في رحاب الشريعة

مفاتيح قوة الإعداد في شهر الصيام والتضامن والجهاد

أ. محمد مكركب/

 

 

المؤمن في رمضان وفي غير رمضان في حاجة إلى قوة معنوية وقوة مادية، ليستطيع أداء كل الواجبات التعبدية، والواجبات المعاملاتية، وفي السُّنَّة الدعوةُ إلى الحرص على ما ينفع ويرفع.فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ] (مسلم:2664)قال محمد فؤاد عبد الباقي:{ في شرح الحديث: (المؤمن القوي خير) والمراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداما على العدو في الجهاد، وأسرع خروجا إليه، وذهابا في طلبه، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في كل ذلك، واحتمال المشاق في ذات الله تعالى، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات، وأنشط طلبا لها ومحافظة عليها ونحو ذلك (وفي كل خير) معناه في كل من القوي والضعيف خير لاشتراكهما في الإيمان مع ما يأتي به الضعيف من العبادات (احرص على ما ينفعك) معناه احرص على طاعة الله تعالى والرغبة فيما عنده واطلب الإعانة من الله تعالى على ذلك ولا تعجز ولا تكسل عن طلب الطاعة ولا عن طلب الإعانة}. ولعل المؤمن يسأل ما هي مفاتيح القوة للقيام بالإعداد الواجب؟
المفتاح الأول: هو العلم والحكمة: إن مفتاح امتلاك القوة للإعداد أيها الصائمون والصائمات، وياطالب العلم والمشاريع والمبادرات. المفتاح الأول هو العلم، والحكمة، والفهم، فمن يفهم البدايات يسعد في النهايات، وبالعلم والحكمة تتحقق المقاصد والغايات، وتُثْمِرُ أطيب الثمرات.فكل من درس وتعلم كيف يؤدي العبادة، كشعيرة دينية، أو درس كيف يؤدي العمل وظيفي، أو الواجب العائلي، أو طلب العلم في كل التخصصات، يكون مفتاح امتلاك القوة والقدرة على النشاط والحيوية وقوة القابلية، فالمقصود بمفتاح العلم في هذا الموضوع هو: فقه طريقة العمل في أداء الواجب. قال الله تعالى: ﴿فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ (النحل:43)فقول الله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ أي فاسألواالعلماء الذين لهم علم بالكتب السابقة، وكان ذلك وقت بداية الدعوة، وأما بعد تمام نزول القرآن، فأهل الذكر هم أهل العلم الذين لهم العلم بالقرآن والسنة والإجماع، والمدارس الفقهية.﴿إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ فاسألوا إن كنتم لاتعلمون نبأ الأولين، وشككتم هل بعث الله رجالا رسلا؟ فاسألوا أهل العلم، لتتعلموا، فإذا تعلمتم وفَقِهْتُم أقبلتم على العمل بما شرع الله تعالى لكم. فكلما تعلم الإنسان كلما تفتحت أمامه الآفاق وسَهُلَ عليه العمل، وأقبل على شكر الله بالعمل والانتاج. قال الله تعالى: ﴿وَاَللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾ (النحل: 78)
قال أحمد مصطفى المراغي في تفسير هذه الآية:{ذكر الله سبحانه مِنَنَهُ على عباده بإخراجه إياهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا، ثم رزقهم السمع والأبصار والأفئدة فقال:﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ﴾ أي والله جعلكم تعلمون ما لا تعلمون بعد أن أخرجكم من بطون أمهاتكم، فرزقكم عقولا تفقهون بها، وتميزون الخير من الشر، والهدى من الضلال، والخطأ من الصواب، وجعل لكم السمع الذي تسمعون به الأصوات، فيفقه بعضكم عن بعض ما تتحاورون به فيما بينكم، والأبصار التي تبصرون بها الأشخاص فتتعارفون بها، وتميزون بعضها من بعض، والأشياء التي تحتاجون إليها فى هذه الحياة، فتعرفون السبل، وتسلكونها للسعى على الأرزاق والسلع لتختاروا الجيد وتتركوا الرديء، وهكذا جميع مرافق الحياة ووجوهها.لعلكم تشكرون: أي رجاء أن تشكروه باستعمال نعمه فيما خلقت لأجله، وتتمكنوا بها من عبادته تعالى، وتستعينوا بكل جارحة وعضو على طاعته}.
والمفتاح الثاني: اليقين والإرادة:من مفاتيح قوة الإعداد هو الإيمان عن يقين واجتناب كل شك أو تردد أواضطراب. قال الله تعالى: ﴿وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ﴾ (النمل:82) فلو كان الناس مؤمنين عن يقينٍ لكان استعدادهم للآخرة بالتمام والكمال، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ (البقرة:4) فمن يؤمن عن يقين بأن من صام صياما كاملا، إيمانا واحتسابا، فالله تعالى يغفر له، ويدخله الجنة من باب الريان، ويبعد النار عنه بكل يوم سبعين خريفا، فإن هذا المؤمن بحق، فلاشك أنه يكون أشد حرصا، وأكثر جهدا في الأداء والاستمرار، والصبر والاصطبار، كما آمن وعمل المهاجرون والأنصار.﴿قَالَ فِرْعَوْن وَمَا رب الْعَالمين. قَالَ رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا إِن كُنْتُم موقنين.﴾(الشعراء:23،24) ففرعون ومن معه يعلمون أن خلق السماوات والأرض ليس من صنع فرعون الذي قال بأنه ربهم الأعلى!! ولكن مشكلة فرعون أنه ليس له يقين بما يؤمن به، وبما يقول، ولا بما يعمل. والذي على غير يقين يقلد بغير فهم، ويكون مضطربا ومن ثم قد يملك ثروات وأموالا وإمكانات وأسبابا ولا يستطيع إعداد ما ينفعه.
والمفتاح الثالث حسن التوكل على الله تعالى، بالاعتماد الكلي عليه سبحانه، مع الأخذ بكل الأسباب. عندما نعلم، كما علمنا في المفتاح الأول، وعندما نؤمن بالله عن يقين، كما علمنا في المفتاح الثاني، حينها نحسن التوكل على الله سبحانه، ومن يتوكل على الله فهو حسبه. إذْ أن الصوم يزيد المؤمن قوة، بينما عند غير المتيقنين يظنون أن الصوم يضعفهم، وأعني قوة العقل، والروح، وكم من مريض لايستطيع الصوم لمرض جسدي، ولكنه قوي العزيمة، فهو ضعيف بجسده لا بروحه.
المفتاح الرابع: الإيمان بالقضاء والقدر: الإيمان بالقضاء والقدر يحفظ العبد، وهو يقوم بالعبادة أو المشاريع المدنية الكبرى، يحفظه من نزغ الشيطان ومن المثبطات، وتجده ينشط أكثر، متوكلا على الله سبحانه، ويعلم بعد التعلم والتيقن والتوكل أن ما يصيبه لم يكن ليخطئه وأن ما يخطئه لم يكن ليصيبه. لقد قرأت الحديث:[احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ] هذا الإيمان يعطي المؤمن قوة عظيمة. وتدبر يرحمك الله:﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾
ونلخص مفاتيح قوة الإعداد في العناصر الآتية: 1 ـ التَّعَلُّم الصحيح، بالتفقه في كل ما نريد القيام به، إن في العبادات، أو الخدمات والمعاملات. 2 ـ الإيمان عن يقين، فيكون استعدادنا تاما، ومن ثَمَّ يكون إعدادنا وفق استعدادنا. 3 ـ حسن التوكل على الله عز وجل.4 ـ الإيمان بالقضاء والقدر.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com