ما مشكلة سعيد جاب الخير …مع بيعة السقيفة؟!/ جمال نصر الله
عكف الباحث المعروف سعيد جاب الخير في أغلب مداخلاته على اعتبار أن واقعة السقيفة التي حدثت بعد وفاة -النبي صلى الله عليه وسلم- مباشرة هي مشكلة المسلمين جمعاء، لأنها منعطف خطير جلب معه الوبال للأمة حتى وصل إلى يومنا الحاضر؛ فسعد بن عبادة ممثل الأنصار آنذاك، والذي كان في مواجهة أبي بكر رضوان الله عليه من جهة المهاجرين أُرغم على المبايعة، ولم يكن راضيا أبدا، وقد توفي في ظروف غامضة لدرجة أن بعض المصادر تقول بأن الجن قتلته في الشام – وهذه خرافة موجودة في الأحاديث ينفيها العقل كما جاء في كثير من البحوث والدراسات.
ويضيف جاب الخير بأن مسألة الشورى لم تكن موجودة في النص الديني أصلا، والدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه لم يضع لها نصوصا، وإنما هي من (ابتداع بعض الصحابة) وهي ليست من انتاج الفقهاء. لأن فرعون – قبل الإسلام – كان يستشير وزراءه وجنوده، وكذلك فعلت بلقيس وملك الحبشة. فهي بدعة جيء بها فقط لتبرير أحقية الخلافة، وحتى الخلافة لا توجد في القرآن الكريم، فهي من ابتكار الفقهاء الذي أسسوا لأنفسهم منظومة، وبعد ذلك عملوا على ترسيخ الذهنية الدينية المغلقة للرجل المسلم، ويقصد الذهنية التقديسية للأشخاص والنصوص وفي جميع المذاهب مثلما قال أبو حامد الغزالي “الخليفة والحاكم هو ظل الله في الأرض”؛ ثم يستدل بآيات جاء فيها مصطلح خليفة فهي لم يكن القصد منها الخلافة بمفهوم سياسي كما ورد في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}[سورة البقرة:30]. فقد جاءت الخلافة الإسلامية لتحقيق مصالح قبلية عربية، وتوسعية (الفتوحات مثالا)، والدليل أنك تجد في كتب التراث الكثير من تمجيد فضائل العرب. وكلها فضائل مكذوبة…!
ويتساءل الباحث هنا: من أعطاك سلطة الخليفة؟ وهل هي موروثة؟ لأنه كما أشرنا أن النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم- لم يترك وصية أو عقدا، ولا نصوصا تبين بوجود خليفة له، فهو جاء فقط ليبلغ وليس ليحكم. بدليل ما قاله في بيعة العقبة الثانية لأنصار المدينة (بايعوني كي تحمونني..لأن قريشا منعتني من تبليغ رسالتي).
إن كل ما يقدمه سعيد جاب الخير فيه الكثير من الحقيقة، كما فيه كذلك الكثير من المغالطات؛ بدليل أن الشورى وجدت في النصوص القرآنية، وماذا عن الحديث المعروف للترمذي [إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاءكم، وأموركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأموركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها]؟!. وماذا كان يتوقع زميلنا جاب الخير من أن يحدث في التاريخ؟ لو لم تكن هناك نصوص الشورى ليحتكم إليها بعض الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. فهو يقول أن ما حدث بعد سقيفة بني ساعدة كان كارثة على الإسلام والمسلمين، وقد تم ذلك استنادا للشورى نفسها، والتي هي مبتكرة فقط -ويعني- ماذا كان سيحدث لو لم يحتكموا للشورى؟ وما هي الصيغة أو الآلية التي كان بمكان أن يستعملونها ويلجؤون إليها في اختيار الخلفاء؟
نحن نوافقك بأن الرسول صلوات الله عليه لم يقم دولة بالمفهوم المعاصر، ولكن بعد وفاته ماذا كان على الصحابة أن يفعلوه؟ هل يتركوا الأمور تسير هكذا على الفوضى؟ أم أنه وجب عليهم الاجتهاد والتفكير في وضع ضوابط وأسس نظامية تسيّر شؤون البشر؟ وتحافظ على النهج حسبما جاء في النصوص؟
لقد اجتهد الصحابة، وشمروا على سواعدهم بغية الحفاظ على ديمومة ومواصلة الرسالة، ثم هل جاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه أو غيره بقوة السيف مدجج بالجيوش؟ وقال: ( أنا نبيكم بعد محمد؟!) وهو الذي لم يكن راغبا في أن يكون أول خليفة. لا بل التاريخ يحفظ لمدى ورع وصدق هذا الصحابي الجليل يوم قال (من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت).
وكثير من الخلفاء الأولين لو كانوا فعلا متعطشين للسلطة ومتجبرين ما تم اغتيالهم بتلك الطرق الشنيعة، بسبب الفتن التي كان ورائها الشيعة وتحالفهم مع اليهود. خاصة بنو قريضة وقينقاع وبنو النضير، والذين استعملوا كل الحيل من أجل محو كل ما يتعلق بآثار النبي صلى الله عليه وسلم. وأن يُغلبوا أفكارهم وتوجهاتهم الخبيثة بغضا وحسدا وإقصاء، كذلك نحن لا نبتغي من واحد مثل سعيد جاب الخير أن يتخذ من الكتب المعروفة مراجعا وقوائما. ويتكئ عليها ويعتبرها هي الحقيقة المطلقة، لا لشيء سوى أن الشخصيات التي كتبت التاريخ الإسلامي وحتى السيرة مشكوك في صحتها، فليس شرطا أن ما كتبوه هو الحقيقة، نحن معك أن تاريخ الخلفاء مليء بالمهازل؛ ولكن شريطة أن نضع دوما بأن أعداء الدين الإسلامي هم كثر في تلك الفترة – أي إبان مؤتمر السقيفة وبعده وصولا إلى يومنا هذا- وما نشاهده اليوم من تكالبات وتهكمات في الغرب وأمريكا -لأجل القضاء على هذا الدين- إلا دلائل دامغة وحية، ثم أنت تقول في إحدى مداخلاتك بأن الفتوحات الإسلامية كان الغرض منها هو الغنيمة والمصالح التوسيعية باسم الدين…! ولم تكن الحملات الصليبية كذلك أبدا، لا أحد يوافقك في هذا الرأي… لأن الحملات الصليبية التي قبرها صلاح الدين في القدس انطلقت وهي تحمل راية الصليب، وذلك بعد خطبة أوربان الثاني الكاهن الفرنسي سنة 1095هـ، وزد على ذلك ما الذي فعله تاريخيا في رأيك هولاكو ونيرون روما وكاليغولا وفلاد الثالث وأبو ظاهر القرمطي، وهرتزل وصولا إلى هتلر وموسوليني اللذان أثبت التاريخ بأن إيديولوجية دينية كانت تدفعهما لسفك الدماء. لا نريد أن نكيل الكيل بمكيالين، فمثلما حدثت أخطاء في التاريخ الإسلامي حدث ما هو أفضع وبأضعاف كثيرة عند اليهود والشيعة، وبعض الفرق كالحشاشين والإسماعيلية وغيرها.
نقول أخيرا بأننا لسنا ضد البحث في التراث وتنقيته، ولكن شريطة ألا نتسرع ونحكم على هذا السلوك والفهم الخاطئ، ثم نعممه ونتخذه حجة للطعن في دين الإسلام بأكمله. فالمعصوم في الإسلام واحد فقط هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة بشر، والخلفاء بشر، كذلك ولكل منهم أشياء تحسب له، وتحسب عليه…!