قضايا و آراء
أخر الأخبار

استحالة التقريب: تفاعل الإســــلام والعلــوم الاجتماعية 1

أ. عبد القادر قلاتي/

 

بعد أن تخلى الفكر الإسلامي -في السنوات القليلة الماضية – عن مقولة أسلمة العلوم الاجتماعية، التي قادها لسنوات طويلة المعهد العالمي للفكر الإسلامي في واشنطن، مع اسماعيل الفاروقي، وقبله سيد نقيب العطاس، والتسليم باستحالة مجرد الخوض في سياق المجازفة المعرفية القائمة على مبدأ المقايسة بين المجالات المختلفة منهجاً ومصدراً، بدأ الحديث عن مشروع التقريب وفك القطيعة بين المجالين المعرفيين، فقد صدر مؤخراً كتاب للدكتور ساري حنفي بعنوان: «علوم الشرع والعلوم الاجتماعية – نحو تجاوز القطيعة»*، يؤصل بوضوح لفكرة التقريب، وإن كانت غاية الدكتور ساري هي الدعوة لإدخال علم الاجتماع إلى الكليات الشرعية، حتى يتمكن الطالب المتخصص في الشريعة من الإطلاع على هذا العلم الحيوي، و«لمحاولة بناء ذهنية مزدوجة ذات نظرة متفتّحة حول الدراسات الإسلامية الاجتماعية..» وهي دعوة طريفة ومحببة، لكنها لا تخلوا من سذاجة فكرية وقع فيها الدكتور ساري، فبالرغم من الجهد المبذول في هذا السفر الكبير الذي طاف فيه الدكتور ساري على المناهج المقرّرة في الكليات الشرعية، في كثير من الدول العربية والإسلامية، وكثافة المعلومات التي حواها كتابه، إلاّ أنّ غياب التحليل العميق لهذه الفكرة جعلت من الكتاب يخلو من أفكار عميقة وواقعية إلاّ فكرة التقريب التي تختصر هذا الجهد الكبير، ومأخذنا عن الكتاب أنه لم يشرح منهجية وفلسفة المجالين المعرفييين، العلوم الشرعية القائمة على مستند نص فوقي ناجز، والعلوم الاجتماعية التي هي ترجمة «تفكرية» حول مشكلات ظرفية ترتبط بلحظة تاريخية، قد تتحوّل إلى نظريات ثابتة أو إلى برادغيمات (نماذج ارشادية) ظرفية، وهذا يختلف عن مفهوم العلم كما تشكل في الثقافة العربية الإسلامية، فالعلوم الشرعية -المؤصلة على نصوص فوق/ تاريخية – غايتها تحقيق مبدأ العبودية، وتجاوز سؤال الاعتقاد الذي صاحب الإنسان منذ الخليقة الأولى، فإجاباتها ليست إجابات لحظية آنية، كما هو الشأن بالنسبة للمعرفة الصادرة عن التفكر المرتبط بإشكالات عصرية تدفع الإنسان في كلّ عصر (الغرب وحداثته) إلى محاولة البحث عن كيفية صياغة إجابات تشكل بعد ذلك تراكما معرفيا وتأسيسياً لمفهوم العلم/الحياة، وهو السياق الذي نشأت وتطورت فيه مجمل العلوم الاجتماعية والإنسانية، وهذا الوضع يختلف اختلافاً جذرياً عن العلوم الشرعية، التي تشكلت من رؤية وتصور للحياة وللكون لا تسلم بالتفكر الإنساني بعيداً عن النّص (الوحي)، فالنّص -في المجال التداولي المعرفي الإسلامي – لا يمكن تجاوزه في سياق البحث عن الحلول كما تقرر العلوم الاجتماعية. يتبع
* لمن أراد الاستفادة من الموضوع فقد أجرينا مع الدكتور ساري حنفي حواراً في جريدة البصائر العدد 1101 تناول فكرة هذا الكتاب.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com