أمة العلم والصوم والإخاء هي بحق أمة النية والإخلاص والوفاء
أ. محمد مكركب/
الأمة الإسلامية أمة العلم والحكمة والعرفان، ومِنْ ثَمَّ فَهِيَ أمة الجهاد والإعداد والدعوة إلى الله والإصلاح. فالعبادة بالعلم، والعمران بالعلم، والسياسة بالعلم، وكل تقدم ونجاح في الدين أو في الدنيا فهو بالعلم. والأمم الناجحة هي الأمم التي اهتمت بالتربية والتعليم، وما كانت لتحدث حروب بين الشعوب لو تعلم الأمراء علم الدين والدنيا، وكان هدفهم السلم والسلام.
إن أمة الصلاة والصيام، والزكاة والقيام، هي أمة اقرأ وابحث وتعلم،هي أمة القرآن، والعلم المطلوب ليس علم العبادات فحسب، وإنما الدين شامل لكل متطلبات الحياة، العلم المطلوب في مجال الإيمان، والعبادات، وكل التكاليف، وفي علم العمران وكل مجالات الضروريات والحاجيات والتحسينات.
فما هو قوام العلم المطلوب؟ أو قل: كيف تتحقق النهضة العلمية الشاملة؟؟ والجواب على هذا السؤال هو الأهم في حياة الشعوب الإسلامية.
1 ـ وجود الأمراء العالمين الْمُخلِصين الذين يتولون مناصب القيادة لخدمة الدين وخدمة المؤمنين، ويكون هدفهم تعليم الأمة، وليس امتلاك أموال الأمة، والأمراء العالمون العاملون الذين يبنون نهضة عليمة هم الذين يعيشون كما كان الخليفة أبوبكر مع رعيته رضي الله عنه، يأكل مما يأكلون، ويلبس كما يلبسون، ويعيشونكما تعيش شعوبهم. وكما كان عمر وغيره رضي الله عنهم. وفي الحديث:[فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ»، قَالَ السائل: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: «إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ] (البخاري:59) ومن الأمانة تعليم الرعية العلم الصالح. كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى، رضي الله عنه، إلى عدي بن عدي، قال له: {إن للإيمان فرائض، وشرائع، وحدودا، وسُنَنًا، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، فإن أعش فسأبينها لكم حتى تعملوا بها، وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص} (البخاري، كتاب الإيمان. باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: [بني الإسلام على خمس].
2 ـ العلماء الربانيون الذين تعلموا الكتاب عن فقه كامل، وعَمِلُوا بما عَلِمُوا،ويُعَلِّمُون الناس، ويَعْلَمُون بأن تعليم الناس إحياؤهم، وعدم تعليمهم إماتتهم، العالم الرباني كالغيث يسقي ويحيي العقول بالعلم، قفلت العالم الرباني، وليس عالم الأجرة والشهرة.{والأرضُ تحيا إذا ما عاشَ عالمِها … متى يمُتْ عالمٌ منها يمتْ طَرَفُ.كالأرض تحيا إذا ما الغيثُ حلَّ بها … وإن أبى عادَ في أكنافها التَّلَفُ.}
3 ـ الطلبة المطيعون، وهم كل أفراد الرعية الذين لايعلمون، فأمة العلم يجب أن يكون كل فرد فيها طالب علم، يتعلم ليعمل عن علم، يجب أن يُقْبِلوا على العلم بحب وقابلية واستعداد. فما أجمل أن تفتح أبواب الجامعات مساء لكل الناس يتلقون العلم، وما أجمل أن يتطوع أساتذة جامعيون يعلمون الناس إخلاصا لله تعالى. أمة الصيام والقيام والتراويح والقرآن، يجب أن تكون أمة الصنائع والحرف والعمران، إن رمزية الصوم في ترك الطعام والشراب والجماع، ترمز إلى الارتقاء نحو الآخرة والتغلب على شهوات الدنيا بأن لا تنسينا الهدف الذي خلقنا الله تعالى من أجله، وهذا الارتقاء والسمو لايتحقق إلا بالعلم.
4ـ الجنود المرابطون الذين نذروا أنفسهم لله تعالى عن حب ونية وإخلاص، ومن فضل الحراسة والمرابط في السبيل الله، ورد في الحديث. عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.] (الترمذي: 1639)عن أبي هريرة، قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: [مَا يَعْدِلُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: «لَا تَسْتَطِيعُونَهُ»، قَالَ: فَأَعَادُوا عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: «لَا تَسْتَطِيعُونَهُ»، وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللهِ، لَا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ، وَلَا صَلَاةٍ، حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى] (مسلم:1878)
5 والعمال الْمُجِدُّون الذين يغرسون ويبنون ويشيدون،. والعمال المنتجون لايقلون قدرا ومكانة عن الجنود المجاهدين، إذ أن الجهاد بالمال والنفس.
6 ـ والأغنياء الزاهدون المحسنون، الذين يسيرون على نهج عثمان بن عفان في الإنفاق، لينفقوا أموالهم في مشاريع الخير للأمة.
وعلى العلماء والأمراء والمحسنين المنفقين في كل مشاريع الخير، علينا جميعا أن نقرأ هذا ونعتبر. حديث التحذير من الرياء.
إن أمة العلم والتعليم والتكافل والجهاد والتعمير، هي أمة النية والإخلاص. وقل ألف مرة بأن النية والإخلاص والصدق والوفاء هي أمهات الأخلاق والقيم والمبادئ. ليس في رمضان فقط وإنما في كل تربيتنا ودعوتنا وقراءتنا وعبادتنا لربنا تبارك وتعالى. والله لو فهمنا هذا الخبر التحذيري الخطير، وعملنا بدلالاته ومقاصد توجيهاته لكنا أسعد الناس مع نفوسنا وأولادنا وأمتنا. ماهو هذا الخبر، هو ما ورد في هذا الحديث، حديث تحريم {الرياء} فَلْنَتْرُكِ الرِّيَّاءَ، ونُقِمْ أعمالنا على النية والإخلاص والوفاء. وتعالوا لنقرأ ونتدبر، ولنفقه الحديث ونعتبر.
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ لَهُ نَاتِلُ أَهْلِ الشَّامِ: أَيُّهَا الشَّيْخُ، حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ] (مسلم، كتاب الإمارة. رقم:1905. النسائي:3137. أحمد:8277)، هذا حديث عظيم، ثم عظيم.
قال محمد فؤاد عبد الباقي:
{(ناتل أهل الشام) وفي الرواية الأخرى فقال له ناتل الشامي وهو ناتل بن قيس الحزامي الشامي من أهل فلسطين وهو تابعي وكان أبوه صحابيا وكان ناتل كبير قومه.(قوله صلى الله عليه وسلم في الغازي والعالم والجواد وعقابهم على فعلهم ذلك لغير الله وإدخالهم النار – دليل على تغليظ تحريم الرياء وشدة عقوبته وعلى الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال كما قال الله تعالى {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} وفيه أن العمومات الواردة في فضل الجهاد إنما هي لمن أراد الله تعالى بذلك مخلصا وكذلك الثناء على العلماء وعلى المنفقين في وجوه الخيرات كله محمول على من فعل ذلك لله تعالى مخلصا)}