موقــــف و خـــاطـــــرة

القول الفصل في الفرق بين المودة والبر لغير المسلمين

الشيخ نــور الدين رزيق /

 

لا تخلط يا عبد الله بين القضيتين (المودة) و(البر)
– قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ}.
وفي نفس السورة أيضاً قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}.
فهل هناك فرق بين «المودة» و«البر» ؟!
– البر يكون بعمل الجارحة وهو إيصال الخير إلى الغير مع قطع النظر عن محبتك له أو كراهيتك إياه ويكون هذا للمسلم ولغير المسلم (لمن كفر بدينك).
والبر على ثلاثة أنواع، بر الوالدين بحسن الطاعة لهما ولين الجناح وبذل المال، وبر الأولاد بحسن التأديب لهم والدلالة على الخير، وبر جميع الناس بطلاقة الوجه وحسن المعاشرة.
إن من صور البر والإحسان إلى غير المسلمين: تحيتهم بكل كلام يمكن أن تُحسن به إليهم، كتحية الصباح والمساء والسؤال عن الحال والأهل والأبناء، والدعاء بالتوفيق والسعادة والخير، والثناء على خصال الخير في هذا الكافر، ونحو ذلك من جميل الملاطفات، ولطيف المجاملات.
جاء في «المجموع» (4/487) للإمام النووي: «أن يقول: هداك الله، أو أنعم الله صباحك، هذا لا بأس به، إن احتاج إلى تحيته لدفع شره أو نحوه . فيقول: صبحك الله بالخير، أو بالسعادة، أو بالعافية، أو بالمسرة، ونحوه» انتهى .
بل من صور البر بهم والإحسان في المعاملة كما يقول علماؤنا: مشاركتهم أفراحهم وأحزانهم الدنيوية، أما أفراحهم الدينية المتمثلة في أعيادهم فتجتنبها، وما سوى ذلك فلا بأس عليك في مشاركتهم وزيارتهم والاتصال بهم للتهنئة أو التعزية، كأحوال النجاح، أو الرجوع من سفر، أو الشفاء من مرض، أو وفاة قريب أو عزيز، فإن لمثل هذا التواصل الأثر النافذ في القلب ولا شك، وبمثله تثبت لهم الجوانب الإنسانية الرحيمة في ديننا الكريم، وتستغلها في الدعوة إلى الإسلام.
روى البخاري (1356) عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أَنَّ غُلَامًا مِنَ اليَهُودِ كَانَ يَخدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِندَ رَأسِهِ، فَقَالَ: (أَسلِم) ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِندَ رَأسِهِ، فَقَالَ لَه: أَطِع أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ . فَأَسلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَقُولُ: (الحَمدُ لِلَّهِ الذِي أَنقَذَهُ مِنَ النَّارِ).
ومن صور المعاملة الحسنة: منحهم مكانتهم اللائقة بهم، وتقدير منزلتهم في العمل أو في قومهم، فالمدير منهم يخاطب بلقبه الوظيفي اللائق به، والزميل منهم كذلك، فقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم هرقل في كتابه بأنه (عظيم الروم) رواه البخاري (7)، ومسلم (1773) .
ومن ذلك: قبول شفاعة أهل الخير والإحسان والمنزلة فيهم، لاسيما إن كانت له هيئة ومكانة ومنزلة في قومه، ولعل هذا أن يكون أرجى لإسلامه، أو إسلام من وراءه؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر عن الأسرى والقتلى: (لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِىٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي في هَؤُلاَءِ النَّتْنَى، لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ) رواه البخاري (3139)، لأنه كان أجار النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من الطائف، وهو الذي أمر بتمزيق الصحيفة التي حاصرت بني هاشم.
– أما المودة: فهي عمل القلب محضاً فهي لا تكون إلا لمسلم، وهي الموالاة القلبية تتعلق بالنصرة والموالاة .
وقد أمرنا الله تعالى بالبراءة من الكفر وأهله: قال الله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}[الممتحنة 4].
إذاً هناك فرق فعلاً بين الإثنين، أُمِرنا بالبر ونهينا عن المودة وهذا لغير المسلمين أي لمن كفر بدين محمد صلى الله عليه وسلم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com