اليوم العربي لـمحو الأميّـة/ يوسف جمعة سلامة
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}(1).
إن الإسلام منذ أن أشرقت شمسه ثورة على الجهل، ودعوة إلى القراءة والدراسة والتعليم، فالإسلام يقدر العلم والعلماء ويدعو إلى احترام العلماء والمعلمين، وكان أول أمرٍ من السماء إلى الأرض نزل به جبريل الأمين عليه الصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلق، وهو الذي علَّم، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن ديننا الإسلامي يحثّ أتباعه على القراءة والكتابة، كما أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عمل على محاربة الأمية والقضاء عليها، حيث أطلق
-صلى الله عليه وسلم- سراح أسرى بدر من المشركين مقابل تعليمهم لعددٍ من أبناء المسلمين القراءة والكتابة، فهذا يدل على مدى حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم أصحابه رضي الله عنهم أجمعين؛ لأن الإسلام دين لا يحمله إلا أمة واعية متعلمة، وهذا هو حال العلماء المسلمين عبر التاريخ الذين حرصوا على التزود بالعلم والمعرفة.
ومن الجدير بالذكر أن ذكرى اليوم العربي لمحو الأمية مرّت بنا قبل أيام، والتي تأتي في الثامن من شهر يناير، وهو اليوم الذي أقرّته جامعة الدول العربية عام 1970م ليكون مناسبة سنوية للوقوف على ما تم إنجازه على الصعيدين الوطني والقومي في مجال محاربة الأميّة، والتعرّف على الخطط والاتجاهات المستقبلية لمحو الأميّة، وتعليم الكبار بوصفهما سبيلاً إلى تحقيق التنمية المستدامة، ونحن في كل مناسبة نبين وجهة نظر الإسلام كي يكون القارئ الكريم على بينة من أمره.
فضل العلم في القرآن والسنة
من المعلوم أن ديننا الإسلامي الحنيف عمل على القضاء على الأمية، فحَثّ أبناءه على طلب العلم، لذلك فإننا نجد أن النصوص الشرعية في الكتاب والسنة أنها تدعو الأمة إلى طلب العلم وتحصيله والاستزادة منه، وضرورة اكتساب المعرفة في مختلف المجالات، فقد ذكر القرآن الكريم فضل العلم
في عدد من الآيات القرآنية، منها:
– قوله سبحانه وتعالى:{اقْرَأْ باسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بالْقَلَمِ* عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}(2).
– وقوله سبحانه وتعالى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}(3).
– وقوله سبحانه وتعالى أيضاً:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}(4).
كما ذكرت السنة النبوية الشريفة فضل العلم في عدد من الأحاديث النبوية، منها:
-قوله صلى الله عليه وسلم: [مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ، والْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ ليلةَ البدرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ] (5).
– وقوله صلى الله عليه وسلم: [مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ](6).
– وقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِى جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ](7).
كما بيّن الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين منزلة العلم والعلماء في كثير من أقوالهم ووصاياهم، فمن ذلك ما أُثِرَ عن الإمام علي رضي الله عنه قوله: )العلم خير من المال، العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والعلم حاكم، والمال محكوم عليه، والمال تُنقصه النفقة، والعلم يزيد بالإنفاق)، كما ذكرت كتب السيرة حرص الصحابة رضي الله عنهم أجمعين على حضور
مجالس العلم.
القراءة تشحذ الذهن وتهدي إلى الحكمة
من المعلوم أن القراءة والمطالعة تشحذ الذهن وتهدي إلى الحكمة والموعظة الحسنة، وَتُطلق اللسان وَتُنَمّي العقل والتفكير، فيها ترسيخ للحقائق وطرد للشبهات، وفيها من المُتْعة والتسلية ما يبعث السعادة، وفيها من العلم والحكمة ما يهدي إلى طريق الخير والرشاد، وفيها قطفٌ لثمار العلم والمعرفة التي أنتجتها عقول العلماء والمفكرين، وفيها من الفوائد ما لا حصرَ لها.
لذلك فإن الواجب علينا أن نحرص على القراءة والكتابة، وأن نشجع أبنائنا على ذلك؛ حيث إن القراءة تُمكِّن الإنسان من التَّعلم والاطلاع على جميع ما يريد معرفته في شتى المجالات، فبها نكتسب الأخلاق الحميدة والسلوك المستقيم، وبسببها يحصل الإنسان على الأجر العظيم والثواب الكبير، لاسيما إذا كانت قراءته في كتاب الله سبحانه وتعالى، أو في الكتب النافعة التي تدل على الخير، كما أنها سبب لرفعة الإنسان في الدنيا والآخرة.
وممّا يؤكد ذلك أن أول أمرٍ إلهيٍّ لنبينا صلى الله عليه وسلم عند بدء نزول الوحي عليه
صلى الله عليه وسلم كان (اقرأ)، أي أن ديننا الإسلامي الحنيف يحث على العلم والقراءة، فهي
السبيل إلى تحصيل العلم، واكتساب المعرفة التي تُحقق الخير والسعادة للمسلم.
أمتنـا بيــن الأمس واليـــوم
إن الدين الإسلامي الحنيف دين يقوم على العلم، فقد نقل الإنسانية من ظلمات الجهل إلى نور العلم، وحضَّها على التزود الدائم من جميع العلوم والمعارف الدينية والدنيوية، وقد خلَّف العلماء المسلمون للبشرية تراثاً علمياً غزيراً في جميع المجالات مازالت الأمم تغترف منه وتقتبس.
ومن يُرد التعرف على بعض ما خلّفته أمتنا العربية والإسلامية فليقرأ بعضا من الكتب والمؤلفات التي ذكرت ذلك، ومنها: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وتاريخ دمشق لابن عساكر، والذخيرة في محاسن أهل الجزيرة لابن بسام، والإحاطة في أخبار غرناطة للسان الدين بن الخطيب، والدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر، وغير ذلك من الكتب التي لا يتسع المجال لحصرها.
ومن المعلوم أن بلاد المسلمين في القرون الماضية كانت محطَّ أنظار العالم، حيث إننا نجد أن البلاد التي يذهب إليها طلبة العلم من بلادنا في هذه الأيام كان أبناؤها يأتون إلى ديار المسلمين وبلدانهم يتعلمون فيها، كما كانوا يترجمون كتب العلماء المسلمين ومؤلفاتهم.
ليس معنى ذلك ألاَّ نتعلم العلوم من الآخرين، فالحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق الناس بها، ولكن المقصود من ذلك أنه يجب على الأمة أن تعود إلى مكان الصدارة الذي كانت عليه في العصور الماضية، حيث إن أمتنا أنجبت العديد من العلماء البارزين في جميع المجالات العلمية، ومنهم: الفارابي، والكندي، وابن الهيثم، وابن سينا، وابن النفيس، وابن خلدون، وغيرهم ممن ملأوا طباق الأرض حكمة وعلماً.
ومن المعلوم أن ديننا الإسلامي الحنيف حثَّ على طلب العلم وتحصيله، وليس المقصود من ذلك العلوم الدينية فقط، مثل علوم القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة فقط، وإنما سائر العلوم الدنيوية اللازمة والضرورية للإنسان؛ ليعمر هذا الكون، مثل: علوم الطب والهندسة والفلك والفضاء والرياضيات والفيزياء وغيرها من العلوم، فالإقبال على هذه العلوم وتعلُّمها وإتقانها والاستفادة منها في عمارة الأرض هو فرض كفاية على الأمة الإسلامية، ومع ذلك فإننا نجد وللأسف أن الكثير من أبناء الأمتين العربية والإسلامية قد تجاهلوها وقَصَّروا في طلبها وتحصيلها في هذه الأيام، وكان ذلك سبباً رئيساً من أسباب تأخرنا عن مكان الريادة والصدارة الذي كانت عليه أمتنا، وكان عليه أسلافنا من العلماء المسلمين.
كلنا ثقة وأمل بأبناء أمتنا من علماء ومفكرين وباحثين أن يُشمروا عن سواعد الجدّ والاجتهاد؛ حتى يكون لهم دور بارز في الابتكارات والاختراعات العلمية في شتى المجالات، انطلاقاً من قوله سبحانه وتعالى في سورة الحديد:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}(8).
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
*الهوامش:
1- سورة العلق الآيات(1-5)
2- سورة العلق الآيات (1-5)
3- سورة الزمر الآية (9)
4- سورة فاطر الآية(28)
5- أخرجه أبو داود
6- أخرجه الترمذي
7- أخرجه الترمذي
8- سورة الحديد الآية (25)