ملتقيات الجمعية.. وكلمة لابد منها /حسن خليفة
حقق ملتقى الشيخين الدولي الثالث المنعقد في تلمسان أكثر أهدافه، ومع ذلك لا ينبغي أن يحبسنا ذلك على المزيد من الاهتمام لتطوير “منتوج الملتقيات الناجحة” والناجعة ليصبح ذلك “صيغة” من الصيغ المترسخة الهادفة البانية في صنيع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الثقافي ـ الفكري / الديني.. وحتى التاريخي منه، كما كان الشأن في ملتقى تلمسان الأخير، والذي ستعقبُه -بحول لله تعالى- ملتقيات وملتقيات دولية ووطنية وجهوية أخرى، فضلا عن ندوات وأيام دراسية ولقاءات علمية وتنظيمية…، تندرج كلها ضمن المنشط العام الموجه للجمهور العريض في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين؛ خدمة لأهدافها الثقافية والتربوية والتوجيهية، وذلك أحد أوجه التميّز في هذه الجمعية الكريمة التي أُسست على تقوى من الله، فيما نحسبُ والله عليم بذات الصدور.
ولنبادر إلى طرح بعض الاستشكالات قبل أن نبرز أهمية هذا الوجه من أوجه النشاط، ونشير سريعا إلى بعض النقائص التي نرجو أن تُتدراك بسرعة، فمما سمعتُه شخصيا في ملتقى تلمسان من بعض الأفاضل من إخوة في الجمعية وخارج الجمعية مماّ فيه اعتراض على نشاط الملتقيات وأعمالها، وخلاصته: أن الملتقيات في الجمعية مجرد نشاط من الأنشطة، ولعله أسهلها وأيسرها، مما يعني ـ بالنسبة لهؤلاء الإخوة ـ أن هناك ما هو أهمّ من الملتقيات لو كان في الجمعية تقدير أمثل لما يجب أن يكون من البرامج والأفعال والفعاليات، كطباعة الكتب والكتيبات، ونشر الأفلام الوثائقية، والتسجيلات التربوية، والعمل على تبوأ مكانة مرموقة في فضاء السمعي البصري (القنوات) الخ .
والحق أقول: إن في هذه الطروح قدرا كبيرا من الوجاهة والصواب، وفيه ما يدلّ على الغيرة والحماسة، في أن تسعى الجمعية أكثر فأكثر، وأفضل فأفضل…، إلى الاهتمام بالأهم قبل المهم؛ حسب تقدير هؤلاء الإخوة الأكارم، ولكن هناك ما يحتاج إلى البسط في هذه المناسبة للتأكيد على “أهمية” هذه الملتقيات في دورة حركة ونشاط الجمعية لأهميته، وأهميته فيما يحققه من أهداف عامة وخاصة، ومن ذلك:
- لا ينبغي أن ينسى الإخوة الأكارم أن الدعوة هي أساس عمل الجمعية وقلبُ فعالياتها وأنشطتها، وهذه اللقاءات (الملتقيات) فيها لقاء وتنوير وتحسيس وتعليم واجتهاد وتصويب ونقاش وجدال وتحليل، وكل هذا له في مجال الدعوة دور.. وأي دور، مما يمكن الوقوف عليه في أي ملتقى.
- لا ينبغي ـ أيضا ـ أن ينسى الإخوة الأكارم أن الملتقيات ـ الدولية منها خاصة ـ هي ميدان عمل إصلاحي تثقيفي كبير؛ خاصة عندما يكون هناك شخصيات علمية وازنة من الأقطار الشقيقة، وأنها –حينئذ- لا تخدمُ الجمعية فحسبُ، وإنما تخدم الوطن وثقافة الوطن ككل. فهي معرض ممتاز للأفكار والرؤى والأطروحات، تظهر وتبرز الرأي الأفضل والطرح الأمثل والحجة الأقوى، ومنها يعرف الناس أوزانهم.
- ممّا ينبغي التذكير به هنا أن الملتقيات (والدولية منها خاصة) هي مجال لإبراز الشخصيات العلمية والفكرية والدينية الوطنية، وإبراز قدرات الباحثين والباحثات الجزائريين والجزائريات، وبيان ما هم عليه من قوة علم، وحسن أداء ووفرة في المعرفة، فهي (الملتقيات) صيغة من صيغ التسويق المعرفي -إذا صحّ التعبير- للمنتوج الوطني العلمي والفكري والمعرفي. ويكفي ذلك وحده للبذل والإنفاق والدعم من كل الجهات؛ لأن في ذلك ما فيه من الخير العميم في المجال العلمي والديني والفكري. وقد تكون هناك ملاحظات على الطروح والأداء والنقائص مما يظهر بوضوح في الملتقيات.. فنقول: نعم ولكن…، لمناقشة ذلك مكان آخر في نهاية هذه السطور للتأكيد على إحكام الإعداد وحُسن التنظيم لهذه الملتقيات، وهو ما تمت الإشارة إليه أكثر من مرة في لقاءات الجمعية التنظيمية في المكتب الوطني وفي غيرها من الاجتماعات.
- إنه لا ينبغي إغفال ذلك الالتفاف الكبير الجميل على الجمعية؛ حيث يحضر الباحثون من كل مكان حينما يُدعون باسم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وقد ثبت هذا مرارا وتكرارا في منتديات وملتقيات كثيرة هنا وهناك، شرقا وغربا. وهو أمر أعتقد أنه من الواجب الاهتمام به على مستوى الجمعية في صيغ متعددة: سواء بالنسبة للجمعية كمكتب وطني، بعمل بطاقية وطنية للعلماء وللباحثين والباحثات والدعاة والأساتذة، في مختلف الاختصاصات، للاستفادة منهم في مختلف برامج التوعية والتوجيه والتكوين والتدريب التي يقوم بها المكتب الوطني من خلال لجانه المختلفة. وهذا ممكن –أيضا- حتى بالنسبة للشّعب الولائية والبلدية؛ حيث تستطيع الاستفادة من الكوادر العلمية المرموقة والطاقات الفكرية اللامعة وتسجيلها في مفكرة الأعمال والبرامج، ودعوتها لإقامة أنشطة على مستوى الولايات، فذلك أقلّ ما يمكن أن تقدّمه الملتقيات (أسماء، واختصاصات، أساتذة، محاضرين، ومشاركين لـ”تشغيل” البرامج التكوينية والعلمية للشعب المختلفة، في أشكال متعددة: محاضرات فردية، أمسيات تدريبية، ندوات متنوعة، لقاءات نوعية …الخ.
- كما لا ينبغي أن ننسى أيضا أن الحضور من المشاركين والمشاركات في نسبة كبيرة منهم من إطارات الجمعية؛ خاصة وأن الجمعية تستضيف في ملتقياتها نسبة معيّنة من كل شعبة ولائية على سبيل المشاركة (3 إلى 5أفراد)، فالنفع –حينئذ- يعمّ، بشكل ما، كل الولايات تقريبا، ويمكن توسيعه بأشكال مختلفة. والأهم أن من لديهم القدرة على “صناعة التأثير” والاستفادة القصوى من تلك الملتقيات موجودة، شرط أن يكون هناك برنامج عمل مسبق لهذا الأمر، فلا يأتي المشارك لمجرد الحضور، بل للمثاقفة، والمشاركة، والاستفادة من الملتقى ونقل آثاره إلى ولايته أو بلديته.
- يمكن النظر، تأسيسا على الملاحظات السابقة، إلى أن الملتقيات هي عنوانها الكبير في عمل تراكمي للخبرة، وللعلم، وللمعرفة، وللصلاح، وللتنظيم وفنّ الإعداد والإدارة، ومراكمة أيضا للعمل النوعي في مجال الثقافة والفكر، حضورا نوعيا ومساهمة ومشاركة.. الخ.
وعندما يكثف التراكم لا يسعه إلا أن ينتج الأفضل باستمرار، بحيث تصير الكثير من الأعمال مؤسسة على تقاليد راسخة وأنظمة واضحة، وأهداف نامية باستمرار، فيتحقق الخير الوفير.
- وأخيرا يقتضي المقام أن نشير إشارات سريعة إلى بعض النقائص في هذا الملتقى وغيره من ملتقيات الجمعية، وذلك ما سنخصص له بحول الله تعالى شعاع الأسبوع القادم، عملا على التحسين والتقويم والتجويد والتطوير.