الملتقى الطبي الدولي مركز الشهاب سطيف : الدلالات والآفاق …والآمال
يكتبه: حسن خليفة/
تعقد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين شعبة سطيف، من خلال مركز الشهاب للدراسات والأبحاث مؤتمرا طبيا دوليا أواخر هذا الشهر(28 ماي2022)، وهو ملتقى طبي متخصص، سجل لحضوره مئات من الأطباء المختصين وغير المختصين عبر منصة خاصة هُيّأت لذلك .نريد أن نقرأ هذا من زوايا متعددة: الدلالات، الآفاق، والإمكان (النائم).
• فأما من حيث الدلالات فيمكن الإشارة إلى بعض الحقائق سريعا ومنها: أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين جمعية جادة وفاعلة، تعمل باقتدار وانتظام، من خلال شعبها وفروعها ومؤسساتها (ومنها مركز الشهاب).. على الإضافة الدائمة في كل ما ينفع المجتمع..وأنه آن الأوان ـ بالفعل ـ لإدراك ذلك من الجميع، بل وترجمته إلى صيغ دعم وتعاون ومرافقة؛ لأن الهـدفَ، في النهاية واحد، وهو خدمة المجتمع الجزائري.والأصل في الأشياء أن ندعم العامل الجادّ النشط وليس العكس.
• أن هذا الجهد يصبّ في مجال استراتيجي (الصحة) ومن ثمّ وجب إسناده بكل الطرق وكل الوسائل، ومن جميع الجهات، ذلك أن تحشيد مئات من الأطباء والبحث في موضوع عالمي كبير بعنوان: «كوفيد: من أزمـة عالمية إلى فرصة حلّ» ليس بالأمر اليسير، بل هـو جهد يجب تثمينه وتقديره بكل وجه، بل يجب الاستثمار فيه كل الاستثمار، لربح معركة الأوبئة والعمل على تجسيد خطط مستقبلية استشرافية لمواجهتها في الأوان المناسب، وهذا أقل ما يمكن.
• من الدلالات أيضا أن هناك «إمكانا» ضخما من (الطاقات والقدرات والكفاءات) الجزائرية في كل المجالات، ومنها مجال الطب والصحة من الواجب التعامل معها برشد، والعمل على الاستفادة منها بكل الأشكال والصيّغ. والواقع أن هذا «الإمكان» لا يقتصر على المجال الصحي /الطبي فحسبُ ،بل هو في كل المجالات..ولعله حان الوقت للنظر المعمق في مسألة «الكفاءات الجزائرية» في الداخل والخارج، وبالأخص في ذلك: البحث عن الكفاءة المناسبة للمكان المناسب، في مجال التسيير والإدارة والقيادة. والكلام يطول هنا ولكن يجب التأكيد أن من المسؤوليات الكبيرة للسلطة أن تنظر في هذا الموضوع بجدية كافية وبنزاهة وصدقية وتمضي فيه، وتتجاوز «البريكولاج» والتعيينات المشبوهة وإسناد الأمور إلى غير أهلها.
• الدلالة القريبة من هذه هي تلك المتعلقة بـحقيقة المجتمع المدني، وطبيعة عمله …فهذا الملتقى يحيلنا إلى هذا الأمر ويكشف لنا أن المجتمع في الجزائر حيّ يُرزق ولكن الإشكال في استيعابه والتعاون معه، وجعله رافدا من روافد التقدم وتحقيق النماء.إن الملتقى الطبي الدولي في سطيف يوضح لنا بشكل قاطع: أن مجتمعنا من خلال الجمعيات الفاعلة على الأقل، مستعد للذهاب بعيدا في كل ما يتعلق بتطوّرالمجتمع وتقدّمه وازدهاره، والعمل على تخطي العقبات وتجاوز المشكلات بالتعاون مع السلطات مركزيّة ومحلية، والمطلوب فقط: تفهّم تطلّعاته واستيعاب طموحات أبنائه وبناته، ومرافقتهم في كل عمل صالح وخيّر وجدّي ووطني.
إن من واجب الدولة نحو المجتمع تفهّم قادة الرأي وأهل العزيمة والجدّ واستيعاب طموحهم ونشاطهم وبرامجهم والعمل على إبعاد كل عرقلة لهم، من أي جهة جاء ذلك، وما أكثره للأسف.
***
وأما بالنسبة للآفاق والتطلعات فإن المرجو من هذا الملتقى كثير وكبير، ولعل منه:
1- تحقيق التعارف العميق بين الكفاءات الجزائرية في مجالي الطب والصحة على النحو الذي يفيد الجميع، بتعزيز التعاون في المستقبل بين هؤلاء الأطباء والعاملين في مجال الطب، بما يعود بالفائدة على المجتمع في المحصّلة النهائية.
2- العمل على إيجاد صيّغ تعاون وشراكة بين هؤلاء الأطباء في مجال الاستثمار الصحي/الطبي، في شكل عيادات ومشافي متخصصة على أن تكون نوعية ومميّزة وذات رسالة حضارية، تتجاوب مع مطامح الشعب الجزائري واحتياجاته في هذا المجال الحيوي (الصحة)، والجميع يعلم الظروف والملابسات والمشكلات ورداءة الخدمات في هذا القطاع..فلعلّ العمل على تجاوز الواقع هو جزء مما ينبغي تحقيقه في المستقبل كنتيجة من نتائج هذا الملتقى.
3- إن دراسة أزمة كوفيد وماتركته والعمل على جعل الأزمة فرصة عمل رائع وكبير، ولكن ذلك لايمنع أن ندرس أيضا ـ ولو بشكل عَرضي ـ إشكال الصحة والتدنّي الكبير في التكفّل بالمرضى في قطاعات واسعة من مجتمعنا، فلعلّ التطرق إلى ذلك والبحث عن الحلول يمكّن المؤتمِرين من طرق هذا الموضوع (صحة المواطن الجزائري) ـ بصفة عامة ـ وطرح بعض من صيّغ الحلول في الآفاق الزمنية القريبة تفضي إلى إيجاد رافد إيجابي نتجاوز به الصعوبات الحالية في مجال الصحة (نقص الوسائل، ضعف الاستجابة، ضعف التكفل بالمرضى، انعدام البيداغوجية في استقبال المرضى وتوجيههم، نقص الأدوية، معاناة المرضى في أكثر من مجال.
4- من الآفاق الجميلة التي ترتبط بآمال وأحلام (واقعية)
أـ أن يكون من ثمرات هذا الملتقى إنضاج تصوّرات عن مشاريع رسالية مستقبلية تتمثل (على سبيل المثال لا الحصر) في: بناء مستشفى خاص بالأطفال بالتعاون بين الأطباء ورجال الأعمال وأبناء الشعب الجزائري، مستشفى تخصصي للأطفال يستوعب كل أطفال الجزائربنين وبنات، ويخفف آلامهم ويعين على تطبيبهم بشكل حقيقي.ومثله مشفى أو عيادات تخفف عن أصحاب الأمراض المزمنة والمستعصية والصعبة.
ب ـ أن يُبحث، ولو بشكل غير معمّق، الـدورالإنساني الرسالي للطبيب الجزائري، فقد تحوّل الطب إلى تجارة آثمة فاجرة، لا يَرى فيها بعض الأطباء إلا «الدورو» مع إهمال وأخطاء وقصور وتقصير، وأسعار خيالية في المعاينات والفحوص والتحاليل وكل ما يتعلق بصحة الإنسان. فلعل التذكير بذلك يفيد، ولكن الأفضل هو طرح فكرة ميثاق أخلاقي مشترك (عملي ميداني) وليس على الورق يساعد على بلورة مشروع طب رسالي إنساني مجتمعي هادف.
ج ـ وأما الآمال الخاصة بالجمعية فإن ّ مما نحلم به الوصول إلى طرح فكرة مستشفى إسلامي تابع لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، على أن يكون متكاملا ونوعيا، وإن تعذّر ذلك حاليا، فـمجموعة مشافي صغيـرة في بعض جهات الوطن (شرق، غرب، شمال، جنوب)…تكون تجسيدا لأهداف الجمعية بالتي تسعى لتحقيق وتجسيد وجود: مدارس، مدارس ومعاهد شرعية، ثانويات، مشافي، مكتبات ومراكز بحث ودراسات، مراكز تكوين وتدريب (علمي مهني) وما ذلك على الله بعزيز …ثم ما ذلك على مجتمعنا بصعب ولا معجز.