الطروحات النظرية للنزعة البربرية الاستعمارية من خلال إرنست كاريت (1889 -1808)/ عبد اللطيف سيفاوي
النزعة البربرية من حيث الأسس النظرية التي تقوم عليها طرح مرتبط بالوجود الفرنسي بالجزائر، و لقد ظهرت في عهد مبكر بعد الاحتلال بشكل واضح و صريح في آخر العقد الأول من الاستعمار.
وفي حقيقة الأمر وخلافا لما هو موجود في الشرق الإسلامي فإنّ خلو المجتمع الجزائري من ظاهرة تعدد المذاهب والنحل والأديان، أي بتعبير آخر تجانسه الثقافي، هو الذي أدى إلى أن يرتكز جهود العسكر والباحثين الفرنسيين على مسألة التمييز بين العرب والبربر.
ولقد تتابعت الدراسات والكتابات والطروحات التي تؤكد هذا التوجه، مع محاولات وضع سياسات تنطلق من حيث خلفياتها و تسعى من خلال أهدافها إلى تكريس فكرة وجود مجتمع منقسم ومتباين، شريحة ذات أصول بربرية تكاد تكون مختلفة في كل شيء وهي الشريحة ذات الأصول العربية.
ويصعب سرد مختلف ما جاء على لسان ساسة وعسكر و علماء فرنسا حول هذه المسألة لكثرتها ولبقائها محل اهتمامهم طيلة الحقبة الاستعمارية كلها، ولكونها مثلت موضوعا اساسيا وثابتا للإستشراق الفرنسي.
و بالنسبة للدراسات البربرية يعتبر الكتور سعدالله أنّها تندرج في إطارما أصطلح عليه بالسياسة البربرية وأنها عرفت قفزة نوعية ابتداء من التسعينات على يد رينيه باصي الذي يعتبرالمؤسس الحقيقي للدراسات» العلمية «البربرية، والتي بدأت بكاريت وتعمق فيها وارنييه واصّلها وكشف عنها صباتييه [1].
وأمام الكم الضخم من الدراسات التي استمرت طيلة الوجود الفرنسي بالجزائر سوف نبرز أطروحة المستعمر حول تلك المسألة من خلال التركيز على بعض الشخصيات العسكرية والعلمية و الدينية و السياسية التي كان لها الوقع الأكبر في بلورة أسس النزعة البربرية، مع تحديد المحطات الأساسية التي ميزت تاريخ هذا الاهتمام، وأخيرا استخراج أهم الأسس التي قامت عليها و أهم تفاصيلها .
–كاريت
ويمثل إرنست كاريتErnest Carette المثال الحي للعسكري المثقف، الذي سخر العلم والبحث لخدمة السياسة الاستعمارية، وهو يمثل أيضا النموذج الواضح للعسكري الحقود على حد تعبير الدكتور سعدالله.
الشيخ مبارك الميلي الذي يستشهد به في تاريخه قال عنه مخاطبا إياه “لست بمؤرخ يحترمه القارئ ولا بسياسي يغر البربر ،فإنّهم لا يرضون عن تحاملك على العرب ولا سيما الفاتحين”[2].
وتكمن خطورة كاريت في كون أنّ أعماله،وخاصة عمله الذي قام به في إطار لجنة اكتشاف الجزائر التي أنشأتها وزارة الحرب الفرنسية سنة 1937،شكلت مرجعا أساسيا لجل الدراسات التي اهتمت بالموضوع بعده، وذلك باعتبارها من أولى الدراسات الميدانية حول منطقة القبائل وإن كانت قد تمّت قبل وقوع المنطقة بكاملها تحت السيطرة العسكرية الفرنسية.
ومما يميز أعمال كاريت أنّها أثرت في كثير من الدراسات اللاحقة من خلال مجموعة من المسائل اعتبرت فيما بعد من الحقائق والمسلمات في الدراسات البربرية.
فهو مخترع مصطلح “القبائل على وجه التحديد”، ويقصد بذلك منطقة القبائل الكبرى، وهو أول من نبه على وجود قانون عرفي للبربر ووظف هذا الاكتشاف لأهداف مغرضة.
وغزال في مقدمته لمئوية احتلال الجزائر ينوه بجهود العسكر في الميدان التاريخي، ويذكر على رأسهم كاريت ويقول عنه أنّه قدم أجمل الدراسات حول الأهالي[3].
ولكاريت مجموعة من الدراسات، الأولى تحت عنوان “بلاد القبائل على وجه التحديد”
La Kabilie proprement dite وهي الدراسة الوحيدة في إطار لجنة
الاكتشاف العلمي للجزائر التي أعتنت بمنطقة محددة بعينها وقد قام من خلالها بتمييز قبائل جرجرة عن باقي من كانت تشملهم تلك العبارة، واجتهد أن يحددها جغرافيا وأن يميزها عرقيا واجتماعيا واقتصاديا، معتبرا أنّ هناك اختلافات عرقية في حدودها الجنوبية )أي العرب(، واقتصادية في حدودها الشرقية و سياسية في حدودها الغربية) لتفاصيل أكثر الرجوع إلى كتاب باتريسيا لورسان([4].
وفي هذه الدراسة بالذات جاء تأكيد كاريت على ضرورة منح هذه المنطقة وسكانها عناية خاصة -وذلك ما كان- فكتب ما ترجمته كالتالي “نؤمن أنّ بلاد القبائل التي بقيت إلى يومنا هذا خارج الإتصال المباشر، وبقيت في حالة حرب مع كل الهيمنات السابقة ،يجب أن تصير في غضون بعض سنوات المساعد الأكثر ذكاء لمؤسساتنا والشريك الأنفع لأعمالنا”.
وفي كتابه هذا أيضا طرحت أهم الأفكار التي سوف تكون بمثابة الأسس النظرية للطرح الفرنسي حول القبائل بصفة خاصة ومن ذلك:
-حب الاستقلال كسمة من سمات البربر ومحافظتهم على لغتهم ويذكر أنّ الأمازيغ من حيث المعنى تعبر عن الحرية ويضيف أنّ ما يميز هذه المنطقة عن جيرانها الاستقلالية من نير الأتراك وأنّ عبقرية العرب الغزاة استطاعت أن تفرض معتقداتها الدينية سلميا عن طريق المرابطين لكن عجزوا فرض سلطتهم ولغتهم عليهم.
-كره العرب للقبائل مؤكدا أنّ العرب كانوا يسمونها العدوة.
– الطابع الديمقراطي للنظام الاجتماعي لمنطقة القبائل.
كما يعتبر كاريت من الأوائل الذين دعوا إلى الاهتمام باللغة البربرية والأسماء ، ويذكر أنّ في غياب تقاليد للغة مكتوبة فإن دراسة الأسماء ممكن أن تكشف الجوانب غير المعروفة من تاريخ الجزائر وأنّ تسميات القبائل تحوي كل تاريخ المنطقة.
وفي كتابه الثاني المهم والذي يعتبر من المراجع الأساسية لكل من اهتموا بالمنطقة من بعده فهي دراسة حول القبائل الجزائرية.
ويبين كاريت أن ليس هدفه التأريخ ،إنّما البحث في الأسباب التي جعلت افريقيا الشمالية تنزل إلى المستوى الذي تحتله اليوم بين الأمم ،وتبيان ما هو العرق بين العرقين الذي يمكن أن يتعاون مع فرنسا أو يعاديها.
وفي هذا الكتاب يظهر جليا كرهه للعرب فيصفهم بالجشع والسذج ويصف مؤرخيهم بالسذج عند استعراض أرائهم حول مصدر كلمة البربر و بالفاقدين للمصداقية بخصوص أرائهم حول جذور شعب البربر ، معتبرا أنّها خليط من نصوص من الإنجيل وأساطير قديمة أو محلية وإن كان يستثني من هؤلاء ابن خلدون معتبرا رأيه حول جذور البربر الأكثر عقلانية ويشرح أنّ مع كل التغييرات التي مسّت هذا العرق فهناك بعض السمات المميزة وفي كل العهود تعيد انتاج النوع الأصلي.
كما تناول بالتفصيل ما سماه الغزو الثاني ويعني به النزوح الهلالي للمنطقة مبينا تأثيراته البالغة عليها، بإدخال القبيلة العربية بالمنطقة ،و هي مسألة بقيت محل اهتمام بالغ من طرف الفرنسيين، مع محاولات تقديم قراءات تخدم أطروحاتهم.
وهو يقدم عدد مليون نازح، وأنّ حركة الهجرة تواصلت في مدة نصف قرن ومع نهاية القرن السادس عشر بلغ عدد العرب المنتشرين على كل أرض المغرب 4 ملايين.
يشبه كاريت الغزو الأول )الفتح الإسلامي) بالإعصار الذي في لحظة يقلع الأشجار من جذورها ويحطم البنايات، أما الغزو الثاني الهلالي فيشبهه بالحريق الذي يلتهم كل شيء في طريقه، معتبرا أنّ ما تركه الإعصار قائما، جاء الحريق ليلتهمه.
ويخلص إلى أنّ المعارك الأولى ضد العرق المعتدي، تقدم للتاريخ بعض الأمثلة عن إنسانية ورحمة القادة الإفريقيين التي تتباين والسلوك الهمجي للقادة العرب.
وهكذا فإنّ كاريت الحاقد على العرب، ستكون أعماله وأفكاره، أساس كل الدراسات التي ستأتي من بعده، والتي ستكرس فكرة انقسام الشعب الجزائري.
[1] 30أبو القاسم سعدالله ،تاريخ الجزائر الثقافي ،ج8، دار البصائر،الطبعة السادسة 2009 ،ص.
[2] مبارك بن محمد الميلي ،تاريخ الجزائر في القديم و الحديث ،الجزء الثاني ،دار الكتاب 2014، ص 492
[3] Stéphane Gsell ,Histoire et historiens de l’Algérie, collection du centenaire de l’Algérie, 1931, introduction P 8
[4] Patricia M.E.Lorcin, « Kabyles,arabes,français :identités coloniales »,ed Pulim,2005,