عين البصائر

لا تحكم قبل أن تعاشر

أ. لخضر لقدي/

 

حياة الإنسان تجارب ومع كل تجربة يأخذ درسا ويستفيد عِبرة ويزداد نضجا ودراية، فإذا أخذ من تجاربه الدرس استفاد وأفاد، وإذا أهمل الدرس دفع ثمنا غاليا لسوء اختياره.
والناس أصناف وأنواع وأشكال وألوان منهم الطيب وفيهم الخبيث ومنهم الثابت وفيهم المتلون، وكما تزخر الدنيا بالصالحين أصحاب القلوب الطاهرة والأخلاق السامية والمبادئ القيمة، هي مليئة بالطالحين الذين يزينون قبحهم بجميل اللباس:
يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً  ويَروغُ منكَ كما يروغُ الثّعلبُ
ونظرة المسلم لنفسه أو لغيره لا ينبغي أن تقتصر على الجسد والمظهر بل لابد أن تغوص في الجوهر والمخبر، فالإنسان كتلة متشابكة من جسد ومشاعر وغرائز ومكبوتات ومظاهر وأموال وممتلكات، وينبغي أن نغوص في الأعماق وأن يثير اهتمامنا ما يتحدد به الإنسان من قيم ومبادئ وأخلاق ومشاعر طيبة، أما المظاهر فليست سوى صورة مزيفة نحاول أو يحاول الآخر من خلالها أن يظهر على الصورة التي يمكن أن تثير إعجابنا وتشد انتباهنا.
والمؤسف أن نرغب في الآخر من خلال ما يبدو عليه، وهذه الرغبة ستتلاشى بمجرد ما ينطق الآخر بحقيقته التي أخفتها عنا مظاهره التي تبدو حسنة.
فلا تغرنكم الأشكال والرسوم، وركزوا على الروح التي تسري في القلوب، وزينوا الباطن والظاهر بزينة الإيمان والإسلام.
فقد صحّ الحديث أنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى الأَجْسَادِ والصُوَرِ، وَلَا إِلَى الأَمْوَالِ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى القُلُوبِ والأَعْمَالِ.
وصحّت الأحاديث أن اللهَ لاَ يَنْظُرُ إلى من بِهِ خُيَلاَءَ، وَلَا إِلَى مَنَّانٍ وَمُنفقٍ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ، وَلَا إِلَى شَّيْخ زَانٍ، وَلَا إِلَى عَاقٍّ بِوَالِدَيْهِ وَمُدْمِن خَمْر، وَلَا إِلَى مَنَّانٍ بِمَا أَعْطَى، وَلَا إِلَى رَجُلِ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ.
والمعيار عند مولانا تبارك تعالى وما يكون به القبول والزلفى ليس بالصور والأشكال والجمال والكمال الجسمي، وإنما بما يقر في القلوب من إيمان وتقوى وإخلاص وما يصدق ذلك من صدق ورحمة وإتقان وأخوة وعمل صالح تظهر على الجوارح وأقوال اللسان، فهذه هي جوهر الإسلام.
يقول الإمام الغزالي رحمه الله: «اعلَمْ أَن آداب الظَّواهر عنوان آداب البواطن، وحركات الجوارح ثمرات الخواطر، والأعمال نتائج الأخلاق، والآداب رشح المعارف، وسرائر القلوبِ هي مغارس الأفعال ومنابعها، وأنوار السّرائر هي التي تُشرق على الظّواهر فتزينها وتحليها. ومن لم يخشع قلبه لم تخشع جوارحه، ومن لم يكن صدره مشكاة الأنوار الإلهيَة، لم يفض على ظاهره جمال الآداب النَّبَويَّة».
وقديما قيل: ما كل بيضاء شحمة ولا كل سوداء تمرة، وليس كل ما يلمع ذهبا، وما كلّ من هزّ الحسام بضارب، ولا كلّ من حمل اليراع بكاتب.
والدين المعاملة لم يصح حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يروه علماء الحديث ولكن معناه صحيح، فكم من السهل علينا تحسين مظاهرنا وتزيينها وليس سهلا التزام الشرع في معاملة الناس.
يحكى أن طائرا اقترب ليشرب من بركة يلعب قربها أطفال فخاف وانتظر حتى دنا من البركة شيخ يبدو وقورا عندها تقدم الطائر ليشرب فرمى الشيخ الطائر بحجر، حينها قال الطائر: إنّ عينَ الرجل لم تؤذيني بل اللحيةُ هي التي خدعتني!!!!.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com