منطق العصا؟!/عبد الحميد عبدوس
مع مطلع السنة الميلادية الجديدة 2018، صدم الجزائريون بحادثة الاعتداء بالضرب للأطباء المقيمين الذين حاولوا يوم الأربعاء 3 جانفي الجاري تنظيم مسيرة احتجاجية انطلاقا من ساحة مستشفى مصطفى باشا الجامعي بالعاصمة الجزائر، وذلك بعد عدة أسابيع من حركتهم الاحتجاجية التي تطورت بعد عدم الاستجابة إلى مطالبهم من طرف وزارة الدكتور مختار حزبلاوي إلى إضراب أثر بشكل ملموس على حسن سير العديد من المستشفيات والمراكز الصحية.
لقد تحول ضرب الأطباء المقيمين وما تم تداوله من صور لأطباء مخضبين بالدماء عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى قضية رأي عام، بعد أن كانت حركة احتجاجية محصورة في مقر المستشفيات أو مطروحة على طاولة لقاءات وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات وممثلي تنسيقية الأطباء المقيمين لمحاولة التوصل إلى اتفاق ينهي حركة الإضراب .
وبعد أسبوع من حادثة ضرب الأطباء المقيمين، أعلن وزير الداخلية والجماعات المحلية وتهيئة الإقليم نور الدين بدوي يوم الأربعاء 10 جانفي 2018، عن فتح تحقيقات في قضية “ضرب” الأطباء.
وكان النائب عبد الحميد تواقين عن حزب الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء قد وجه سؤالا كتابيا لوزير الداخلية، من أجل التحقيق في أسباب التجاوزات والاستخدام المفرط للقوة من طرف رجال الأمن ضد الأطباء المقيمين، مطالبا إياه باتخاذ الإجراءات اللازمة لمعاقبة الفاعلين.
وذكر ممثل تنسيقية الأطباء المقيمين محمد طويلب أن أزيد من 40 طبيبا تعرضوا للضرب منهم 20 أصيبوا بكسور متفاوتة، معتبرا ما حصل إهانة للطبيب الجزائري.
ومما لاشك فيه أن قضية ضرب الأطباء زيادة على كونها مساسا بكرامة المواطن وحقوقه الأساسية قد أدت إلى تفاقم تأزم المشكلة.
فقد انتفض يوم الأحد 7 جانفي الجاري العشرات من الأطباء المقيمين بولاية قسنطينة الذين خرجوا في مسيرة سلمية تنديدا بما تعرض له زملاؤهم الأطباء المقيمون بالعاصمة من ضرب وإهانة ومعاملة سيئة من طرف رجال الشرطة، وانتقلت الحركة الاحتجاجية يوم الاثنين 8 جانفي2018 إلى كافة المستشفيات الجامعية، مع قرار الأطباء المساعدين تنظيم وقفات احتجاجية ومسيرات وإعلان عمادة الأطباء أيضا التأسيس كطرف مدني برفع شكوى ضد عناصر الشرطة الذين قاموا بضرب الأطباء المحتجين أثناء مظاهرة مستشفى مصطفى باشا الجامعي.
وفي اليوم الموالي الثلاثاء 9 جانفي 2018 نظم الأطباء المقيمون، تجمعا كبيرا بالمركز الاستشفائي الجامعي بوهران، للتأكيد على مطالبهم، والسير إلى نهاية المطاف لتحقيق مطالبهم.
وتفاعلت الطبقة السياسية مع قضية الاعتداء على الأطباء المحتجين حيث اعتبر حزب جبهة القوى الاشتراكية في بيان له ما تعرض له الأطباء المقيمون بمستشفى مصطفى باشا “استفزازا يضاف إلى استفزازات سابقة”.
وندّدت حركة الإصلاح الوطني في بيان لها، بما “تعرض إليه جزء من نخبة الجزائر وبعض إطاراتها الكفؤة، من قمع وتعامل عنيف، داعية، السلطات العمومية في البلاد إلى تدارك الأمر وتمكين الأطباء من حقوقهم المهنية والاجتماعية المشروعة، وذلك عبر محاورة ممثليهم و مناقشة مطالبهم في إطار احترام الدستور وقوانين الجمهورية التي تمكّن كل مواطن من حقه في التعبير والدفاع عن حقوقه ومطالبه”.
وللأسف لا تعتبر حادثة الضرب التي تعرض لها الأطباء المقيمون، حادثة شاذة أو معزولة في طريقة تعامل أجهزة الأمن مع الحركات الاحتجاجية، فقد تعرض الصيادلة وقبلهم الأساتذة إلى حوادث ضرب وإهانة وتعنيف خلال قيامهم بمسيرات احتجاجية للتعبير عن مطالبهم المهنية والاجتماعية رغم كونهم فئات بارزة في النخبة الاجتماعية للجزائر.
ومن اللافت للانتباه أن وزير الداخلية نورالدين بدوي قد ألقى باللوم في حديثه عن الأطباء المقيمين بقوله: “من غير المعقول أن يرفض الطبيب الخدمة المدنية في الجنوب”
ولعل هذا الاتهام الملتبس للأطباء المضربين هو ما ذهب إليه حزب الوزير الأول أحمد أويحيى، حيث استغرب الناطق الرسمي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي صديق شهاب في تصريح تلفزيوني قرار الأطباء المقيمين المضربين بالقول: ”كيف للأطباء المقيمين أن يرفضوا علاج الجزائريين في الجنوب بعدما درستهم الدولة الجزائرية”.
غير أن الأطباء المقيمين يؤكدون أنهم لا يرفضون الخدمة المدنية في مناطق الوطن، ولكنهم يطالبون بتحسين ظروفها كتوفير السكن الوظيفي والتجهيزات والعتاد الطبي الذي يمكنهم من تقديم الخدمة الطبية الملائمة للمواطنين.
ومن عجائب الإدارة الجزائرية التي تسخر قوات الشرطة لضرب المحتجين على قراراتها أنها تعين في بعض الحالات طبيبا مقيما خلال تأديته للخدمة المدنية في ولاية من ولايات الوطن وتعين في الوقت نفسه زوجته وشريكة حياته في ولاية أخرى.
ألا تدفع هذه التصرفات الأطباء إلى رفع أصواتهم بالاحتجاج والمطالبة بتصحيح الأوضاع في الحالات العادية، وإلى الهجرة والهروب من خدمة الوطن في الحالات القصوى. ألا تعرض هجرة الأدمغة الجزائر إلى خسارة فادحة تقدر بمليارات الدولارات، فضلا عن استنزاف رصيد الذكاء والمعرفة في الجزائر؟
وللتذكير فقد نشر مجلس نقابة الأطبّاء الفرنسيين في الأشهر الماضية أرقاما تشير إلى أن أكثر من خمسة آلاف جزائري يمارسون مهنة الطب هاجروا إلى فرنسا، وهو ما اعتبره رئيس مجلس نقابة الأطباء الجزائريين، تهديدا لاستدامة النظام الصحي الجزائري الذي فقد آلاف الأطباء الأكفاء وذوي الخبرة من الذين هاجروا إلى فرنسا، من دون احتساب أولئك الذين اختاروا وجهات أخرى مثل كندا وبريطانيا.