استحالة التقريب: تفاعل الإســــلام والعلــوم الاجتماعية 2
أ. عبد القادر قلاتي/
إن أكثر الكتابات التنظيرية التي تشتغل على موضوع الدين والعلاقات الاجتماعية، تتجاوز -بقصد أو بدون قصد – مسألة المنهج الذي تقوم عليه العلوم الشرعية، كمعرفة تمتلك صفة العلم المستقل بمنهجه، ولهذا تقع مجمل هذه الكتابات في هذا الخطأ الابستمولوجي، الذي سهل عمليات التشويش المستمرة التي يقودها تيار العلمنة والتغريب على الفكر الإسلامي، لأنّ الحقائق الدينية تعتبر -في نظر هذه الكتابات – معرفة ما قبل علمية، وهذا الكلام -طبعا – لا ينطبق على مشروع الدكتور ساري حنفي الذي يرى ضرورة إدخال العلوم الاجتماعية كمناهل دراسية في الكلّيات الشرعية، وكحامل لعملية تطوير التنمية الفكرية للمتخصص في العلوم الشرعية، لأنّ أغلب المتخرجين من هذه الكليات يتصلون مباشرة بالمجتمع تعليما وإرشاد وقضاء، وفكرته وأن كانت تبدو عملية وواقعية، بإعتبار أن هذا الحقل المعرفي يرتبط اليوم بأهم قضايا المجتمعات الإنسانية، لكن مهما حاولنا تجاوز مرجعية هذا الحقل المعرفي، فإنّنا لا يمكن تجاوز الخصوصية الحضارية والدينية التي يرتبط بها كحقل نشأ وتطور نظريا ومفاهيميا في المجال التداولي الغربي، وتشبع بالنموذج المعرفي الإمبريالي في صورته الاستدمارية المصاحبة للمشروع الغربي الاستعماري، الذي قام على مركزيّة الإنسان الغربي، معرفياً وحضاريًا وإثنياً، وهذا ما يجعلنا نتوجس من لغة التسليم بتقريب الإسلام مجالا ومعرفة من الحداثة الغربية، في غياب النّدية المعرفية والسياسية التي نعيشها كخصوصية حضارية مقابل الحضارة الغربية الطاغية اليوم والمهيمنة على العالم.
إنّ القول باستحالة تقريب الإسلام من النمّوذج الحضاري الغربي – وإن بدا للنّاظر انكفاء على الذات وتمركزاً حولها – ليس إلاّ دعوة جذريّة في قراءة الإسلام قراءة سليمة، تعبر عن العصر وتطوره، كما أنّها دعوة إلى إعادة النّظر في تقدير فكرة الحداثة الغربية المعاصرة كضرورة عصرية وحتمية تاريخية لا مندوحة عنها، كما يصرّ تيار العلمنة في بلادنا وفي العالم الإسلامي، الذي لم يفهم جوهر الإسلام، ولم تقده الأفكار المتهافتة إلى حسم موقفه من الحداثة كمنجز حضاري غربي تنتمي إلى مجاله التداولي، ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال تعميمها كضّرورة تاريخية ومعرفية، ومن هنا جاء الالتباس الذي تحوّل إلى حقيقة متداولة في المجال التداولي العربي الإسلامي، فهل يمكن للتنظير المحلي الوقوف أمام هذا التنبيه، والقبول حتى بمجرد النّظر إلى فكرة استحالة التقريب؟.