة، فقد عبَّرت الأمة عن مدى حُبِّها للنبي – صلّى الله عليه وسلّم – فرأينا الشّجب والاستنكار لذلك، كما رأينا المؤتمرات تُعقد لنصرته -عليه الصلاة والسلام-، ورحم الله القائل:
يا سيّدي يا رسولَ اللهِ آلَمَنَـــــا أنْ قامَ غِرٌّ بــدارِ الكُفرِ عَادَاكَ
وغيرُهُ قام في حِقدٍ وفي صَلَفٍ بالزّورِ والظُّلْمِ والعُدْوانِ آذاكَ
هذا وذاكَ يُريدانِ الدّمارَ لَنَـــــا لا تُبـــقِ يا ربِّ لا هذا ولا ذَاكَ
مَزَّق خطاب النبي – صلّى الله عليه وسلّم- فَمَزَّق الله مُلْكَه
من المعلوم أنّ رسولنا – صلّى الله عليه وسلّم– قد بَعث رُسُلاً من أصحابه، وكتب معهم كُتُباً إلى الملوك يدعوهم فيها إلى الإسلام، ومن هؤلاء الملوك كسرى ملك فارس، حيث كتب النبيّ – صلّى الله عليه وسلّم- إلى كسرى ملك فارس: («بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافّة، لِيُنْذِرَ مَنْ كان حَيًّا ويحقّ القول على الكافرين، فأسلم تسلم، فَإِنْ أبيتَ فَإِنّ إثم المجوس عليك».
واختار لحمل هذا الكتاب عبد الله بن حذافة السّهمي، فلما قُرئ هذا الكتاب على كسرى مَزَّقه، وقال في غطرسة، عبدٌ حقيرٌ من رعيّتي يكتب اسمه قبلي، ولما بلغ ذلك رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم– قال: «مَزَّقَ الله مُلْكَه»، وقد كان كما قال)، فقد تمزَّق مُلك كِسرى، ولم يبق للأكاسرة مُلك، وأخذ المسلمون جميع ملكه وفتحوا بِلاده كلّها في عهد الخلفاء الراشدين.
هذه هي عاقبة المُستهزئين الذين يتطاولون على سيِّدنا وحبيبنا محمد – صلّى الله عليه وسلّم – فهناك من شُلَّتْ يده جزاءً له على تكبّره وتعاليه على توجيهات النبي – صلّى الله عليه وسلّم –، وهناك من لفظته الأرض لأنه سبَّ واستهزأ بالرسول الكريم – عليه الصلاة والسلام -، وكأنها تقول له: لا مكانَ في بطني لمن استهزأ بك يا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- .
وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِِمَّ نُورَه
لقد ظنّ الحاقدون على الإسلام وعلى رسولنا – صلّى الله عليه وسلّم- أَنَّ أعمالهم الإجرامية التي مَسّتْ مقام رسولنا محمد – صلّى الله عليه وسلّم – وبيته وغيرها من الأعمال الإجرامية، سَتُشَوِّهُ صورته، وأنّ ذلك سَيُطفئ نوره، ويمنع ظهوره: {وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ}، ونسوا أنّ الإسلام لن ينتهي من هذه الدنيا؛ لأنه يوم أن ينتهي الإسلام من هذه الدنيا فلن تكون هناك دُنيا؛ لأنّ الشمس ستنطفئ والنجوم ستنكدر والحصاد الأخير سيطوي العالم أجمع.
ومن فضل الله سبحانه وتعالى أنّ الناس في كلّ يوم يدخلون في دين الله أفواجا، كما أنّ عشرات الآلاف يعتنقون هذا الدين سنوياً في أوروبا بفضل الله سبحانه وتعالى، وهذا ما أكّده المُفَكّر الإنجليزي (برنارد شو) عندما قال: (لوْ حَكَمَ هذا العالم رجلٌ كمحمد لقدّم له الحلول لمشكلاته، بل لَفَتَحَ كلّ مُستغلق من شؤونه وفي وقت قريب)، وفي ذلك دلالة واضحة على أنّ العالم قَدْ يَئِسَ من جميع الأيدلوجيات الاشتراكية والرأسمالية، وما عليه إلا أنْ يدرسَ هذا الدين ويؤمن برسالة سيّدنا محمد–صلّى الله عليه وسلّم – وَيُطَبّق مبادئ الإسلام، لتعيش البشرية حياة آمنة مطمئنة إن شاء الله.
واجب الأمة نحو السُّنّة النبوية
إِنَّ مكانة النبي – صلّى الله عليه وسلّم – في نفوس المسلمين أعظم مِمَّا يتصوّر الحاقدون، والمَسَاس بها أخطر مِمَّا يُقَدِّرون، فالأمة الإسلامية تُحبّ الرسول- صلّى الله عليه وسلّم -، ومن مُقْتضيات مَحَبَّته -صلّى الله عليه وسلّم-، تعظيمه وتوقيره – عليه الصلاة والسلام- والدّفاع عنه والذّبّ عن سُنَّته وهديه، وضرورة الوقوف ضِدَّ حملات النَّيْل منه – صلّى الله عليه وسلّم – والتشكيك في منهاجه وسبيله،كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}، وهؤلاء المجرمون لا يقتصرُ وجودهم على حياته- عليه الصلاة والسلام-، بل يتكاثرون بعد مماته.
لذلك فإِنّ الواجب علينا ضرورة التَّمَسُّك بِسُنَّة الرسول – صلّى الله عليه وسلّم– قولاً وعملاً، واتباع منهجه، وتعريف الآخرين برسولنا – عليه الصلاة والسلام- وبسيرته العطرة، مُستخدمين كلّ وسيلة مُمْكنة، كما يجب على أبناء الأمة الإسلامية من علماء ودعاة ومفكرين بذلَ كلّ ما في وُسْعِهم من أجل تربية النفوس وبناء العقول و إصلاح القلوب، اقتداءً بالرسول محمد – صلّى الله عليه وسلّم -، وذلك من خلال: إعداد جيل ناشئ على حُبِّ النبي – صلّى الله عليه وسلّم- وإحياء سُنَّته وربط الشباب بها، وتشجيعهم على العناية بها وحفظها وتطبيقها، وإنشاء مواقع مُتَخصِّصة في السُّنّة النبوية الشريفة على الشَّبكة العنكبوتية بِعِدَّة لغات، وإقامة المسابقات في حفظ الأحاديث النبوية، وإعادة نشر المؤلفات المَعْنِيّة بالسُّنّة النبوية الشريفة وسيرة النبي– صلّى الله عليه وسلّم- ليقتدي بها شباب الأمة الإسلامية.
إننا ندعو الأمتين العربية والإسلامية، والمجتمع الدولي، للوقوف جنباً إلى جنب للتصدي لهذه الهجمة الإجرامية التي تمسّ عقيدة نحو ملياري مسلم في العالم، وتُثير الضغائن والفتن والكراهية بين الشعوب، وتُشكّل كارثة على العلاقات الإنسانية والتعايش بين البشر، وكذلك اتخاذ الإجراءات اللازمة ضِدَّ الدُّول والهيئات والصُّحف التي تُسيء لرسولنا -صلّى الله عليه وسلّم – والقرآن الكريم والإسلام والمسلمين، وضرورة إصدار قانون دولي يُجَرِّم الإساءة إلى الأنبياء–عليهم الصلاة والسلام-، والتَّصدي بكل حزم لهذه الإساءات، وكلّ أشكال التطاول على الرسول الكريم وعلى الدين الإسلامي الحنيف.
وصلّى الله على سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
* خطيب المسـجد الأقصى المبـارك
وزير الأوقاف والشئون الدينية السابق
www.yousefsalama.com