الإنسان والمستقبل المجهول./ منصف بوزفور
لقد كتب “ألكسيس كاريل” كتاب “الإنسان ذلك المجهول” وهو يعلم حقّ العلم أن ما يسميه بالمجهول من الإنسان هي قضايا كثيرة ومنها أصل الإنسان وأصل اللّغات والحضارات، وهل كان الجانب المجهول من الأحداث التي مرّ بها الإنسان ولم يسجّلها التّاريخ لأن اللغة المكتوبة لم يكتشفها الإنسان بعد لا يمكن تحديدها طردا؟
لكن كتب د.”عادل العوّا” أيضا كتابه “الإنسان ذلك المعلوم”.
كان “كاريل” يرى البشر لا يصلحون أن يكونوا مادّة للبحث العلمي، فالباحث لا يستطيع أن يجد بسهولة أناسا ذوي صفات خاصّة متميّزة كما أنّه يكاد أن يكون من المحال التحقق من نتائج تجربة من التجارب بإحالة الموضوع إلى ما يماثله.
وهذا يعني أنّنا نكتسب معرفة أفضل بأنفسنا بمجرّد اختيار حقائق إيجابية من أقدس المعلومة المتعلّقة بالإنسان، وإقامة جدول كامل لوجود نشاطه، وكذلك لن يكفي استكمال هذه المعلومات بطريق ملاحظات جيدة أو تجارب جديدة وإنشاء علم حقيقي بالإنسان.
إن ّالبشر في رأيه يحتاجون أكثر ممّا يحتاجون إلى تراكيب يمكن استخدامها، وأنّ الغرض من معرفة الإنسان ليس أمرا فضوليا بل من أجل إعادة بناء أنفسنا وما يحيط بنا، ولذا فإنّ “علم الإنسان” سيكون مهمّة المستقبل.
كذلك “جوليان هكسلي” في كتابه “الإنسان في العالم الحديث” حيث يرى أنّ الإنسان قد أصبح بعد القضاء على النظم الدينية والخلفية والسياسية القديمة، يحتاج إلى نظام للقيم والمثل العليا الأمر الذي يدفعه إلى إعادة البحث بدقّة أكثر في مركزه البيولوجي.
كذلك كان “لوكونت دونوي” في كتابه “مستقبل الفكر” يتساءل: هل أنّ تطوّر الفكر سيستمرّ حقّا في المجال الأخلاقي والروحي أو في المجال الفكري؟
لكن هل سيتمّ هذا التطوّر باتجاه العمق أم باتجاه السّطح؟
ويجيب بأنّ الذّكاء، ومن حيث اشتقاق الكلمة الدّالة عليه، إنّما يجعل من الإنسان الذكي تلميذا يطلب المزيد من المعرفة باطّراد.
ولذا، فإنّه يجد ذاته حيال كون في حال أدنى من حاله دوما.
ولو فرضنا أنّ الإنسان سيعرف كلّ شيء، فماذا سيفعل بعمله؟
إنّه لن يعني بالأمور الفكرية التي تكون قد فقدت سرّها في نظره، وبالأشياء المادّية الخارجية التي تؤلّف موضوع العلم.
بل إنّه قد يعود بغرائزه البهيمية، ويقع من جديد تحت نير غدده الصّماّء التي ستظلّ ترفده على الأقل، كما يرجو بالمتع الحسّية المبتذلة، وستغدو الحياة الاجتماعية محالا، ذلك لأنّ ما من شيء أقبح من حياة عالم كبير أو عبقري فذّ، لا ينطوي وجوده على غير الذكاء وحده.
إنّ الأثرة والأهواء ستنمو بدون أن يردعها أيّ رادع.