رمضانيات

فضائـل التكليف بصوم شهـر رمضــان4

أ. خير الدين هني/

 

ومن فضائل رمضان أيضا، أن يشفع الصيام للعبد يوم القيامة، فعن عبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «الصِّيامُ والقرآنُ يشفَعانِ للعبدِ يومَ القيامةِ يقولُ الصِّيامُ: أي ربِّ منعتُهُ الطَّعامَ والشَّهواتِ بالنَّهارِ، فشفِّعني فيهِ ويقولُ القرآنُ: منعتُهُ النَّومَ باللَّيلِ فشفِّعني فيهِ قالَ فَيشفَّعانِ»، (الترغيب والترهيب)، وللصائم مقام كريم عند الله تعالى ومنزلة رفيعة، فله دعوة مستجابة إن خلص فيها النية والقصد، ففي مسند أحمد عن أبِي هريرَةَ أن رسول الله، قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ»، اللهم اجعلنا منهم، ولا عمل يقرب من أعمال الصديقين والشهداء إلا صوم رمضان، فعن عمْرِو بنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: «جاء رجلٌ من قُضاعَةَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إن شَهِدتُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنك رسولُ اللهِ وصلَّيتُ الصلواتِ الخمسَ وصُمتُ شهرَ رمضانَ وقُمتُه وآتَيتُ الزَّكاةَ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن مات على هذا كان منَ الصِّدِّيقِينَ والشُّهَداءِ»، (مختصر البزار).
ويختص الله تعالى برحمته فيعتق في شهر رمضان من يشاء من عباده المخلصين، (اللهم اجعلنا منهم)، واختص سبحانه وتعالى الصوم بنفسه، لأنه يعلم حقيقة الصائم في السرّ والخفاء، لذلك كان هو الذي يجازي به، ومن فضائل هذا الشهر التي لا تنتهي، أن جعلت العمرة في شهر رمضان كحجة نافلة واحدة، ويعتبر خلوف فم الصائم عند الله تعالى أطيب من رائحة المسك.
تلكم هي الفوائد الكثيرة التي ينالها الصائم يوم القيامة، حينما تكون الحسنة الواحدة لا تعدلها أموال الدنيا كلها، لأن تلك الحسنة –يومئذ- قد ترجّح كفة الحسنات عن كفة السيئات، وبذلك ينجو المسلم الصائم من عذاب النار إن تساوت حسناته مع سيئاته، فتصبح الحسنة الواحدة هي الفاصلة بين الدخول إلى النار أو إلى الجنة، ومما يناله الصائم في الدنيا من الفوائد الروحية، أن يكون لفريضة الصوم أثر كبير على تهذيب سلوكه وأخلاقه وتعامله مع الناس، لأن العبادة أيّ عبادة إنما فرضها الله تعالى على عباده المؤمنين ليزدادوا تقى وبرّا وصلاحا، فالعبادات كلها لها منافع أخروية يعرفها جميع الناس، ولها فوائد دنيوية يجهلها الكثير من الناس أو ينسونها عند المعاملات مع أفراد الأسرة أو العائلة أو الجيران أو في الوسط الاجتماعي الذي يتحركون فيه.
فقيمة العبادة الحقيقية التي يقصد بها وجه الله تعالى، هي التي تؤثر في عقل المؤمن وقلبه ووجدانه وسلوكه، فيظهر أثر العبادة في جميع معاملاته وتصرفاته وأقواله وأفعاله، فلا يصخب ولا يصرخ ولا يرفع صوته في بيته أو في الشارع أو في الأماكن العمومية من غير ضرورة، ولا يتفحّش ولا يتبذّأ بكلام قبيح يزعج الناس ويأذيهم في نفوسهم وهم مع أهليهم، مما يؤدي إلى المنازعات والخصومات، ولا يسب ولا يشتم ولا يغتاب ولا يسعى بالنميمة وسوء القالة بين الناس، لقوله تعالى: «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ» (العنكبوت: 45).
فعبادة الصلاة تجعل المؤمن وهو مواظب على أدائها، في صلة دائمة بينه وبين ربه، والله يعلم سر الإنسان وعلانيته إن كان مخلصا في عبادته أم مرائيا، فإن أخلص في العبادة لله وحده فستحمله الصلاة على ترك الفواحش والمنكرات، وجاء في الحديث من رواية عمران، وابن عباس مرفوعا، «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم تزده من الله إلا بعدا». وهكذا يكون للصلاة أثرها، وللزكاة والصدقة أثرهما وللحج أثره، وللصيام أثره العظيم لما فيه من شعور عام، من ألم الجوع والعطش والإسراع إلى الإنابة والتوبة والاجتماع في المساجد لصلاة التراويح في جماعة، فكل ذلك يشكل مظهرا من المظاهر الروحانية التي تضفي على الحياة الاجتماعية أجواء بهيجة تسودها الأريحية والسكينة والوقار، من هذا التقارب في المشاعر وألم الجوع وفرحة الإفطار، وكذلك مما أنزل الله من شآبيب رحمته وعفوه وتعطّفه عليهم، بأن ألّف بين قلوبهم وجعلهم أمة مرحومة واحدة، بالتآلف والتآزر والتراحم والوئام الذي يسود الجميع، فإذا شعر الصائم بهذه الروحانية وراقب غرائز العدوان في ذاته وهذّب سلوكه وحسّ أخلاقه، كان من الصائمين حقا ونال أجر الدنيا وثواب الآخرة.
ولكي يكون الصيام كاملا غير منقوص الشروط، ألا يقضي الصائم سائر يومه أو أكثره في التسكع أو في النوم والتكاسل، وبعض الشباب يقضون الليل في السهر واللعب بالملهيات التي يكون في بعضها شبهة دينية، ويظلون طوال النهار في نوم عميق ولا ينهضون إلا عند الإطار أو قريب منه، وهذا الصيام مما لايرضاه الله ولا يحبه، والأجر فيه غير كامل إلا بما تقتضيه نية الصيام فقط، فالسلف الصالح كانوا يجتهدون في طلب الجهاد والرباط والارتحال لطلب العلم والرزق في شهر رمضان، وكم من معركة حاسمة وغزة كبير وقعت في شهر رمضان، والمسلم مدعو إلى الالتزام بتعاليم القرآن الكريم وهدي النبوة وعمل السلف والصالحين من هذه الأمة المرحومة بإيمانها وعبادتها والتزامها.
يتبع

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com