هل سيفتح فوز ماكرون صفحة جديدة في العلاقة الجزائرية الفرنسية ؟
أ. عبد الحميد عبدوس/
شدت الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة التي جرت في جولتين أيام 10 و24 أفريل 2022 أنظار العالم نظرا لما مثلته من أهمية لأوروبا وللعالم خصوصا في ظرف التوترات العالمية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية. لم تكن هذه الانتخابات الفرنسية بعيدة عن اهتمام الجزائريين بسبب حساسية العلاقة بين الجزائر وفرنسا، والارتباطات التاريخية والثقافية والاقتصادية والتجارية بين البلدين، وبسبب كثافة الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا، ولذلك شكل فوز إيمانويل ماكرون بعهدة رئاسية ثانية، وخسارة مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان مبعث ارتياح للجزائر، ولكن هذا لا يمكن أن يخفي حقيقة صعود اليمين المتطرف في فرنسا، حتى أن مارين لوبان رغم خسارتها الانتخابية عبرت عن سعادتها بما حصلت عليه من أصوات الناخبين.
تقول الأرقام أن المرشح إيمانويل ماكرون حصل في الجولة الأولى من رئاسيات2022 على ما يقارب 10 صوت، وفي الجولة الثانية حصل على ما يفوق 18 مليون صوت (نسبة 58,54). بينما حصلت منافسته مارين لوبان في الجولة الأولى على ما يفوق 8 ملاين صوت، وفي الجولة الثانية حصلت على ما يفوق 13 مليون صوت (نسبة 41,46). وبالمقارنة مع الانتخابات الرئاسية السابقة لسنة 2017 التي فاز فيها إيمانويل ماكرون بما يقارب 21 مليون صوت بنسبة 66.06% أما لوبان فحصلت على 10مليون صوت بما نسبته 33.94% من الأصوات. أي أن إيمانويل ماكرون خسر في خمس سنوات (مدة عهدته الرئاسية الأولى) ما يقارب 3 ملايين صوت، بينما كسبت مارين لوبان ما يزيد عن 3 ملايين صوت جديد.علما أن نسبة المقاطعة بلغت 28%، وهي أعلى نسبة مقاطعة للانتخابات منذ سنة 1969.
قبل ثلاثة عقود كان خطاب اليمين المتطرف وشعاراته العنصرية الفاشية تعتبر في فرنسا وأوروبا تهديدا للديمقراطية، وانحرافا عن القيم الجمهورية ،ولكن نرى اليوم ان الخطاب اليميني المتطرف أصبح بضاعة رائجة إلى الحد الذي جعل ما لا يقل عن ثلاثة مرشحين للرئاسة هم مارين لوبان، وإريك زمور، وفاليري بيكرس، يتنافسون حول من يكون أكثر عداء للمسلمين وأكثر حصدا لأصوات اليمين المتطرف.
مارين لوبان أعلنت أنها لن تسمح بانتشار «أيديولوجية الإسلام» أو ما أصبح يعرف بالإسلاموية في فرنسا، ووصفت حجاب المرأة المسلمة بأنه تعبير عن «أيديولوجية خطيرة مثل النازية». ووعدت بحظر ارتداء الحجاب في الأماكن العامة وأنها ستفرض غرامة مالية لمعاقبة النساء اللواتي لا تحترمن هذا الحظر.
أما إريك زمور ابن المهاجر اليهودي الذي انتقل من الجزائر إلى فرنسا، فوعد انصاره باسترداد فرنسا بطرد المهاجرين منها ،خصوصا المهاجرين من أصول عربية وذوي الديانة الإسلامية ،ولذلك تخلى عن مهنته القديمة كمهرج محترف لينخرط في السياسة من خلال تأسيسه لحزب «استعادة فرنسا».
من جهتها، مرشحة اليمين المعتدل فاليري بيكرس، فضلت التطرف يمينا، وتبني الخطاب الإسلاموفوبي، فاتهمت الرئيس المرشح إيمانويل ماكرون بالتغاضي عن «الإسلاموية،…» ووعدت بـ «ترحيل الأجانب الذين يمثلون تهديدًا للأمن العام، خصوصًا من الذين يتبنون خطابا إسلاميا متشددا».
يرى بعض المحللين أن تفشي خطاب اليمين المتطرف، وتصاعد اللهجة الإسلاموفوبية في الخطاب السياسي الفرنسي ساهم فيه بقسط كبير الرئيس إيمانويل ماكرون في عهدته الرئاسية الأولى من خلال السياسة المتشددة التي انتهجها من الهجرة والإسلام والسياسات الأمنية والملاحقة غير المسبوقة للمسلمين والتي وصلت ذروتها بإغلاق 718 مؤسسة إسلامية ومنع دور النشر الإسلامية.
مع بداية تراجع شعبية الرئيس ماكرون وفقدان حزبه «الجمهورية إلى الأمام» لغالبيته المطلقة في مجلس النواب في شهر ماي 2020، ثم هزيمة حزبه في الانتخابات المحلية في جوان 2020 بدأ يتطلع لحصد أصوات اليمين المتطرف والتقرب إليه بخطاب شعبوي يناقض وعوده الانتخابية في 2017، وعلى سبيل المثال اعتبر ماكرون في شهرسبتمبر 2020 جريدة (شارلي هيبدو) منبع الفتنة ومنبرالكراهية نموذجا اللدفاع عن حرية التعبير، واختار بلداعربيا هو لبنان تسكنه غالبية مسلمة ليدافع عن قرارجريدة (شارلي هيبدو) إعادة نشرالرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، بحجة إن الناس في فرنسا لهم حق «التجديف». ووصل به الأمرإلى حد القول إن بلاده لن تتخلى عن «الرسوم الكاريكاتورية»، علما أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ بفرنسا قضت في 25 اكتوبر 2018، بأن الإساءة إلى النبي محمد،صلى الله عليه وسلم، ليست حرية.
أمافي شهرأكتوبر 2020 فقد اعتبر المسلمين مجموعة من الانعزاليين «الساعين إلى إقامة نظام مواز وإنكارالجمهورية الفرنسية»، وأن الإسلام» ديانة تعيش اليوم أزمة في كل مكان في العالم»، كماذكرأن الحظرالذي فرضته بلاده على الشعارات الدينية، الذي يضربشكل ملحوظ بالنساء المسلمات، اللاتي يرتدين غطاء الرأس أوالحجاب، سيتم توسيعه ليشمل موظفي القطاع الخاص.
الرئيس الفرنسي برر الإساءة إلى الدين الإسلامي والتحريض ضد المسلمين بالدفاع عن حرية التعبير وحرية التجديف وحماية المبادئ الديمقراطية، ولكن هذا الزعم لا يصمد أمام حقائق الممارسات الفعلية للسلطات الفرنسية في قضايا أخرى، فقد قامت الخارجية الفرنسية في شهر مارس الماضي (2022) باستدعاء السفير الروسي لدى باريس، بسبب نشر السفارة الروسية على تويتر رسما كاريكاتوريا ساخرا عن أوروبا، وأوضحت الخارجية الفرنسية أن ما نشرته السفارة الروسية «غير مقبول»، وقبل ذلك كانت محكمة فرنسية قد أدانت عام 2019 رجلين بتهمة «الازدراء» بعد أن أحرقا دمية تمثل الرئيس ماكرون خلال مظاهرة سلمية. ووصل الأمر بوزير داخلية الرئيس ماكرون، جيرار درمانان إلى المزايدة حتى على زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبان في التوجه الإسلاموفوبي واتهمها في مناظرة تلفزيونية بأنها «متساهلة جدا» مع الإسلام.
وبخصوص العلاقة مع الجزائر وبعد أن كان إيمانويل ماكرون المرشح للرئاسيات قد اعتبر خلال زيارته للجزائر في فيفري 2017، أن الاستعمار جريمة ضد الانسانية، حيث قال: «إن الاستعمار جزء من التاريخ الفرنسي. إنه جريمة، جريمة ضد الإنسانية، إنه وحشية حقيقية وهو جزء من هذا الماضي الذي يجب أن نواجهه بتقديم الاعتذار لمن ارتكبنا بحقهم هذه الممارسات».
ولكن بدل تقديم الاعتذار للشعب الجزائري الذي عانى طوال قرن وربع قرن من بشائع وحشية الاستعمار، عاد ماكرون في شهر سبتمبر 2021 ليصرح أن تاريخ فرنسا في الجزائرهو: «تاريخ مؤلم وكبير، وتاريخ شرف»، ووعد بطلب الصفح من الحركى وتقديم الاعتذار للذين قاتلوا ضد شعبهم وساهموا في تمديد عمر الاستعمار المجرم وقال: «شرف الحركيين يجب أن يحفر في الذاكرة الوطنية».
وفي شهر اكتوبر 2021 نقلت جريدة (لوموند) عن ماكرون قوله إن «التاريخ الرسمي للجزائر أعيدت كتابته بشكل كامل»، مضيفاً أن «هذا التاريخ لا يعتمد على الحقائق، بل على الضغينة التي تُكنها السلطات الجزائرية نحو فرنسا». وذهب إلى حد إنكار وجود أمة جزائرية قبل الاحتلال الفرنسي حيث تساءل: «هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاحتلال الفرنسي؟».
بسبب هذا الوضع صوتت غالبية مسلمي في فرنسا (بنسبة 69 بالمئة) في الدورالاول من الرئاسيات لصالح زعيم حركة «فرنسا الأبية» جان لوك ميلونشون الذي يدعو إلى فرنسا متنوعة وتعددية ومتضامنة، ولكنه أقصي من الدور الثاني بفارق ضئيل عن صاحبة المركز الثاني مارين لوبان.أما في الدور الثاني فقد اختار مسلمو فرنسا الرئيس ماكرون تطبيقا لمبدأ «أهون الشرين»، رغم ذلك كان واضحا أن الجزائر كانت مع خيار تجديد العهدة الرئاسية لإيمانويل ماكرون وقطع الطريق أمام زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، فقد دعا عميد مسجد باريس الجزائري شمس الدين حفيظ صراحة إلى التصويت لصالح ماكرون منذ الدور الأول.
أما الرئيس عبد المجيد تبون فقد بعث برسالة تهنئة إلى نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بمناسبة إعادة انتخابه جاء في نصّها: «يسعدني بمناسبة تجديد انتخابكم الباهر رئيساً للجمهورية الفرنسية، أن أتوجّه إليكم، باسم الجزائر شعباً وحكومة وأصالة عن نفسي، بأحرّ التهاني وبخالص تمنياتي لكم بالنجاح في مواصلة مهامكم السامية».
لعل الجزائر تتوقع أن يتحرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في عهدته الثانية غير القابلة للتجديد من ضغوط اليمين المتطرف والتخلص من أعباء الضغوط الانتخابية لفتح صفحة جديدة أكثر إنصافا للتاريخ والذاكرة المشتركة، وأكثر نفعا للبلدين في تعاونهما المشترك، وأكثر احتراما لجهود الجالية وما قدمته من خدمات جليلة لفرنسا ،وتصحيح الرؤية للدين الإسلامي الذي يعتبر لب الهوية لأمة بكاملها.