الدروس الخصوصية تمييع وبعد غير تربوي في منظومة تربوية
د. خالد شنون */
المتتبع لواقع التربية والتعليم في الوقت المعاصر يجد أنه من الصعب ضبط مدخلات الفعل التربوي، بل وتقنين العمل التربوي الهادف، حيث يعنى هذا الأخير بضبط كل ما من شأنه التأثير في تعليم النشء وصقل مهاراتهم وكفاءاتهم، بداية من الموارد المتاحة في المجتمع، إلى تصورات التلاميذ والأولياء حول التربية والتعليم والمؤسسة العامة منها والخاصة، بل وتقييم تعلمات النشء بما يتماشى ونظريات التربية والتعليم، إلا أن هذا يبقى بعيدا عن واقع أصبحت تشوبه التقييمات العشوائية خارج أسوار المدرسة، فتجد الجميع يتدخل ويحلل في المناهج ويبرر صعوبة المناهج والمحتويات وسهولتها، يتكلم في الاختبارات والتقديرات المحصلة لدى التلاميذ وغيرها، في حين كان يفترض ألا تتاح فرصة لتقييم تعلمات النشء في المؤسسات التعليمية إلا لأهل الاختصاص والمعلمين الذين يدركون الصف والتلميذ جيدا، ويدركون مطالب النمو بمختلف مجالاته. كل ذلك خلق جوا من اللاأمن التربوي على الأولياء والمتعلمين، وحينها تجد البعض يبحث عن فرص موازية لتعويض الفراغ وما يراه من ضعف أو تأخر قد لا يكون حقيقيا، فتجده يلجأ إلى الدروس الخصوصية في اعتقاد منه أنها حل لتطويع وتصحيح وتصويب علامات التلاميذ، إلا أنه ليس بالضرورة أن يكون هذا هو الحل، بل في أغلب الأحيان وجد أن هذا المجال مميع بشكل أو بآخر، وانعكس سلبا على آداء المتعلمين والمعلمين في المؤسسات العمومية، فتجد بوعي وغير وعي يعتقد في التلميذ أنه لا مناص له من متابعة دروس خصوصية للنجاح الدراسي، كما يؤول أي فشل إلى العكس في ذلك، وهذا بطبيعة الحال حكم ذاتي وبعيد عن الموضوعية، طالما التقييم والحكم يصدر عن أناس غير متخصصين وتبعا لذاتيتهم لا موضوعيتهم بعد الاطلاع على المناهج وعلمية التقييم، حيث يذكر أن التحصيل الدراسي وفق المقاربات الحديثة أضحى ذا أبعاد تتجاوز الرقم المحصل في الاختبار، كما أن موضوعية التقييم تنطلق من السلوك بمختلف أبعاده والتقويم هو التعليم الحقيقي المستهدف.
ويرى الباحثون في التربية والتعليم أن التربية مشروع اجتماعي تعنى به الوصاية وتقننه في شكل محطات تعلمية نظامية مقننة للنشء، تتماشى ومطالب النمو في مختلف مجالاته عبر كل مراحل ومستويات النمو لدى التلاميذ والمتعلمين، في حين أم المتتبع للواقع يجد أن هناك من يستغل شكاوى غير موضوعية لدى البعض حول كفاءة الأبناء والمتعلمين بخصوص ضعف التحصيل، فتجده يوجهه إلى ما يسمى بالدروس الخصوصية، دون وعي بشخصية المتعلم ولا ظروف تحصيله وتقويم تعلماته، فالمخطىء مثلا في بناء اختبار موضوعي قد يتسبب في خلق تصورات تضعف تقدير الذات لدى المتعلم، فما بالنا بمن يقرأ نقاط التحصيل الدراسي آليا، ويرى أن شحن ذهن ابنه بأكبر زاد من المعرفة للحاق بزملائه هو الهدف، حيث لا تحقق هذه الخطوة في أغلب الأحيان تطويعا ولا تصحيحا تعليميا كما يروج له من يميعون التربية في غير موقعها الأخلاقي.
فالتربية علم وفن، علم في كونها تقوم على نظريات وفن في تطبيقاتها داخل الصف، ولعل عملية التربية تنطلق من ضرورة إخضاع أي متغير يشغل بال المتعلم إلى المقاربات العلمية، فالتحصيل وتقييم تعلمات النشء لا يأتي من خارج أسوار المدارس، بل ممن يبني المنهاج ويعلم التلميذ وممن يفقه معنى الصعوبة والسهولة في رصد الاختبار كموقف تعلمي لا موقف للحكم على شخصية المتعلم، كما أن الدروس الخصوصية ليست بالضرورة حلا أثناء التعامل مع فئات تعاني اضطرابات التعلم أو صعوبات التعلم أو بطؤ التعلم .. والحديث في مشكلات الصف كثيرة. مما يعني أن ما يحدث بخصوص حاجة التلاميذ إلى دروس خصوصية للتدعيم هو غير مؤسس على منطق علمي ولا غاية تربوية هادفة وواضحة، بل في أغلب الأحيان تمييع ولا يرقى للعمل الجاد داخل المؤسسة التربوية النظامية، وهنا تطرح تساؤلات عديدة لماذا فئة المتفوقين من التلاميذ حافظوا على التفوق رغم أن أغلبهم لم يتلق دروسا خصوصية، وهل الدروس الخصوصية أنقذت كل التلاميذ من ظواهر الرسوب والفاقد التعلمي، مقارنة مع ما هو مطلوب من كفاءات في مراحلهم التعليمية، وهل نبحث عن الدروس الخصوصية ونحن تقليديا نقارن بين التلاميذ فيما بينهم، في حين النظرية الحديثة للقياس النفسي والتربوي ونظرية الذكاءات المتعددة، تعنى بتفريد التعلم وأن لكل تلميذ وتيرته في التعلم بما يمكنه بطريقة بسيطة تحصيل المعرفة دون الحاجة إلى هذا الإجراء المتعلق بالدروس الخصوصية، كلها أسئلة تتطلب وقفة وتقنينا لمشروع التربية العملاق الذي لا ينجح إلا بالمؤسسة العمومية في إطار مشروع المجتمع.