إذا أخطأ الطبيب في العلاج هل تجب عليه الدية؟
الشيخ محمد مكركب أبران
Oulama.fatwa@gmail.com
الســــــــــــؤال
قال السائل: أخذت ابني إلى طبيب عام، فوصف له وصفة علاج، ولَمَّا تناول الدواء الذي وصفه له الطبيب، زاد عليه الألم واشتد الوجع، فذهبت به إلى المستشفى، وما إن وصل إلى قاعة الفحص في جناح الاستعجال حتى مات، ولَمَّا حققوا في سبب الوفاة وجدوا أن السبب خطأ في وصف الدواء. وسؤالي: هل الطبيب ضامن؟ وهل تترتب عليه دية قتل الخطأ؟
الجـــــــــــواب
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: مهنة الطب تقتضي العلم والخبرة والتخصص: وكلمة الطِّبُّ: من الفعل: تَطبَّبَ الطَّبيب، في البحث عن طرق العلاج. والطَّبُّ: العالِمُ بالأُمِور. وأصل الطِّبّ: الحذق بالأشياء والمهارة بها. فليس كل من يلبس مئزرا أبيض أو أزرق هو طبيب. وفي معاني الطب، قال عنترة:{إِن تغد دوني القِنَاعَ فإنني … طَب بِأخذ الفارِسِ المستلئِم}. والطبيب هو الحاذق الفاهم الخبير بعلم البدن في مجال اختصاصه. فيُقَالُ: رَجُلٌ طَبٌّ وَطَبِيبٌ، أَيْ عَالِمٌ حَاذِقٌ. والمهنة:{الطِّبُّ} وهو: علاج الجسم أو النفس. أو مداواة المرضى، لتخليصهم من المرض، أو لحمايتهم منه. والله تعالى أعلم وهو العليم الحكيم.
ثانيا: هل الطبيب ضامن؟: يكون الطبيب ضامنا في حالتين، ولا يكون ضامنا في غيرهما. إذا لم يكن مكلفا أي إذا لم يكن مجازا في الطب، وتطفل على مهنة الطب. والحالة الثانية إذا قصر تقصيرا واضحا. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: وهل تترتب الدية على خطأ الطبيب؟: لابد من تبين الفرق بين الخطأ في التقدير أثناء الاجتهاد. والخطأ الإهمالي الذي سببه التقصير. الخطأ لغة: هو: قول أو فعل عن غير عمد، فالخطأ نقيض العمد، ومخالفة الصواب. تقول: أَخْطَأت أُخطئ خِطْأَ وخَطَأً وإخطاءً، وَالِاسْم الخَطَأ. فكل من فعل ما يجب فعله، واجتنب ما ينبغي اجتنابه، أي: اتبع الطريقة المشروعة العلمية، واستعمل الوسيلة المشروعة المجمع على صلاحها، ثم وقع الخطأ، فهذا هو الذي يسمى الخطأ أثناء الاجتهاد. فلا يحاسب العبد ولا يأثم الطبيب ولا غيره.
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا تُوَسْوِسُ بِهِ صُدُورُهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ، أَوْ تَتَكَلَّمْ بِهِ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ](ابن ماجه: 2044).
ولكن الطبيب إذا أخطأ في أنه لم يتبع العلم أو الطريقة أو الوسيلة اللازمة، أي خطأ عدم الاتباع، أو ما سميناه{الخطأ الإهمالي} فتجب عليه الدية. قال ابن رشد في بداية المجتهد: {وأجمعوا على أن الطبيب إذا أخطأ (خطأ التقصير) لزمته الدية، مثل أن يقطع الحشفة في الختان، وما أشبه ذلك؛ لأنه في معنى الجاني خطأ. قال: وعن مالك رواية: أنه ليس عليه شيء، وذلك عنده إذا كان من أهل الطب (فتدبر إذا كان من أهل الطب). ولا خلاف أنه إذا لم يكن من أهل الطب أنه يضمن؛ لأنه متعد. والدية فيما أخطأه الطبيب عند الجمهور على العاقلة، ومن أهل العلم من جعله في مال الطبيب. ولا خلاف أنه إذا لم يكن من أهل الطب أنها في ماله على ظاهر حديث عمرو بن شعيب} (بداية المجتهد:4/200) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
رابعا: القاعدة أن المريض إذا أحس بزيادة الألم يرجع إلى نفس الطبيب: لعدة أسباب. منها: أولا: أن الطبيب الأول يعلم من الفحص الأول أمورا، وحينها يستطيع إن كان الخطأ عفويا أن يصلحه في الحين. ثانيا: قد يكون الخطأ ليس في الدواء وإنما في طريقة تناوله. ثالثا: قد يكون ظهر من استعمال الدواء مرض آخر لم يكن ظاهرا. وقد قرأتم قصة حديث العسل، ومريض البطن. عن أبي سعيد: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أخي يشتكي بطنه، فقال: [اسْقِهِ عَسَلًا] ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: [اسْقِهِ عَسَلًا] ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: [اسْقِهِ عَسَلًا] ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ؟ فَقَالَ: [صَدَقَ اللَّهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ، اسْقِهِ عَسَلًا] فَسَقَاهُ فَبَرَأَ] (البخاري:5684) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.