حـــوار قصيـــر مع الخطـــاط الـمهنـــدس محمــد الأميـن بن موســى :
*في إمكاننا أن نرتقي بخطوط أبنائنا وبناتنا عبـر مجموعة آليات تربوية ـ تعليمية *أمنيــتي أن أكتب المصحف الشريف برواية ورْش عن نافع
أجرى الحوار: أ.حسـن خليفة/
الأقوال الجميلة المعبّرة عن «الخط العربي» كثيـرة وسيعة، دالّة منها «الخط نزهة العيون وريحانة القلوب» و«الخط لسان اليد» .وقد أشاد بالخط العربي كتاب ومؤرخون كبار من الشرق والغرب، كما أن عناية المسلمين من غير العرب، وبراعتهم فيه ، كأهل إيران وباكستان وافغانستان وسواها من الدول المسلمة برهان على جمال وتفرّد هذا الخط النبيل الجميل. وعندما نأتي إلى واقعنا المعيش نلحظ ذلك التدهور الخطير في خطوط أبنائنا من التلاميذ في المؤسسات التربوية والتعليمية ، وفي الجامعات والمراكز التعليمية العليـا ..وهو شيء يستوقف كل مهتم ومتابع ؛ حيث ما يزال هذا التدهور يتضخم فترة بعد أخرى، حتى صارت خطوط(كتابة) الأكثرية شيئا غريبا عجيبا لا يُفهم، ولا يُقرأ، ويجد الأساتذة والأستاذات ، في كل المواد ، الكثير من العناء والعنت في فكّ حروفهم وإجاباتهم التي تشبه الطلاسم ..ولا ريب أن هذا الأمر يحتاج منّا جميعا إلى اهتمام وتفكّر واجتهاد ..وفي هذا السياق كان لنا لقاء مع المهندس/ الخطاط المبدع محمد الأمين بن موسى ..وكانت ثمرته هذا الحوار الذي يندرج ضمن اهتمامنا ببناء العالم الثقافي الجمالي للإنسان الجزائري، والتعريف بالكوادر والكفاءات والمواهب في كل المجالات…وإلى الحوار
نودّ أن تقدموا للقاريء الكررريم بطاقة تعريف موجزة..من هومحمد الأمين بن موسى ؟
– محمد الامين بن موسى… من مواليد مدينة قسنطينة في السادس من ماي من عام 1976 مهندس معماري معتمد ومتحصل على شهادة الدراسات الجامعية التطبيقية في الاعلام الآلي…عاشق للحرف العربي، أوفلنقل للحرف القرٱني الجميل البديع، شغوف بالخط العربي… أعمل حاليا بقطاع الخدمات الجامعية موظفا بمصلحة الإيواء بالإقامة الجامعية محمود منتوري.
ما هي قصة «اهتمامك» وحبك للخط العربي كيف بدأت ؟
-شغفي بالخط العربي بدأ منذ الطفولة.. إذ أني كنت مولعا بالنظر والتمعّن بحبّ، والإعجاب بلوحات عمالقة هذا المضمار الجميل (الخط العربي)، وكانت تشدني وتستوقفني إبداعاتهم… وكنت أحاول أن أحاكيها.. لكنها كانت مجرد موهبة وكان لا بد من صقلها بالقواعد ودراسة الخط وفق ضوابطه وقواعده.. فالخط علم له أصوله وقواعده.
درست الهندسة المعمارية وتخرجت من الجامعة… وبعد العمل في مجال الهندسة لمدة 10سنوات قررت أن ادرس الخط وانمي قدراتي وأطور مواهبي…
ولا أنكـر أن دراسة الهندسة ساعدتني كثيرا في تطوير موهبتي إذ ان الخط هندسة روحانية كما يقول كبيرالخطاطين ياقوت المستعصمي.
وكيف تطورت وأين وصلت ؟
-عشقت خط النسخ وهوالخط الذي تكتب به المصاحف وتنسخ… وازداد شغفي وحبي له… تعرفت على عدة نساخين ممتازين جزائريين وغير جزائريين واحتككت بهم… مثل الاستاذ الخطاط العالمي عبد الرحيم مولاي ـوكذا الخطاط القدير امحمد صفارباتي لأنهل من خبراتهم؛ إذا ان لهم قدما راسخة في الخط العربي.
وللعلــم أنا أتمرّن وأتدرّبُ كل يوم في هذا النوع من الخطوط بالذات… بالرغم من أنني أتقن خطي الرقعة والديواني بنسب متفاوتة… إلا أن الخط المحبب الى قلبي هوخط النسخ.
هل لديك مشروع ما في الخط ؟ مثل : كتب سندات تعليم الخط العربي ، كتب تدريبية…الخ
-في مدينتي قسنطينة شاركت في معارض كثيرة للخط العربي كما شاركت في ورشات وطنية الخط العربي بولاية المدية وبسكرة وغيرها من المدن التي تعنى بالخط العربي… اقمت ورشة لتعليم الخط العربي بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين فرع الشيخ أحمد الرفاعي شرفي بحي الدقسي.. شهدت الورشة إقبالا كبيرا، واكتشفنا مواهب دفينة وطاقات رهيبة تحتاج الى من يأخذ بيدها… لكن بسبب الجائحة توقفت الورشة على أمل العودة بعد أن يُرفـع الوباء ان شاء الله.
وهل فكرتَ في خط/كتابة كتاب الله تبارك وتعالى ، طالما أنك بهذه الموهبة وبقدرات محترمة؟
-تلك أمنيتي، وأمنية كل خطاط أن ينال شرف خط المصحف الشريف.. خصوصا أن القرآن الكريم يكتب بخط النسخ فهومطيته… اقتنيت كل الوسائل من أحبار وأقلام وورق، وبدأت في كتابة جزء عم… لكن الصوارف والعوائق كثيرة والالتزامات أكثر من الأوقات… أمنيتي ان تتهيأ لي الأسباب وأسير على درب الخطاطين الكبار الذين نالوا هذا الشرف وأخط المصحف برواية ورش عن نافع…
ثمّة اجماع على رداءة الخط لدى تلامذتنا وطلابنا…هل لديك اقتراح في هذا المجال؟
-أرى ان تدرج مادة الخط العربي كمادة أساسية في البرنامج الدراسي في كل الأطوار التعليمية … بهذا الصنيع يمكننا أن نُحسّــن من خط أبنائنا التلاميذوالتلميذات .. فالخط الحسن يزيد الحق وضوحا. والكلام في هذا الأمر وأهميته طويل وعريض،وينبغي أن نعمل على تحقيق هذا الهدف: تحسين الخط، فالوسائل متاحة، والإمكانات متوفرة، فقط تبقى الإرادة والتخطيط لهذا الأمر التربوي الجليل.
هل هناك علاقة بين الهندسة والخط (والـفنون عامة)…أوضـح لنا ذلك من فضلك.
– يقول قبلة الخطاطين ياقوت المستعصمي: «الخط هندسة روحانية ظهرت بآلة جسمانية تقوى بالإدمان وتضعف بالإهمال..».
أما عن العلاقة فهناك، بالطبع، علاقة وطيدة بين الهندسة والخط العربي إذ إن الحرف العربي يكتب وفق أبعاد ومقاسات مخصوصة، وأي إخلال بهذه المقاسات لا يعطي حرفا ناضجا وأنيقا… هذه الأبعاد لا يمكن وصفها إلا بهندسة الحرف العربي.
وهل لديك ما تقترحه بخصوص تحسين وتطوير ما يتعلق بالخط العربي في مدارسنا…
-أتصور أن ذلك يمكن، عبر الخطوات التالية:
– إدراج مادة الخط العربي كمادة أساسية؛
– إقامة الورشات الوطنية على مستوى المدارس والمؤسسات التربوية، وأيضا على مستوى دور الشباب ودور الثقافة الخ؛
– إطلاق المسابقات التشجيعية على كثير من المستويات مع استهداف التلاميذ والطلبة؛
– إدراج وظيفة «خطاط» في سلك الوظيف من شأنه ان ينهض بالخط العربي ويزيد من اهتمام الناس به… لأن عدم الاهتمام بالخط العربي يفتر عزيمة الخطاط وهمته وتتلاشى قواه ويضعف، وينزوي، ويخسـر هذا الفـن، كما تخسر الثقافة رجالا ونساء لديهم مواهب وقدرات وإمكانات جمالية رائعة.
كلمة أخيرة
-أشكركم على هذه الفرصة التي أتحتموها لي، عبر هذا الحوار المفيد إن شاء الله تعالى
وآمل بالفعل أن يتحقق الاهتمام ويتعزز بالخط العربي كميراث جمالي، وكوسيلة إصلاح تربوي وتعليمي، وكجزء من ثقافتنا الفنية الرائعة. وعندما نرى اهتمام الأجانب بالخط العربي، وبالفنون الإسلامية عموما نخجل من أنفســنا ومن إهمالنا.