الفتوى رقم:249/ محمد مكركب
الموضوع: حكم عقاب الساحر هل تقبل توبته؟ أم أن حده القتل؟
قال السائل: سمعت فتوى أن الساحر ونظرا للجرائم والموبقات الكبيرة التي ارتكبها، أنه يقتل، تاب أم لم يتب، وسمعت من يقول: إن الساحرة، إذا تابت نرضى بتوبتها ونرحب بها؟ ولا يقام عليا الحد؟ فما هو حكم تعلم واستعمال السحر، وحكم الساحرة والساحر؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: قال الله تعالى:﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾(102). وفي التحرير والتنوير لابن عاشور:[والشياطين يحتمل أن يكونوا شياطين من الجن وهو الإطلاق المشهور، ويحتمل أن يراد به ناس تمردوا وكفروا وأتوا بالفظائع الخفية فأطلق عليهم الشياطين على وجه التشبيه] وفي أيسر التفاسير:[كما أخبر تعالى في هذه الآية أن ما يتعلمه الناس من الملكين إنما يتعلمونه ليفرقوا بين الرجل وامرأته، وأن ما يحدث به من ضرر هو حاصل بإذن الله تعالى حسب سنته في الأسباب والمسببات، ولو شاء الله أن يوجد مانعاً يمنع من حصول الأمر بالضرر لفعل وهو على كل شيء قدير. فبهذا متعلمو السحر بسائر أنواعه إنما هم يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم. وفي آخر الآية يقرر تعالى علم اليهود بكفر الساحر ومتعلم السحر ومتعاطيه حيث أخبر تعالى أنهم لا نصيب لهم في الآخرة من النعيم المقيم فيها. فلذا هم كفار قطعاً].
السحر كبيرة من الكبائر، والذي يفعل السحر ليضر بالمؤمنين فهو كمن يحارب الله ورسوله والمؤمنين، فالسحر من السعي في الأرض بالفساد والخراب، وحكمه كأهل الحرابة، فإن تاب وأصلح ما أفسد قبل أن يكتشف أمره، فيترك أمره إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه يوم القيامة. أما إن اكتشف أمره متلبسا بالسحر فإنه يقتل، ولا يسمع له إن تحققت الأدلة القاطعة، إلا من باب الإقرار وكشف بعض أسرار جرائمه ثم يقتل، فالساحر وهو يتعاطى السحر الضار بالناس، لا فرق بينه وبين المحارب، بل هو أخطر جرما من الحرابي قاطع الطريق. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: أمرنا الله تعالى بالاستعاذة من الساحرات مثلما نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فأعمال الساحرة كعمل الشيطان.﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ﴾. والنفاثات في العقد: يعني الساحرات اللائي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها. قال القرطبي:[روى النسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من عقد عقدة ثم نفث فيها، (يعني قاصدا السحر للضر بالمؤمن) فقد سحر ومن سحر فقد أشرك]} ولشر الساحرات والسحرة أن الواحد منهم إذا اكتشف أمره وهو يمارس السحر، حكمه القتل لا غير، ضربة بالسيف، وقليل عليه ذلك للجريمة التي يفعلها في عباد الله تعالى. وفي الموطأ، قَالَ مَالِكٌ:[السَّاحِرُ الَّذِي يَعْمَلُ السِّحْرَ هو بعينه. وَلَمْ يَعْمَلْ ذلِكَ لَهُ غَيْرُهُ. هُوَ مَثَلُ الَّذِي قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ:﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ﴾ فَأَرَى أَنْ يُقْتَلَ ذلِكَ. إِذَا عَمِلَ ذلِكَ هُوَ نَفْسُهُ](كتاب العقول. باب مَا جَاءَ فِي الْغِيلَةِ وَالسِّحْر).ِ
وفي الرسالة لابن أبي زيد القيرواني رحمه الله.[ويُقتل الزنديقُ ولا تُقبل توبته، وهو الذي يُسِرُّ الكفر ويُظهر الإسلام، وكذلك الساحر، ولا تقبل توبته، ويُقتل من ارتد، إلا أن يتوب، ويؤخر للتوبة ثلاثا، وكذلك المرأة] والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: لا يجوز للمسلم أن يتعامل مع الساحر، ولا أن يستعين به، ولا أن يأكل أكله، أو يأخذ منه شيئا. للمنكر العظيم الذي يرتكبه السحرة الفجرة المجرمون، ولأن الكهنة والمشعوذين والسحرة الماكرين لا يؤتمنون. والسحر من المحرمات المؤدية إلى الكفر.قال الله تعالى: ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 102) نسأل الله العافية والسلامة من شر السحرة والكهنة وسائر المشعوذين، الذين خسروا الدنيا والآخرة.