في رحاب الشريعة

وصيــــة العلمــــاء الـمصلحيــــن للشبـــاب الطلبــــة الجزائرييــــن

أ. محمد مكركب/

 

من رجال العلم والدعوة والإصلاح في المغرب العربي والشمال الإفريقي: محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله. (13. 06. 1989م ـ 19. 05. 1965م.)
الوصية الأولى: هجران الأقوال والاهتمام بالأعمال: قال محمد البشير الإبراهيمي عن آماله في الشباب الجزائري:{أتمثّله حِلْفَ عمل، لاحليف بِطالة، وجليس أعمال لا جليس مقهى، وبطل أعمال لا ماضغ أقوال. أتمثّله مقبلًا على العلم والمعرفة ليعمل الخير والنفع، إقبال النحل على الأزهار والثمار. يا شباب الجزائر، هكذا كونوا! أو لا تكونوا!} وقد سبق التذكير بأن من فلسفة فكر جمعية العلماء تحويل النظريات العلمية إلى أعمال إنتاجية، ومرافق مدنية، وموارد حياتية. ليعلم الشاب والطالب بالخصوص أن البطولة ليست في حمل قناطير المعلومات فقط، وإنما في توظيف واستثمار تلك المعلومات في الميدان، وجعلها بفضل الله تعالى تثمر الثمرات الطيبة من الخيرات المحققة للازدهار، وتمكين الأمة من الاكتفاء العلمي والثقافي والاقتصادي، هذه هي معاني الوصية. الأولى.
وبدار الطلبة بقسنطينة قال يخاطب الأمة بشأن الشباب المتعلم: {إن شباب الأمة هم عمادها، وهم مادة حياتها، وهم سر بقائها. وخيرة شباب الأمة هم المتعلمون المثقفون، البانون لحياتهم وحياة أمتهم على العلم. وصفوة الشباب المتعلم المثقف هم المتشبعون بالثقافة الإسلامية العربية، والمقدمون لها، لأنهم هم الحافظون لمقوماتها، والمحافظون على مواريثها، وهم المثبتون لوجودها، وهم المصححون لتاريخها، وهم الواصلون لمستقبلها بماضيها}(الآثار:2/453).
فمن أسباب التخلف إهمال الشباب، وتركهم بلا تعليم ولا تفقيه ولا إعداد. هذه الوصية تفيد أن الواجب على أولي الأمر أن يتفقدوا الشباب وأن يعطوا كل شاب ما يحتاج من التربية والتفقيه والإعداد. وطريقة العناية بالشباب:
1 ـ الإحصاء الشامل لكل الأسر، ومعرفة وضعية كل شاب أين، وما ذا يعمل، وكيف يؤهل للحياة العملية. فهل هذا صعب؟ والجواب: لا، أبدا، ولكنه هو الخطوة الأولى الضرورية، فلماذا لا تكون هذه الخطوة.
2 ـ وقاية الشباب من المخدرات وقبل هذا حمايته من الإهمال والتسكع في الطرقات.
الوصية الثانية: الاستخلاف المُشَرِّف في مواصلة البناء: وقال الإبراهيمي للطلبة الجزائريين بجامع الزيتونة: {حيّاكم الله وبيّاكم، وأبقاكم عوامل رفع لهذا الوطن وأحياكم.. لا نكون مُبالِغين إذا قلنا إن لفقيدنا العزيز عبد الحميد بن باديس مِنَّة على كل أبناء الجزائر أينما كانوا، لا فرق في ذلك بين طلاب العلم وبين غيرهم من طلاب الحياة في جميع فروعها، وإن من دلائل الوفاء وشكر الصنيع في نفوس أولئك الطلاب أن ينهجوا نهجه في التفكير وطرائق الإصلاح، ويتعاونوا على إكمال ما بدأ بوضعه من أسس العلم والحياة ويشاركوا في هذه الذكريات التي تقام كل سنة لعرض أعماله واستخراج العبر من تلك الحياة التي ليست حياة فرد وإنما هي حياة أجيال} (آثار.م.ب.2/153).
التفكير في الاستخلاف من بين أسباب دوام الوعي واليقظة في الأمة. قال الله تعالى:
﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾(يونس:13/14).
الوصية الثالثة: الثبات على نهج الإسلام والوحدة الوطنية: وفي بيان لترسيخ الإحساس الحضاري، والوعي الفكري الإنساني، والشعور الديني، وتبيان معالم الشخصية الجزائرية والهوية الحقيقية للشعب الجزائري. فقال: {إن الإسلام قد دخل الجزائر (بعظيم مجده، وجليل فخره) ونبت في قلوب الجزائريين منذ عهد عقبة بن نافع وحسّان بن النعمان، وهذا التاريخ المجيد للعروبة والإسلام في الجزائر يعرفه الفرنسيون حق المعرفة، هؤلاء الذين يَدّعون بكل وقاحة أن الجزائر قطعة من فرنسا دون أن يلحظوا الأدلّة ضدّهم في اختلاف اللغة والقيم والدين، وذلك البحر الذي يفصلنا عنهم يشهد بالوقائع التاريخية بيننا وبينهم، منذ أن كنّا بَرْبَرًا إلى أن صرنا عربًا ومسلمين. فأين العقل النيّر في العالم الذي يُميّز الحق من الباطل؟ وأين الضمير الحي الذي يعترف بهذه الحقيقة؟ فإن من المؤسف أن لا نرى أثرًا لشيء من هذا، وأن العالَم لا يدين إلّا للقوّة} (آثار: 5/172).
وفي مقال له وهو يجيب السائلين عن ضعف البلدان المسلمة، ويبين أسباب الخلل، وأعطاب العلل. فقال: {إن الإسلام في الجزائر كالإسلام في غيرها من أوطانه، فإذا اختلفت على هذه الأوطان ألوان من الإدارة والحكم، أو تعاورتها أطوار من الفساد والصلاح، فالإسلام في جميعها واحد، يعلو اسمه بعلو المسلمين وينحط بانحطاطهم، وتقوى آثاره بقوّة فهم المسلمين له وإقامتهم لشعائره ووقوفهم عند حدوده، وتضعف حين يبعدون عن هدايته. أما حقائقه العليا فهي قائمة بقيام القرآن، ثابتة بثبوته، موجودة بوجوده..} (الآثار: 5/71).
قال: {ومن قرأ تاريخ المدن الجزائرية العلمية التي كانت لها في الحضارة أوفر نصيب: كتلمسان، وبجاية، وتيهرت، وقلعة بني حماد، والمسيلة، وطبنة، وبسكرة، من قرأ هذه التواريخ علم أية سمات خالدة وسم بها الإسلام هذا القطر}(5/73).
والوصية الرابعة: نوصي شبابنا بالمحافظة على تاريخهم الإسلامي المشرق: ومواصلة البناء والإعلاء والارتقاء، بالقيم الإيمانية، والعلوم التقنية الحضارية، وحفظ وحدة وأخوة الشعب الجزائري المسلم. ونتفاءل بقول القائل: (نبني كما كانت أوائلنا تبني.. ونُعْلِي البناء فوق ما عملوا.. لقد مَهَّد الفاتحون لنا سبلا.. ولغايتنا بالقرآن قد نصل. وقد للتحقيق هنا قدرا.. إذ الفوز لمن بالقرآن قد عملوا) ليظل الإسلام في الجزائر هو نظام الحياة كلها، هو المرجع في التشريع وقوانين التنفيذ، وهو الإمام المهيمن على الشعائر والمعاملات، وهو الموجّه للحكم وسائر السياسات.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com