فتاوى

الفتوى رقم:247/ محمد مكركب

الموضوع: الشفاعة يوم القيامة حقيقة لمن ارتضى الرب الرحمن الرحيم.

قال السائل: ما هي حقيقة الشفاعة؟ وهل الشفاعة خاصة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ أم يوجد شافع غيره صلى الله عليه وسلم؟ وهل يجوز أن يطلب المؤمن الشفاعة ولو لم يظهر له أنه مذنب؟ وهل هناك شفاعة دنيوية؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.

أولا: ما معنى الشفاعة؟ يقال: شَفَعَ الوَتْرَ مِنَ العَدَدِ شَفْعاً: صيَّره زَوْجاً. ويقال: آدمُ شُفِعَ بزَوْجَتِه. والشافع يطلق على من كان وحيدا وانضم إليه ثان فصار شفعا، فالشفيع،  يصير مع صاحب الحاجة شفعا لتتحقق مصلحته بم استشفعه. ويطلق على الثاني الذي انضم إلى الأول. فيقال: شاة شافع. فالشاة الشافع: التي معها ولدها، سميت شافعا لأن ولدها شفعها وشفعته هي فصارا شفعا. وكأن الذي يشفع لغيره يطلب من الذي له سلطان على المنفرد المحتاج بأن يكون معه شفعا لجاهه ومكانته عند المشفِّع، فالشفاعة إذن هي: كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره. وشفع إليه: في معنى طلب إليه. والشافع: الطالب لغيره يتشفع به إلى المطلوب. يقال: تشفعت بفلان إلى فلان فشفعني فيه، واسم الطالب شفيع، وشافع، ومشفَّع. وفي اللسان:[والشفاعة هِيَ السُّؤالُ فِي التَّجاوُزِ عَنِ الذُّنُوبِ. والمُشَفِّعُ: الَّذِي يَقْبَل الشَّفَاعَةَ، والمُشَفَّعُ : الَّذِي تُقْبَلُ شَفاعَتُه]. وهي حقيقة معلومة، معمول بها في الدنيا، وتكون في الآخرة ليتجاوز الله تعالى عن ذنوب المؤمنين. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.

قال الله تعالى:﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾ قال القرطبي: [وَتَقَرَّرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ يَأْذَنُ لِمَنْ يَشَاءُ فِي الشَّفَاعَةِ، وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْعُلَمَاءُ وَالْمُجَاهِدُونَ وَالْمَلَائِكَةُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ أَكْرَمَهُمْ وَشَرَّفَهُمُ اللَّهُ، ثُمَّ لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ وَالصَّالِحِينَ يَشْفَعُونَ فِيمَنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى النَّارِ وَهُوَ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ، أَوْ وَصَلَ وَلَكِنْ لَهُ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ].

قال الله تعالى:﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ قال ابن عباس: هم أهل شهادة أن لا إله إلا الله. وقال مجاهد: هم كل من رضي الله عنه، والملائكة يشفعون غدا في الآخرة، وفي الدنيا أيضا، فإنهم يستغفرون للمؤمنين ولمن في الأرض. هكذا يعلم السائل أنه يوجد غير النبي صلى الله عليه وسلم من يشفع للمؤمنين. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.

ثانيا: الشفاعة الدنيوية في الحقوق المادية والمعنوية. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه السائل أو طُلِبت إليه حاجةٌ قال: [اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما شاء](البخاري.كتاب الزكاة.1432) ومعنى (اشفعوا)  توسلوا في قضاء حاجة من طلب أو سأل، خاصة إذا كان ضعيفا الجانب، فقيرا، فالشفاعة هنا على التحقيق هي إظهار لمنزلة الشفيع عند المشفِّع وإيصال المنفعة إلى المشفوع له أو كان غريبا عن بلده. ومعنى (تؤجروا) أي: يكن لكم مثل أجر قضاء حاجته. قال الله تعالى: ﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها﴾.

 ثالثا: ويجوز للمؤمن طلب الشفاعة. وللحرص على نيلها حث النبي صلى الله عليه وسلم على فعل أسباب بلوغها. فعن عبد الله بن عمرو بن العاص، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة](مسلم.كتاب الصلاة.384). والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.

رابعا: والشفاعة جائزة كما علمت من الحديث السابق، في المسائل الدنيوية لقضاء حاجات الناس بل هي مستحبة، وفيها أجر كبير، ولكنها لا تجوز في الباطل بل محرمة، لا تجوز في الحدود، ولا في تبرير ظالم، ولا في رشوة، ولا تجوز الشفاعة في تزكية ضعيف ليتولى منصبا فوق مستواه ولا تجوز الشفاعة لمن لا يستحق على حساب من يستحق. فلما سرقت المرأة المخزومية كلم أسامة رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم،فقال له:[ أتشفع في حد من حدود الله؟] (مسلم.كتاب الحدود.1688) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.

خامسا: وللنبي صلى الله عليه وسلم شفاعتان خاصتان به. الدعوة الخاصة التي اختبأها لأمته ليوم القيامة. كما ورد في الحديث[ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُوهَا، فَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ] (مسلم. كتاب الإيمان.179) وشفاعة التخفيف. في حديث: [أنا سيد الناس يوم القيامة] (البخاري: 4712) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com