كلمة حق

تلمسان زينة البلدان وحامية القرآن/ د. عمار طالبي

هذه تلمسان أضحت للعلم والبحث في التراث أجدر ميدان، حضر ملتقى الشيخين باحثون ومؤرخون من شيوخ وشبان، وحضر واليها ومسؤولوها، وازدان بهم الافتتاح والاختتام لهذا الملتقى.

وكانت أكثر الأبحاث تعالج الحركة السنوسية التي قام بها الشيخ الجليل، وصاحب النهضة العظيمة، محمد بن علي السنوسي الخطابي الإدريسي الحسني الذي أقلق الإيطاليين والفرنسيين والانجليزيين، بما قام به من حركة تنهض بالأمة، وتجعلها مستعدة للدفاع عن نفسها، وتفطن لدسائسهم وأطماعهم لاحتلال الأوطان، والسيطرة على الشعوب الإسلامية، فكانت حركته الجهادية لاستعداد هذه الشعوب للدفاع عن دينها وأوطانها.

وامتازت حركته عن بقية الطرق الصوفية بما تعلّمه لأتباعها من تربية روحية، ومرانة على استعمال الأسلحة، والفروسية، والزراعة، وما يؤدي إلى الاكتفاء الذاتي من المؤونة، وكان لا يقبل الهدايا، فجعل زواياه المتعددة مستغنية عن غيرها، من الناحية الاقتصادية، وكان يحرر العبيد من اختطاف الأوروبيين، ويعلمهم القرآن والشريعة، والزراعة، والصناعات التقليدية، ويرسل بهم إلى القبائل الإفريقية في تشاد ومالي والنيجر وغيرها، وقويت هذه البعثات في عهد أبنائه وأتباعه من بعده إلى سائر إفريقيا الغربية.

وعني عناية كبيرة بالقبائل الوثنية لنشر الإسلام بينها، وكان يتصل بمختلف القبائل، ويصلح ما ينشب أحيانا بينها من نزاع؛ وكانت زواياه قلاعا حصينة، تحيط بها البساتين والمزارع، وكانت القبائل تتطوع للحرث والحصاد والدين، كل قبيلة تخصص يوما لذلك.

تجوّل في أنحاء العالم الإسلامي من مستغانم التي ولد بها سنة 1202هـ، وتلمسان، وفاس، وتونس، وليبيا، والحجاز، وأقام مدة في جنوب الجزائر من الأغواط، والجلفة، وبوسعادة، يدرس الأوضاع، وطرق القوافل التجارية ومراكزها، فعلم أحوال البلاد وأوضاع السلط الحاكمة في المغرب في عهد السلطان سليمان، وأوضاع الأتراك في الجزائر وليبيا ومصر.

وأدرك أنه حان الوقت للعمل من أجل نهضة المسلمين والخروج من الأوضاع السيئة المختلفة في العالم الإسلامي، ورد هجمات الاستعمار الغربي بتهيئة النفوس من الناحية الروحية، والمادية بأسلوب ذكي مرن متجنبا للعنف، وسبله الكلامية والعملية، وكان قد جمع بين التصوف السنّي وتجنب كل ما يتصل بالبدع المنكرة، والخرافات التي شاعت بين بعض الطرق، وفقه فقها مستنيرا في المذهب المالكي، والمذاهب الفقهية الأخرى دون تعصب مذهبي، وضيق بالمذاهب الأخرى، ولا بالطرق الصوفية غير طريقه، هذا التسامح جعله ينجح في عمله.

وسلك مسلك الاجتهاد في الاعتماد على الكتاب والسنة مباشرة، ومؤلفاته تدل على ذلك، وخاصة كتابه “إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن” الذي طبع في الجزائر في مطبعة رودوسي قدور بالعاصمة، ومن قرأه وتأمل في فصوله أدرك قيمة الرجل العلمية، والذي نستفيد اليوم من حركته وجوب العناية بإخواننا في إفريقيا الغربية، كما عني بها من ناحية الإسلام، واللغة العربية، والفقه المالكي، فإن إفريقيا الغربية كانت امتدادا لشمال إفريقيا في هذه الميادين، فالكتب التي تدرس في الزيتونة، والقرويين، وقسنطينة، هي ذاتها التي تدرس فيها، ولكن نرى اليوم انفصال جنوب السودان، لسد الطريق أمام انتشار الإسلام ولغة القرآن في إفريقيا، وما تزال المحاولات تجري، ويجب على الجزائر أن تحرس حدودها، فإن عين الاستعمار ما تزال ترمي بخططها واستراتيجيتها إلى هذه البلاد وغيرها من جيراننا.

وما نوصي به ليس مجرد المساعدات المادية، وإنما الاعتماد على العناصر الثقافية، ونشر اللغة العربية ببناء المدارس، وغرس الأشجار المثمرة، والمستشفيات، وربط العلاقات، وعلى العلماء غي الجزائر والمغرب وتونس أن تكون لهم صلات وثيقة بنظائرهم من علماء مالي والنيجر ونيجيريا وتشاد وغيرها، من بلدان إفريقيا الغربية والجنوبية.

ويجب على المغاربة أن يساندوا ليبيا فإنها وطن لشعب عظيم، ولابد أن نشير إلى المجاهد عمر المختار، وهو من أتباع السنوسيين العظام.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com