في رحاب الشريعة

حسن بناء العـــــــلاقات في التعامل مع غــــير المسلمين والمسلمات

أ. محمد مكركب/

 

بحكم الواقع الحياتي والمعيشي بين الناس جميعا، يجد المسلم نفسه مضطرا إلى التعامل مع المسلمين ومع غير المسلمين، مع كل بني آدم، ويعطي كل ذي حق حقه، حق المودة والإخاء لكل المؤمنين، وحق التعامل بالقسط مع غير المؤمنين، وهذه المعادلة المعمول بها منذ القديم، منذ بدء النظام المجتمعي، ومنذ بداية نظام المدن الحضارية، على هذه الأرض.
فالأرض مسكن الجميع، والناس يشتركون تعاملا وتعاونا وتكاملا في الأسواق، والطرق، والبحار، والفضاء، ويتجاورون في السكن، والسفر، والعمل، والتجارات، والتبادل في العلوم، والمقايضة في المؤن والبضائع، خصوصا في زمننا هذا حيث صار العالم قرية واحدة، حسا ومعنى، بفضل تطور الاتصالات، والمواصلات، والإرسال والاستقبال. كل هذا يجعل الناس جميعا ملزمين بالتكيف مع المستجدات، فوجب على الجميع التفقه في حسن بناء العلاقات.
واعلموا أن قوام العلاقات بين الناس يحكمها الدين، طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية، وقد عَلِمَ الناسُ أو يجبُ أن يعلموا، أن الناس جميعا ملزمون بالاحتكام إلى الشريعة الإسلامية، التي مصادرها:{القرآن، والحديث، والإجماع، والقياس} وذلك منذ سنة: 610م الموافق لـ:13.ق.ه. لأن الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم أُرْسِل إلى الناس جميعا. قال الله تعالى:﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾(الأعراف:158) وفي الحديث.[ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ] (مسلم:153)
والناس في هذه الدنيا صنفان مسلمون، وغير مسلمين، فالمسلمون هم الذين يتدينون بالدين الحق وهو الإسلام، وفي زماننا هذا منذ التاريخ الذي بيناه، منذ البعثة النبوية، يتبعون النبي محمدا صلى الله عليه وسلم، وهذا حكم الله سبحانه وتعالى. والصنف الثاني وهم غير المسلمين وهم كل الذين كَذَّبُوا بِنُبوة خاتم النبيين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ورفضوا اتباع القرآن.
فَقِوَامُ العلاقات بين الناس جميعا: هو القيم الإنسانية، التعاون على فعل الخير، وإقامة العدل، وحسن عمارة الأرض وإصلاحها، ونشر العلم، واتخاذ أسباب الصحة.
ما يجوز التعامل به مع غير المسلمين: فمنه: المجاورةُ والمرافقةُ بالإحسان، والبيعُ والشراءُ في المباحات بما يحقق السماحة والحنان، والتكاملُ في العمل الاقتصادي والصناعي قصد النهضة والعمران لكل بني الإنسان، وتبادلُ الخدمات الصالحة المباحة، كالطب، وغيره لإحقاق السكينة والاطمئنان. قال الله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة:8) مع مراعاة ضوابط وحدود التدين، وفق قانون الإيمان، أي وفق أحكام الشريعة الإسلامية، أن يظهر المؤمن بمظهر سلوكه الإيماني في المحافظة على الصلاة، والصيام في رمضان، ولا يجامل غير المسلم في ترك واجب من الواجبات الدينية، ولا يحضر معه طقوسه المخالفة للدين.
مالا يجوز العمل به مع غير المسلمين، نذكر منه:
1 ـ لا يجوز للمسلم أن يتزوج غير المسلمة، ولا يجوز للمسلمة أن تتزوج غير المسلم. قال الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾(الممتحنة:10).
2 ـ لا يجوز التوارث بين مسلم وغير مسلم، فلو أسلم رجل وبقي والده على غير الإسلام، فإذا مات أحدهما لايرثه الآخر. عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لاَ يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ وَلاَ الكَافِرُ المُسْلِم](البخاري:6764. أخرجه مسلم في أول كتاب الفرائض رقم 1614).
3 ـ لا يجوز الاستعانة بالمشرك والكافر في الجهاد. ففي الحديث عن عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ بَدْرٍ، فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ، فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَوْهُ، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جِئْتُ لِأَتَّبِعَكَ، وَأُصِيبَ مَعَكَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:[تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ؟] قَالَ: لَا، قَالَ:[فَارْجِعْ، فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ] (مسلم: 1817).
4 ـ لا يجوز الاستعانة بالكفار في مناهج التربية، وكل المسائل الثقافية، لأن الله تعالى حذر من شرهم وكيدهم، وأنهم لا يحبون الخير للمسلمين، فقال سبحانه وتعالى:﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾(البقرة:105).
5 ـ لا يجوز الموالاة مع الكافرين والمشركين. وهو ما يعرف في زمننا هذا بالتطبيع مع الكفار الذين يحتلون أراضي المسلمين، وخاصة أولئك الذين يحتلون أراضي الشام وفلسطين، والأقصى، يحرم موالاة الكافرين على حساب المسلمين.
والموالاة هي: المحالفة، والمناصرة، فيحرم أن يتخذ المسلمون الكافرين أولياء ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا﴾(النساء:144) وولاء الْمُوَالَاة سببه العقد الذي يجْرِي بَين اثْنَيْنِ، أو بين قبيلتين، أو بين دولتين، فيسمى حلف الصداقة والمناصرة. والله تعالى نهى عن اتخاذ اليهود والنصار أولياء. فقال:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (المائدة:51).
6 ـ لا يجوز اتخاذ المستشارين من الكافرين. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (سورة آل عمران:118). قال القرطبي:{نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يَتَّخِذُوا مِنَ الْكُفَّارِ وَالْيَهُودِ وَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ دُخَلَاءَ وَوُلَجَاءَ، يُفَاوِضُونَهُمْ فِي الْآرَاءِ، وَيُسْنِدُونَ إِلَيْهِمْ أُمُورَهُمْ. وَيُقَالُ: كُلُّ مَنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِكَ وَدِينِكَ فَلَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تُحَادِثَهُ، قَالَ الشَّاعِرُ: عَنِ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ … فإن القرين بالمقارن يقتدي}(4/178) قال الله تعالى:
﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾ فكيف أيها الحكام أيها الرؤساء والأمراء والملوك، كيف أن الله تعالى ينهى عن موالاة كل الكافرين، ثم نهى بالخصوص عن موالاة، وعن مصادقة، اليهود والنصارى، ثم مازال بعض الحكام من بلدان إسلامية يتولون اليهود، والنصارى، حلفاء وأصدقاء، ويتخذون منهم مستشارين في الدفاع والإعداد، والتربية والاقتصاد؟ قال الله تعالى:﴿هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ﴾ إن حُكَّام الكفار لا يحبون حكام المسلمين الذين يتولونهم، يضحكون لهم في وجوههم، والحقيقة أنهم يضحكون عليهم، فكل حاكم مسلم يتولى الكافرين يجعلونه لعبة يلعبون به، ويذلون رعيته، ويستولون على خيرات بلاده.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com