وآمنهم من خــــــــــوف
أ.د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
هذا عنوان برنامج إسلامي، اختارته وزارة الأوقاف القطرية، ودأبت على تطبيقه كل رمضان منذ تسع سنوات، بدعوة صفوة من علماء الأمة الإسلامية لإثرائه.
يعمل البرنامج على الغوص في قضايا الأمة الإسلامية على جميع المستويات، بتشخيص الداء، ووصف الدواء، وأعان على ذلك بث محتويات اللقاء من قناة الجزيرة مباشر.
وهكذا يؤم «الدوحة» عاصمة قطر أعلام من العاملين في الحقل الإسلامي، للاستفادة من تجاربهم، وتعميمها على كافة الدعاة وقد جمع لقاء هذه السنة، عددا متميزا من الأقطار الإسلامية، كالهند، وأندونيسيا وكوت ديفوار (ساحل العاج)، وتونس ومصر، والكويت، والجزائر والمغرب، والبوسنة بالإضافة –طبعا- إلى علماء قطر.
كانت الجزائر ممثلة هذه السنة بكاتب هذه السطور بوصفه رئيسا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
عالجت الندوة هذه السنة على مدار ثلاثة أيام، قضايا ذات أهمية في الحياة الحضارية للأمة الإسلامية مثل «أزمة المنظومة التربوية وكيفية النهوض بها»، و»مشكلة الشباب ومساهمته في التنمية الوطنية» و «المحتوى الرقمي الإسلامي وإشكالية الترجمة».
وقد تبارى المشاركون، في إبراز جوانب الضعف في كل قضية، مقترحين أفضل الحلول الممكنة بواقعية، وشجاعة في العلاج.
وأحب أن آخذ من هذه القضايا، قضية الشباب، لأنني كنت أحد المتحدثين الرئيسيين فيها، فأسلط الضوء على أهم خصائص هذه المشكلة، وتقديم العلاج لها.
أكدت في مداخلتي على تبيان، أن مرحلة الشباب هي أقوى، وأزهى المراحل في حياة الإنسان، لما تمثله من قوة البنية، وتوازن الجوارح، وجموح الطموحات مما يتطلب ترشيد هذه القوة، وصيانتها والمحافظة عليها، لتصبح بناءة لا هادمة، ولعل أهم المتطلبات في هذا المستوى تتمثل فيما يلي:
• تحصين الذات الشبانية بالعلم النافع مع توعية العقل بالعقيدة، وحب الوطن.
• توسعة وجود الشباب، وتمكينه من تجاوز حدوده الضيقة، إلى بلوغ عمق انتمائه إلى أمته، وإلى تبني القيم الإنسانية العليا، ذات القناعة المشتركة.
• ربط الشباب بالقدوة المحمدية، من حيث الأخلاق، فيصبح غير صخاب، ولا عياب، ولا مغتاب، ولا سبّاب.
• إن إعداد الشباب للمساهمة في تنمية الأوطان لا يكون إلا بتحصيل العلم والتكنولوجيا، وتبني القضايا العادلة، ونشر الإصلاح، والتفاني في خدمة الوطن، ونفع الأمة.
وهكذا فإن الشباب الباني للتنمية هو الشباب المتسامح مع المخالف، وغير المتعصب للمؤالف، يذود عن الحق، بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن.
فإذا تحلى الشباب بهذه المواصفات من القيم كان ذا اعتدال في المزاج الخلقي، لا يقع في الميوعة، ولا يسقط في الجمود، بل يكون عف اللسان، ثابت الجنان، محبا للإنسان عاملا من أجل الأوطان، إنه يزاوج بين الدين اهتداء، وبين الوطن انتماء، وبين القيم العليا اقتداء.
ولو حاولنا أن ننزل هذه المتطلبات كلها على واقع الشباب اليوم فإننا لن نجد علاجا أنجع مما وصف به عالم الجزائر وإمامها محمد البشير الإبراهيمي، في مقاله الرائع «الشاب الجزائري كما تمثله لي الخواطر» وذلك في العدد الخامس من جريدة البصائر بتاريخ 05 سبتمبر 1947.
حوصل الإمام الإبراهيمي بثاقب بصره، وبالغ حنكته، واقع الشاب الجزائري فقال: «أتمثله بانيا للوطنية على خمس كما بُني الدين قبلها على خمس» وهي:
1- – السِّباب آفة الشباب
2- – اليأس مفسد للبأس.
3- – الآمال لا تدرك بغير الأعمال
4- – والخيال أوله لذة، وآخره خبال
5- – والأوطان لا تخدم بإتباع خطوات الشيطان.
يا شباب الجزائر هكذا كونوا أو لا تكونوا، وقبل هذا التشخيص الضليع والبليغ من الإمام الإبراهيمي كانت صرخة الإمام عبد الحميد بن باديس:
يا نشء أنت رجاءنا وبك الصباح قد اقترب
خذ للحياة سلاحها وخض الخطوب ولا تهب
هكذا كانت مساهمة الجزائر في هذه التجربة القطرية، حين تصديها لقضية الشباب المسلم.
ويبقى الفضل في هذه التجربة القطرية أنها أتاحت الإطلالة على تراثنا الثمين والاستعانة به في معالجة قضايا اليوم.
ومهما يكن فإن التجربة الرمضانية القطرية تستحق أن تستنسخ في أكثر من قطر إسلامي، وأن تكيف مع واقع كل قطر، حسب متطلباته.
ذلك أن وزارة الأوقاف القطرية، تستغل وجود هذه الصفوة من العلماء، فتشركهم في الوعظ والإرشاد داخل المساجد بعد صلاة التراويح، فتضيف إلى الحسنى حسنيين.
وما أحوجنا نحن في الجزائر، إلى أن نعيد صورة مصغرة لملتقى الفكر الإسلامي فتتحول الجزائر في رمضان إلى قبلة للعالم الإسلامي، يساعدها في ذلك قطبها الإسلامي ممثلا في جامع الجزائر الأعظم، فيطل على العالم بتجربة تكون فريدة به، كما كان ملتقى الفكر الإسلامي تجربة فريدة في الجزائر لم يسبقها إليه أحد، ولم يلحقها فيه أحد.
هذه إذن خواطر رمضانية استلهمناها من نفحات رمضان الإيمانية، وكلنا أمل في أن تجد آذانا صاغية، ورب سامع أوعى من مبلغ، والله يهدي إلى سواء السبيل.