كلمة حق

ردع منظمة الجيش السرّي O.A.S وانتهاء وجوده

أ د. عمار طالبي/

شهدت الجزائر بتاريخ 22-24 أفريل 1960 انقلاب حفنة من الجنرالات المتقاعدين الذين وصفهم الصحافي المشهور بيار لازاريف قائلا: إن «وراء الجنرالات المارقين الذين يجترون أحقادهم، ويبحثون عن انتصار ينسيهم هزائمهم… وراء الكولونيلات يقف الفاشيون وزعماء العصابات، ولابد أن يدفعهم تعصبهم وغطرستهم إلى آخر حدود التطرف»، فكان بيار لازاريف هو من القلائل الذين وقفوا في وجه هذه العصابة من العسكر المتمرد على السلطة الشرعية للرئيس ديغول، ويقول لويس تيرينوار وزير الإعلام في عهد ديغول: باءت مغامرة العصيان هذه بالفشل الذريع، وكانت تهدف إلى انشقاق الأوروبيين الساكنين بالجزائر، وتحلم بالسيطرة بالقوة على السلطة في فرنسا نفسها، لأن أكثرية القادة ومجمل القوات المسلحة كان ولاؤهم لديغول(1)
ولكن تكونت منظمة أخرى متعصبة تعصبا أعمى وهي: «منظمة الجيش السري O.A.S».
وقبل ذلك وافق الشعب الفرنسي بقوة على استفتاء 8 يناير 1961 الذي يؤيد سياسة الجنرال ديغول الجزائرية التي وصفها بأنها «قضية السلام والعقل»، ومعنى هذا الشعار أنه يمكن أن يؤدي إلى شكل الجمهورية الجزائرية المتصلة دستوريا بفرنسا، والتعاون بين تسعة ملايين من الجزائريين وما يزيد عن المليون من الأوروبيين.
ونشأ منذ 1960 ما يسمى: «بالحركة من أجل المجتمع الوطني»، التي أسسها جاك دوبير، وسميت هذه الحركة بعد ذلك بأنها «الحركة من أجل التعاون»، وأرسلت هذه الحركة الشاب «لوسيان بيترلين» وكانت سنه 28 عاما، وهو من حملة جماعة من المناضلين الديغوليين، ووصف هذا الشاب بأنه مقدام شجاع ذو موهبة قيادية، فأرسل إلى إذاعة مدينة الجزائر، وأسس فرع الجزائر «للحركة من أجل المجتمع الوطني»، وصارع في خضم الذين يؤمنون «بالجزائر الفرنسية»، واعتمد على «الليبراليين» وهم أقلية ضئيلة، وكانت للحركة ملصقات كتب فيها «السلام في الجزائر عبر حق تقرير المصير»، «عاش ديغول».
وقد وقعت مجزرة في الجزائر قتل في تلك المظاهرة التي وقعت في 11 ديسمبر 196 ما يزيد عن خمسين قتيلا حسب الرواية الفرنسية، وهذا فيما يقول وزير الإعلام الفرنسي يدل على وجود حزب فرنسي ينادي بأن الجزائر للجزائريين.
وكانت هذه العصابة من الجنرالات تتلقى تعليمات من سالان ومن لاغايارد رغم أنه كان في منفاه في إسبانيا، وصدرت الأوامر بتصفية هؤلاء المؤيدين لديغول تصفية جسدية، وقتل أحدهم وهو بارتيليمي روسيلو كما عذّب لوسيان بيترلين وضرب ضربا مبرحا.
وسمي المؤيدون لديغول بالإرهابيين، كما كان الألمان يسمون المدافعين عن وطنهم في فرنسا بالإرهابيين، فهم مقاومون يسمونهم بالإرهابيين، ومعنى هذا أن هناك فرقا بين العنف المدمر للحرية، والعنف المحرر للأوطان من الاحتلال والدكتاتورية كما كان الثوار الجزائريون يسمون بالفلاقة والإرهابيين، ويسمى اليوم الفلسطينيون المدافعون عن وطنهم بالإرهابيين.
ولوسيان بيترلين هو الذي أسس «جمعية التضامن العربي»، وهو الذي يدافع عن قضية فلسطين.
إني أردت أن أشير إلى أهمية هذا الكتاب الذي عثرت عليه في منزل ابنتي بفرنسا، وهو مترجم عن أصل الكتاب بالفرنسية، ألفه: Lucien Bitterlin بعنوان: Nous étions tous des térroristes، وعنوانه الفرعي: L’histoire des barbouzes contre l’O.A.S en Algérie, édition du témoignage chrétien.
وقد ولد لوسيان بيترلين في 15/7/1932 في ضواحي باريس، خاض «الحرب الإرهابية»، وهو مناضل شرس في صفوف الحركة الديغولية المؤيدين لمشروع ديغول، لإنهاء الاستعمار الفرنسي للجزائر، يعمل من أجل القضايا العادلة ومؤسس جمعية التضامن الفرنسي العربي سنة 1967، وأمينها العام، ثم أصبح رئيسا لها منذ 1978، فأردت بهذا أن أعرضه لأهمية هذا الكتاب، ودفاع صاحبه ضد العصابة العسكرية المتنمرة، وضد تعصب المعمرين الفرنسيين في الجزائر، الذين كانوا مسيطرين على كل شيء في الجزائر، ولا يخضعون لسياسة باريس، وذلك ليطلع قراء البصائر على لمحات من هذا الكتاب التاريخي.
(1): لوسيان بيترلين، كنا كلنا إرهابيين.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com