رسالة العلماء/ محمد الصالح الصديق

رسالة العلماء في هذه الحياة عظيمة وخطيرة، وهي أجل وأوسع وأعمق من أن تفي بوصفها هذه الكلمة، حسبنا ما قاله الله تعالى:
{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28(} [سورة فاطر:28]، وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187(} [سورة آل عمران:188]، وقال {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159(}.
ومجمل ما تفيد هذه الآيات هو ما يلي:
أولا: العلماء أشد الناس خشية لله تعالى وأتقاهم، لأنهم أعلم به، وبمقدار تعمق الإنسان في العلم وغوصه في بحره بصدق وإخلاص تكون خشيته، ويكون نفعه للعباد والبلاد.
وهذه الخشية هي ثمرة العلم وغاية الاشتغال به، فإذا لم تحصل للعالم هذه الخشية كان كمن يتاجر بلا ربح، أو يحرث بلا زرع؛ وفي هذا العصر كثرت المدارس والمعاهد والكليات، وأصبح الذين يترددون عليها في بلدنا – الجزائر- فقط يزيد عددهم عن ثمانية ملايين طالبا، ولكن الثمرة قليلة جدا، لأنه علم بلا خشية لله تعالى، ولو كان في علم هؤلاء الملايين خشية لله لظهر ذلك في حياتهم، وفي معاملاتهم، وحتى في سلوكاتهم.
ثانيا: يجب على أهل العلم أن ينشروا علمهم وأن لا يكتموه، فإنهم إنما تعلموه ليفيدوا به، لا أن يكتموه، أما الذين حرموهم من هذا العلم فمثلهم كمثل ظامئ حرم من ماء، أو مريض منع من دواء. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَلَوْلا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا حَدَّثْتُ حَدِيثًا، ثُمَّ تَلا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ} [سورة البقرة:174]، وَ {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [سورة البقرة: 159] . وَإِنَّ إِخْوَانَنَا الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَإِخْوَانُنَا الأَنْصَارُ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الْعَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِشِبَعِ بَطْنِهِ، وَيَحْضُرُ مَا لا يَحْضُرُونَ.“
ثالثا: إذا كان هناك من يتقرب إلى الله تعالى بالذكر والتلاوة والتهجد، فعلى العالم أن يتذكر كل حين أن نشره للعلم عبادة، وأنه إذا أضاء قلبا بالعلم أضاء الله قلبه غدا، ويكفي في هذا السياق أن أذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر].
رواه أبو داود والترمذي