رمضانيات

موازين هاديــــــــة!!!

أ.د: عبد الحليم قابة/

 

من كان متيقنا من عقائده وتصوراته وقناعاته وأفكاره؛ فليحمد الله من أعماق قلبه على طمأنينة اليقين وسكينته. غير أنه لابد له من ثلاثة أمور:
1- أن يتأكد من أن يقينه مبني على ما يفيد اليقين، من أدلة وبراهين، أو فطرة صافية، أو هداية ربانية {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا}، {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَاب}.
2- وأن يستعيذ بالله – مع ذلك – من أن يكون يقينه مبنيا على أوهام وخرافات وأباطيل، كيقين الوثنيين بوثنيتهم، والنصارى بتثليثهم، وبعض الطوائف بمخالفاتهم لجمهور الأمة وإجماع علمائها. وبعض ضعاف العقول ممن لا يفرق بين الوهم واليقين، ولا بين الدليل والتعليل، ولا بين الاجتهاد والتنزيل {وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُون}، {لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِين}
3- وأن يحذر – ثالثا – من أن يكون ممن ضلَّ (أي انحرف) سعيُه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعا، لكونه من الصنف الثاني مثلا، أو ممن حلّ بهم الاستدراج الرباني لسبب أو لآخر، {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُون} والعياذ بالله.
* أما من كان شاكا في عقيدته ومزعزعا في قناعاته، ومشوشا في تصوّراته؛ فليستعجل بالبحث على الحق المبين، بأدلة اليقين، وبالحجج والبراهين؛ لأنه شاكٌّ متردّد، والإيمان لا اعتبار به مع الشك والتردد {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}.
* أما من كان حيرانَ فقط، بسبب تضارب الأفكار على مسامعه، وخفاء الحقائق، وتشوّش الرؤية، واختلاف المناهج، وتنوع الفتن، (فتن تدع الحليم حيران) مع طمأنينة الإيمان بإجمال، ومبدإ التسليم لله العزيز العليم؛ فليسأل الله أن يزيل حيرته، وأن ينوّر بصيرته، وأن لا يَكِله إلى نفسه طرفة عين ولا إلى أحد من خلقه، وأن يهديه سواء السبيل {فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم}.
– ولا ينبغي أن يخفى أن الصنف الأول (وهو الذي بنى يقينه على أدلة العلم واليقين) صنفٌ ناجٍ ومهتدٍ دون أدنى ريب، ولا أدنى تردد.
– وأن الصنف الثاني (الذي بنى يقينه على أوهام وأباطيل) صنفٌ هالكٌ وضالٌّ دون أي أدنى ريب ولا أدنى تردد، إلا عند من لا يفرق بين الكعب والمرفق. {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُون}.
– وأن الصنف الثالث (الذي لم تزل حيرته، ولم تتضح رؤيته) صنفٌ معذور مأجور، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه قد يكون حليما. بل إنه أحسن حالا دون ريب من الذي بنى يقينه على ما لا يفيد اليقين من الأوهام والخزعبلات، وليس أحسن حال – قطعا – من الذي بنى إيمانه على ما يُفيد اليقين، وبنى مواقفه على اليقين أو على غلبة الظن المعتبرة شرعا.
وهذا شأنه أن تُبين له الحقائق وتُقام عليه الحجة، ويُتأكد من سلامة موازينه، و نطمئن إلى غياب الموانع، ثم يتضح أمره – بعد ذلك – ويتبين حكمه بناء على ذلك {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}.
أما وضعُ الناس جميعا في سلة واحدة – إيجابا أو سلبا، كما يفعل المُتنطّعون من العلمانيين أو المتشدّدين- فهو ظلمٌ وجور، وجهل بموازين الشرع الحنيف، واعتداء على التصنيف الرباني للناس {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير}.
والمفروض أن يتجنب المسلم هذا الجهل وهذا الظلم، وأن يبرأ إلى الله من عقابيله، ويتقرب إلى الله بيقينه وطمأنينة نفسه، وبالتسليم للّه في قسمته الربانية، وبالتماس العذر للمجتهدين، وغيرهم من الحيارى، والضعفاء، والغافلين. ولا يُدين إلا الخونة والمتآمرين، والجهلة المعاندين، والأدعياء المغرورين، والأعداء المتربّصين. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com