الإسلام ذوق ووفاء
د. محمد بوركاب/
ما أعظم محمدا صلى الله عليه وسلم وما أرحمه بالعالمين،لقد علَّمنا كلّ شيئ، وأعظم ما علمنا: حسن الذوق والوفاء مع الناس أجمعين،علمنا نصرة المظلومين وردّ الجميل لأصحاب المواقف المشرفة ولو كانوا مخالفين لنا في الدين لِما رواه البخاري عن جبير بن مُطعم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال في أسارى بدر: «لو كان المُطعِم بن عدي حيّا وكلمني في هؤلاء النَّتنى لتركتهم له» أي: وهبتهم له دون فدية ومقابل، وفاءً لمعروفه وكان المُطعِم بن عدي هو الذي سعى في نقض صحيفة الحصار التي علقتها قريش على الكعبة وفيها مُقاطعة بني هاشم وبني المطلب وفيهم سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، فحفظ له جميله وأثنى عليه بعد وفاته، ولمّا مات المُطعم بعد الهجرة، رثاه شاعر الرسول حسان بن ثابت بقصيدة مجازاةً له على ما صنعه مِن معروف لرسول الله وآل بيته صلى الله عليه وسلم، ومِن جملة ما قاله:
أيا عينُ فابكي سيّد القوم واسفحي بدمعٍ وإن أنزفته فاسكبي الدِّما
فلو كان مجدٌ يخلد الدهر واحدا مِن الناس أبقى مجده اليوم مُطعِما
أجَرت رسولَ الله منهم فأصبحوا عبيدك ما لَبّى مُهِلٌ ومحرما
وإذا كان ذلك في حقّ مَن نصر نبيّنا ومَن معه مِن المستضعفين بموقف واحد، فكيف يكون التقدير والعرفان في حقّ المرأة الفلسطينية الصحفية شرين ابو عاقلة التي دافعت عن القضية الفلسطينية طوال عمرها وختمتها بأن ضحت بحياتها واغتيلت غدرا برصاصات العدو المغتصب وهي تمارس وظيفتها الإعلامية الإنسانية؟!
إنها امراة بألف رجل! ولو بعث سيدنا حسّان رضي الله عنه لرثاها، ذاك حظها في الدنيا وستظل الأجيال تثني على مواقفها، وأما في الدار الآخرة، فالأمر لرب العالمين يحكم بين عباده بالحقّ فيما كانوا فيه يختلفون، وكلُّ ما جاء في كتاب ربنا وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- حقٌّ وعدلٌ ورحمةٌ وحكمةٌ، عَلِم ذلك من علم وجهله من جهل.
ولأجل ذلك، فلا يوجد في ديننا ما يُتحرج منه أو يُستحى من الخوض فيه، ولكن لكل مقام مقالٌ، وأظن أنه ليس مِن العقل ولا مِن المنطق أن نُحيل شخصا في الدعاء أو غيره على نيل جزائه ممن لا يؤمن به ؟!
فليسعنا ما خوطب به سيّد الخلق صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: «ولا تُصَلِّ على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره» وقوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى…}.
وليسعنا ما وسع سيدنا المسيح عيسى بن مريم عليه السلام الذي ألهمه ربه أن يناجيه يوم القيامة قائلا {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }[المائدة: 118] فجاءه الجواب الفصل مِن رب العالمين {قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }[المائدة: 119] أي: ينفعهم في هذا اليوم صدقُ توحيدهم وعبوديتهم لله في الدار الدنيا،
فلماذا نُتعب أنفسنا فيما لا يعنينا ولا يفيدنا؟
ولماذا نبدد جهودنا ونضيع أوقاتنا في خوض معارك وهمية افتراضية صورها لنا العدو المتربص للنيل منا والاستهزاء بنا؟!
– أما آن الأوان أن نهتم بما ينفعنا ويخدم قضيتنا؟!
– أما آن الأوان أن تتحد جهودنا وكلمتنا في التصدي للعدوّ المغتصب الذي لا يفرق بين مسلم ومسيحي! ولا بين صغير وكبير! ولا بين امراة ورجل! أتى على الأخضر واليابس بالحرق والدمار؟!
– أما آن الأوان أن تتكاتف جهودنا في معاقبة من يُطلق الرصاص على الأبرياء من النساء والأطفال وأصحاب الأرض؟!
أظن أنه قد آن، ورحم اللُه الإمام بن باديس الذي قال:
مَن كان يَبغي وُدّنا*** فله الكرامة والرَّحب
أو كان يبغي ذُلنا***فله المهانةُ والعطَب
فمرحبا بكل مَن نصر قضيتنا وكلَّ قضية عادلة في العالم ولو كان مِن غير أهل ملتنا
والذل والهوان والهلاك لكلِّ من خان وطبَّع، ولو كان مِن بني جِلدتنا
وعاشت فلسطين حرة أبية