فــي رحلة باديسية عبر الزمن في قسنطينة القديمة: جمعية العلماء تستنطق آثار بن باديس في معاقله العلمية
اختارت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، بتنسيق مع مكتبها بقسنطينة، السادس عشر من أفريل، لتقوم بسياحة تاريخية وفكرية إلى معقل الإمام عبد الحميد بن باديس، وتحسيس السلطات العمومية بواجب صيانة الذاكرة والحفاظ على المعالم الماديّة لميراث المصلح الكبير.
وحطت قيادة الجمعية الرحال هناك بأبرز وجوهها، من الرئيس عبد الرزاق قسوم ومحمد مكركب والهادي الحسني، إلى محمد دراجي ومصطفى بن عبد الرحمان ويوسف بوغابة وعبد العزيز بن السايب وحسن خليفة وغيرهم.
وكانت البداية مباشرة بعد ظهر السبت، بالجامع الكبير، بوسط المدينة، أحد أقدم المساجد الشامخة في المغرب العربي، وهو الجامع الذي شهد تقدم الطفل عبد الحميد بن باديس، بعد أن بلغ الثالثة عشر من العمر، ليؤم الناس في صلاة التراويح على مدار ثلاث سنوات كاملة، كما قال الشيخ عبد العزيز ثابت، قبل أن يسافر للدراسة في جامع الزيتونة بتونس.
وعدّد الشيخ عبد العزيز بعض العلماء الذين مروا عبر هذا الجامع، التحفة المعمارية، ومنهم مفتي قسنطينة الشيخ مرزوق، وذكّر بإحدى طرق الاستعمار لإطفاء نور بن باديس القادم بغنيمة العلم من سفريته إلى المشرق والحجاز، عندما قطعت فرنسا عن الجامع الأضواء، حتى يعجز بن باديس عن إيصال نور العلم، فصار الطلبة يحضرون إلى الجامع وهم يحملون الشموع طلبا لمعارف الشيخ بن باديس، ومازال هذا الجامع الذي بُني في سنة 1136م، حسب ما هو مدوّن في محرابه، يمتلئ عن آخره في كل صلاة.
وتنقل وفد جمعية العلماء في المحطة الثانية مشيا على الأقدام إلى معهد بن باديس في ساحة البطحة، حيث تحرّك حنين الطفولة في الشيخ عبد الرزاق قسوم، للحديث عن تتلمذه في هذا المعهد الباديسي، ونهله من مختلف العلوم في زمن عبد اللطيف سلطاني والعربي التبسي، واعترف بأن المعهد هو ما أنقذ التلاميذ من سباتهم ومن السذاجة التي كانوا يعيشون فيها.
وللأسف، فإن المعهد عرف في فترة الاستقلال أياما سوداء، بعد أن تم تحويله إلى سكن لمنكوبي إنزلاق التربة في عوينة الفول، وعندما أجريت عليه ترميمات متعددة كان آخرها تزامنا مع احتضان قسنطينة تظاهرة عاصمة الثقافة، كان قد فقد الكثير من كنوزه.
وتواصلت جولة “الاستنطاق” من رجالات جمعية العلماء في المدينة القديمة من مقهى القفلة أو النجمة، حيث جلس هناك البشير الابراهيمي وأحمد حماني ومالك بن نبي، إلى مسجد عائلة بن باديس سيد قموش، مرورا بمدرسة التربية والتعليم ومطبعة الشهاب وجامع الأخضر معقل الشيخ بن باديس الفكر والنضالي، الذي هو حاليا في حالة تُبكي حجره، قبل قلوب محبي العالم الجليل بن باديس.
وفي 2015 أعلنت وزيرة الثقافة في تلك الحقبة بأن كل المدارس والجوامع التي بعث فيها الشيخ بن باديس نهضته سيتم ترميمها وتحويلها إلى متاحف، بالاستعانة بالخبرة الإيطالية، لكن سبع سنوات مرت على فتح ورشات ترميم مطبعة الشهاب التي كانت تنير الناس بمقالات الشيخ وعلماء الجمعية، بينما يدرك كل زائر بأن مشروع الترميم كان وسيلة لنهب المال العام، قبل أن يتم الاستنجاد منذ شهرين، بشركة خاصة متطوعة من أجل تراث رائد النهضة الفكرية.
نقلا عن الشروق أون لاين