وراء الأحداث

مبادرة لم الشمل: مناورة سياسية أم خطوة لتمتين الجبهة الداخلية ؟

أ. عبد الحميد عبدوس/

 

في بداية شهر ماي الجاري نشرت وكالة الأنباء الجزائرية، مقالا بعنوان «عبد المجيد تبون، رئيس جامع للشمل». هذا الموضوع المنشور في وكالة الأنباء والذي أصبح يعرف في التداول الإعلامي والسياسي بمصطلح مبادرة «اليد الممدودة» شابه في البداية الكثير من الغموض وتعدد التأويلات، ولكن بعض وسائل الإعلام فسرت الكلام الذي أدلى به رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في مستهل زيارته الرسمية التي قام بها إلى تركيا من 15 إلى 17 ماي الجاري بأنه بمثابة ترسيم وتوضيح لمبادرة «لم الشمل» حيث أعلن الرئيس تبون في 15ماي2022 خلال لقائه بالجالية الجزائرية في تركيا عن انعقاد «لقاء شامل للأحزاب الجزائرية في الأسابيع المقبلة»، وأوضح أن الهدف من المبادرة هو «تكوين جبهة داخلية متماسكة».
تبدو هذه المبادرة جولة جديدة من جولات المساعي الجزائرية لتحقيق التوافق الوطني،وتمتين الجبهة الداخلية، وسد الباب في وجه خطاب الكراهية، والتضليل الإعلامي، والتشويه السياسي ،وترويج الافتراءات والشائعات ،والشبهات لإثارة الانقسامات والاضطرابات عن طريق الشبكة العنكبوتية ومنصات التواصل الاجتماعي.
مبادرة «لم الشمل» أخذت المزيد من الدعم بإعلان رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق سعيد شنقريحة عن تأييد المبادرة الرئاسية ودعوة كل أبناء الجزائر المخلصين إلى الالتفاف حول المبادرة الرئاسية والانخراط فيها، جاء ذلك خلال كلمة ألقها أمام قيادات الناحية العسكرية الثانية يوم الأحد 22 ماي 2022، فقال: «إنني ومن منطلق إيماني الراسخ بحيوية هذا المسعى الوطني المحمود، أشد على أيدي كافة أبناء الوطن الأعزاء، لتغليب المصلحة العليا للوطن، والانخراط بقوة في هذه المبادرة الصادقة، المستلهمة من قيم أمتنا العريقة ومبادئ ثورتنا الخالدة، والمتوافقة مع تطلعات شبابنا المشروعة إلى غد أفضل». ومن جهته دعا رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل إلى: «الالتفاف حول مسعى إرساء دعائم ومعالم الجزائر الجديدة والتجند وراءه، وذلك في إطار سياسة لم الشمل التي دعا إليها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون». بينما قال نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني منذر بودن: «لدينا معلومات بأن العديد من الجزائريين المقيمين في الخارج وينتمون إلى مجموعات وتنظيمات خارجة عن القانون كـ «الماك» (حركة الاستقلال الذاتي للقبائل) و«الفيس» (الجبهة الإسلامية للإنقاذ) مستعدون لدخول البلاد والمعارضة من الداخل في إطار قوانين الجمهورية».
وكان رئيس الجمهورية قد استقبل في الأيام الماضية عددا من قيادات الأحزاب السياسية والمنظمات والشخصيات الوطنية، عبر أغلبهم عن تثمينهم لمبادرة «لم الشمل» أو التأكيد على أهميتها في رسم أفق جديد لتمتين الجبهة الداخلية. فقد ثمن الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين سليم لعباطشة مبادرة لم الشمل،التي قال عنها إنها: «تمثلت في دعوة رئيس الجمهورية لكافة الجزائريين دون استثناء لوحدة الصفوف ولم الشمل وتوحيد المبادرات والأفكار والرؤى للنهوض بالبلاد بما يخدم الشعب الجزائري وقوة البلاد». وأكد الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني(الأفلان)، أبو الفضل بعجي، أن حزبه كان سباقا في دعم مبادرة لم الشمل التي أطلقها رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون،وقال إن المبادرة: «تعد تأمينا للجزائر في مواجهة مختلف التحديات التي تحيط بها». كما أشار حزب التجمع الوطني الديمقراطي(الأرندي) إلى أن: «الرئيس تبون يحوز وحده الأدوات القانونية والشرعية السياسية الكفيلة بلمّ شمل الجزائريين، وتوحيد جهودهم وكلمتهم لمواجهة التحديات ودرء المخاطر والتهديدات». من جانبه قال رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة «إن لقاءه مع الرئيس كان حول الوضع الأمني للبلاد والإستقرار والتهديدات والمبشرات، إلى جانب تمتين الجبهة الوطنية وتجريم تمزيق النسيج المجتمعي ووضع اليد في اليد لكل الجزائريين». وأعرب رئيس حركة مجتمع السلم (حمس) عبد الرزاق مقري عن أمله في: «بلورة رؤية مشتركة بين الجزائريين تضمن الانتقال السياسي الفعلي»، وقال رئيس حزب جيل جديد سفيان جيلالي إنّه: «حان الوقت لأن يكون تبادل الرأي والدفاع عن وحدة الوطن والمساهمة في بناء مجتمع ودولة قوية». واعتبر الناشط السياسي والوزير السابق عبد العزيز رحابي أن مشروع «لم الشمل» الذي دعا إليه رئيس الجمهورية سيحظى بقابلية أكبر للاستماع والفهم بعد شرحه وتفصيل محتواه، مضيفا أن «الاحتفال القادم بالذكرى الستين للاستقلال سيكون موعدًا مع التاريخ لاستكمال تحرير الأرض بتحرير الرجال والنساء فيها؛ كما قد يشكل فرصة لتحرير سجناء الرأي السياسي وللتصالح مع تاريخ بلدنا كبلد رجال أحرار».
أما قادة أحزاب المعارضة الراديكالية فقد اعتبر بعضهم أن المبادرة هي مجرد مناورة سياسية للنظام الحاكم لتوفير الغطاء السياسي قصد تمرير عهدة رئاسية ثانية للرئيس عبد المجيد تبون ،وتراوحت مواقف بعض قادة المعارضة بين الرفض والتشكيك والحذر والاشتراط، على غرار الحركة الديمقراطية الاجتماعية (الحزب الشيوعي سابقا) التي اعتبر مسؤولها الأول فتحي غراس أن الأمر مجرد مناورة تهدف لتسوية لصالح السلطة وتطليق المسار الثوري، والعودة إلى ما قبل فترة الحراك الشعبي.وبدوره شكك محسن بلعباس رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي) في نوايا السلطة من وراء طرح مبادرة لم الشمل استنادا على سلوكها السابق، بينما قالت زبيدة عسول رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي: «إن اليد الممدودة التي أعلن عنها رئيس الدولة يجب أن تجد ترجمة لها على أرض الواقع من خلال الإفراج عن المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، وفتح المجال للفعل السياسي والجمعوي والنقابي والإعلامي المكرسة في القانون الأساسي للدولة».
وهكذا يبدو أن ممثلي الاقلية السياسية والشعبية مازالوا مترددين أو مصرين على تضييع فرصة أخرى لتحقيق التوافق الوطني والالتفاف حول مشروع بناء جزائر جديدة، وقطع الطريق أمام مناورات وأطماع المغامرين والحاقدين على الجزائر، وصد التدخلات الخارجية في شؤون الجزائر الداخلية لإغراق الجزائرفي مستنقع الفتن والتفكك والفوضى. ممثلو التيار التغريبي والمراوحة في المراحل الانتقالية رفضوا بالأمس الانخراط في المسار الانتخابي الذي كان يمثل المخرج الدستوري الوحيد من مخاطر المرحلة الانتقالية، وظلوا يراهنون على اختطاف الحراك الشعبي وتوظيفه كورقة ضغط للوصول إلى السلطة دون المرور بامتحان الاستحقاقات الانتخابية والحصول على الشرعية الشعبية.وكانوا يتسترون وراء شعار الانتقال إلى الجمهورية الثانية دون استشارة شعبية.ومازالوا يراهنون على مسيرات ومظاهرات شاذة تنظم في بعض الدول والعواصم الغربية كمرسيليا وباريس ولندن وبلجيكا وكندا بعد ان خفت ضجيج الحراك المختطف في الجزائر.
وإذا كانت انتفاضة 22 فيفري 2019 محطة حاسمة شاركت فيها أغلبية الفئات الشعبية لاسقاط حكم العصابة التي نشرت سياسة الفساد والاستبداد والمحسوبية والجهوية والنهب والرداءة،فقد تحول الحراك الشعبي بعد اختراقه من طرف أذناب العصابة وعملاء الاستعمار إلى ما يشبه الاستعراض الأسبوعي لمظاهرالعنف اللفظي والاستفزازالمعنوي والإنقسام الاجتماعي، ولكن بعد انخراط غالبية القوى الوطنية والاسلامية ونخبها الواعية في الخيار الدستوري بتأييد الاستحقاقات الانتخابية والمشاركة فيها نجحت مهمة إنقاذ الجزائر من مخطط استنزافها،وتلغيم مستقبلها،وتدميرقيمها، ونهب ثرواتها،وتهجيرإطاراتها، واستطاعت الجزائر تنظيم أربع استحقاقات انتخابية رئاسية وبرلمانية ومحلية واستفتاء على تعديل الدستور أشرفت عليها بنزاهة واقتدار السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات. ورغم النجاح الواضح في بناء المؤسسات الدستورية خلال العدة الرئاسية الأولى للرئيس عبد المجيد تبون إلا أنه ظل حريصا على تحقيق المصالحة الوطنية من خلال اقتراح مبادرة لم الشمل لتمتين الجبهة الداخلية ومواجهة التحديات الخارجية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com