مناسبة مرور عام على حكم دونالد ترامب: “شؤم على أمريكا، وكارثة على الأمة الإسلامية”/ عبد الحميد عبدوس
يفتخر الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بأنه أعطى القدس للإسرائيليين، وكأنه تبرع بملك أبيه ليحل مشكلة التيه اليهودي، أما ممثل اليمين الإنجيلي المتطرف “مايك بنس” نائب الرئيس الأميركي، الذي تقمص شخصية حاخام يهودي أثناء خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي، بحضور رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو”، فقد اعتبر أن (اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل هو إقرار تاريخي، وأن الرئيس “دونالد ترامب” صحح خطأ عمره 70 عاماً). أي أن سلطات الولايات المتحدة التي صوتت على القرار الأممي (181) الذي قسم فلسطين التاريخية إلى دولتين واحدة لليهود والأخرى للفلسطينيين، و12 رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية بدءا من “هاري ترومان” إلى “باراك أوباما” ،كانوا على خطأ حتى جاء “دونالد ترامب” ليصحح “الخطأ التاريخي” الذي وقع فيه الجميع.
ولعل “دونالد ترامب” كان ينتظر من الفلسطينيين أن ينضموا إلى الإسرائيليين للاحتفال بـ “قراره التاريخي”، الذي يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها. فقد اعتبر رفض الرئيس محمود عباس القبول بقراره ورفض استقبال “مايك بنس” إهانة له. وقال “ترامب” يوم الخميس 25 جانفي 2018م خلال لقاء ودي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي “بينيامين نتنياهو” في دافوس، حيث شاركا في المنتدى الاقتصادي العالمي: «لقد قللوا من احترامنا قبل أسبوع بعدم السماح لنائب رئيسنا الرائع بمقابلتهم». وأضاف: «نحن نمنحهم مئات الملايين، وهذه الأموال لن تسلم لهم إلا إذا جلسوا وتفاوضوا حول السلام».
وفي نفس اليوم شنت السفيرة الاميركية في الأمم المتحدة “نيكي هايلي” هجوما شرسا على الرئيس الفلسطيني محمود عباس الخميس أمام مجلس الأمن، وقالت أنه يفتقر إلى الشجاعة الضرورية لتوقيع اتفاق سلام. رغم أن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” أشاد في ماي الماضي (2017م)، خلال غداء عمل مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالبيت الأبيض، بـ: «قيادته الشجاعة وحكمته وقدرته التفاوضية».
لقد بدأ يتشكل انطباع في أمريكا وفي أوساط الرأي العام العالمي بأن السياسة المتهورة والمتعجرفة للرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، وفريق إدارته الرئاسية قد تقود العالم إلى كوارث يصعب الخروج منها، فلم يمض سوى عام واحد على وصول “دونالد ترامب” إلى رئاسة أقوى دولة في العالم، حتى أظهر آخر استطلاع أجرته مؤسسة «جالوب»، لسبر الآراء أن “دونالد ترامب” الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية لم يحصل إلا على نسبة 37% فقط من التأييد لفترة حكمه خلال العام الأول، الذي وافق 20 يناير 2018م، وهي أدنى نسبة لشعبية أي رئيس في تاريخ أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية، كما اظهر استطلاع أجرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، بعد مرور عام على دخول ترامب البيت الأبيض، بأن هناك 38% من المواطنين يشعرون بالاشمئزاز من العام الأول لـ”ترامب” في الرئاسة.
ورغم ذلك صرَّح الرئيس “دونالد ترامب”: (أن عام 2017م كان إنجازًا هائلًا؛ لا أعتقد أن هناك أية إدارة أمريكية استطاعت فعل ما فعلناه وأنجزناه في العام الأول). ودعا عبر تغريدة على “تويتر” مئات الآلاف من الأمريكيين المشاركين في التظاهرات المناهضة لسياساته بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لرئاسته، إلى “التظاهر والاحتفال بمحطات تاريخية ونجاحات اقتصادية غير مسبوقة سجلت في الأشهر الـ12 الأخيرة”.
وإذا كان قسم كبير من الأمريكيين الذين يدعي أن “دونالد ترامب” أنه حقق لهم إنجازات غير مسبوقة في الاقتصاد والسياسة، يشعرون بكل هذا القدر من الاشمئزاز من العام الأول لحكمه، فماذا يمكن للمسلمين أن يشعروا به تجاه سياسة “ترامب” البغيضة والعدوانية والعنصرية ضدهم؟
إذ بعد أسبوع واحد من تسلم “دونالد ترامب” مقاليد الرئاسة بأمريكا التي يفترض أنها راعيةً للديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم ، وقع في 27 من يناير 2017م، قرارًا تنفيذيًّا تحت عنوان: «حماية الأمة من دخول الإرهابيين إلى الولايات المتحدة» يحظر دخول رعايا سبع دول مسلمة، هي: سوريا، وإيران، والعراق، واليمن، وليبيا، والسودان، والصومال؛ وكانت الخطوة الأبرز في سياسته الخارجية هي ضرب سوريا، الدولة العربية المسلمة بعدد من صواريخ “توماهوك” الفتاكة.كما أعلن مراجعة الاتفاق النووي مع جمهورية إيران الإسلامية، وفي 20 ماي 2017م، زار “دونالد ترامب” المملكة العربية السعودية، وترأس فيها قمة أمريكية إسلامية، وبعد حوالي أسبوعين من تلك الزيارة ظهرت نتائجها المشؤومة في تفجير مجلس التعاون الخليجي بإعلان أربع دول عربية مسلمة محاصرة جارتهم دولة قطر، في مطلع العام الجاري -2018م- اتهم الرئيس “ترامب” باكستان بالكذب وخداع الولايات المتحدة، وزعم في تغريدة أن باكستان تؤوي إرهابيين، قائلا: “واشنطن قدمت بحماقة لباكستان أكثر من 33 مليار دولار كمساعدات على مدى الـ15 عاما الماضية”. وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن تجميد أكثر من 250 مليون دولار من المساعدات التي كانت تقدمها إلى إسلام آباد.
ورغم أن تركيا تعتبر حليفة لأمريكا، وعضو في حلف الشمال الأطلسي إلا أن الإدارة الأميركية لم تتوقف عن تسليح ودعم “الوحدات الكردية” التي تعتبرها تركيا “منظمة إرهابية”. ففي يوم الأحد 14 جانفي 2018م أعلن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” بأنه سيساعد قوات سوريا الديمقراطية (قوات كردية) في إنشاء قوة حدودية جديدة قوامها 30 ألف فرد، مما أثار غضب تركيا، وتمثل في دخول قوات تركيا إلى مدينة عفرين السورية التي تتمركز فيها وحدات حماية الشعب الكردي.
وفي استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية التي صدرت في عهد “ترامب”، وعلى عكس الاستراتيجيات التي صدرت في عهد الرؤساء السابقين- لم تتطرق أبدًا إلى تركيا، ولم يتم ذكرها ولو مرة في نص الوثيقة، وهو مؤشر سلبي جدًا في ظل التدهور غير المسبوق في العلاقات بين البلدين.
صحيح أن الأمة الإسلامية قد انتكست في هذا العصر إلى حالة من الضعف والفرقة والهوان يغري كل لئيم بأن يسومها عسف التسلط والعدوان، ولكن ما يلحقه “دونالد ترامب” بالأمة الإسلامية قد يكون المنبه الحقيقي لهذه الأمة للاستيقاظ من نومها، والعودة إلى الجهاد من أجل استعادة كرامتها.