حاجتنا إلى التفكير النقدي/ أ. الشريف مرزوق
إن المعلومات وتسارعها وتزايدها وتنوعها، لم تعد تمثل أهمية في عصرنا الحاضر إلا بقدر إعمال الفكر فيها واستخلاص الجديد والمفيد منها. وبناء عليه فإنه على تعليمنا ألا يتوقف في أهدافه ومراميه عند توسيع مدارك الطالب وزيادة معلوماته، وإنما ينبغي أن تطور هذه الأهداف لتشمل تنشيط عقل المتعلم واستثارة ذهنه وتحفيز تفكيره، فالتفكير هو جوهر التعليم. وتوظيف التفكير في التعليم يحوّل عملية اكتساب المعرفة من عملية خاملة إلى نشاط عقلي تأملي يفضي إلى إتقان أعمق للمحتوى المعرفي، وإلى ربط أفضل لعناصره ومحتوياته وقدرته على ممارسته وتطبيقه وبالتفكير المتأمل، يعايش الإنسان ظروف عصره ويستوعب متغيراته ويتعامل بفاعلية واقتدار مع قضاياه ومشكلاته.
إن غزارة المعلومات ووفرتها لا تعني بالضرورة إدراك المعلومة والاستفادة منها، لكن إعمال الفكر والتدبر فيما يقرأ الإنسان ويسمع ويرى، هو الذي يترجم المعلومة إلى معرفة، ثم يحول المعرفة إلى ابتكار، ويحول الابتكار إلى اختراع، وإضافة جديدة إلى المعرفة البشرية.
وقد أصبح التفكير النقدي حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى وأصبح هدفا عاما من أهداف التربية في كثير من دول العالم المتقدمة.
ولقد أصبحت ملكة التفكير النقدي من ضرورات الحياة المعاصرة، إذ أنها مفتاح النجاح في مجتمع المعرفة، سواء في التداول مع القضايا اليومية، أو في الدراسة النظرية والعملية أو في أداء مهمات العمل، أو في البحوث وابتكار ما ينفع الفرد والمجتمع أو في التعايش الاجتماعي والمواظبة والمشاركة الفعالة في التنمية.
مفاهيم التفكير النقدي :
عرف التفكير النقدي بتعريفات كثيرة ومتنوعة منها على سبيل المثال – لا على سبيل الحصر- أنه تفكير تأملي محكوم بقواعد المنطق والتحليل، يمارس فيه الفرد الافتراضات والتفسير وتقويم المناقشات والاستنباط، ومنها أنه: تفكير تأملي معقول؛ يركّز على ما يعتقد به الفرد أو يقوم بأدائه، وهو فحص وتقويم الحلول المعروضة من أجل إصدار حكم حول قيمة الشيء.
من هو المفكر الناقد؟
المفكر الناقد هو الشخص الذي يفكر ويحلل بعد الغوص في المعلومات والتحقق من دقتها وصحتها، ويتأمل المواقف ثم يقيّمها بناءً على الإمكانيات التي لديه، ثم يطلق الأحكام أو المقترحات بعد ذلك. هذه العملية تكون في جميع مراحل الحياة، في القراءة، في الكتابة، عند سماع الأخبار، عند التعليم… إلخ.
صفات وخصائص المفكر الناقد:
– الاستعداد لتقبل الآراء المخالفة، وعدم التعصب لرأي أو لمدرسة معيّنة أو لعادات اجتماعية منتشرة.
– الاستعداد لنقد الذات، والتواضع في طلب العلم، وإعادة التفكير في الأسئلة والفرضيات التي يطرحها باستمرار.
– المهارة في طرح الأسئلة والمشاكل والاحتمالات لتضييق نطاق البحث.
– التأمل وإعادة التفكير في القضايا المعرفية، صدق المعرفة التي لدى الباحث، قوة الأدلة التي اعتمد عليها الباحث، تفكيك بنية البحث، والسؤال بصدق:
ما هو الشيء الذي أريد أن أصل إليه؟
هل رغباتي الشخصية هي الموجِّه الحقيقي لذلك؟
– البعد عن السطحية في التفكير باستخدام التعميمات مثل الحكم على الأشياء أو الناس أو الأفكار بأنها جيدة أو سيئة بناء على خبرة أو رأي شخصي.
– العمق الفكري مهم لكل طالب علم، التأمل والتحليل والتركيب والمقارنة وطرح الأسئلة التي لا نملك الإجابة عليها تؤدي إلى التفكير الناقد.
– القدرة على محاكمة المسلمات ومناقشتها.
– استخدام المنطق والتدرب على المحاجة، ومناقشة الأدلة من كلا الطرفين المختلفين، ومناقشة الآخرين والتعلم منهم.
– تمحيص المعلومات ومحاكمتها منطقيا وبدرجة عالية من العقلانية للوصول إلى الحقيقة.
– الحساسية نحو المشكلات والقدرة على تحديدها.
– القدرة على اتخاذ أحكام منطقية وفعالة ويحاكم الأنظمة السياسية والاجتماعية السائدة وفق معايير محددة حتى في غياب الأدلة والبراهين.
– استخدام الأدلة بمهارة عالية.
– الميل إلى التحليل والتنظيم عند التعامل مع المعلومات والبيانات.
– منفتح الذهن نحو الأفكار والخبرات الجديدة وذو خيال واسع.
– لديه الاستعداد نحو التغير عند ثبوت الخطأ بالأدلة الكافية المقنعة.
– يستطيع التعلم ذاتيا.
– يستخلص استنتاجات وقرارات من البيانات والمعلومات.
– الميل إلى العدل في التعامل مع الآخرين.
– الثقة العالية بالنفس.
– الوضوح في طرح الأسئلة والعبارات.
– لا يميل إلى المسايرة والمجاراة.
– القدرة على الملاحظة وتقدير أوجه الشبه والاختلاف غير الظاهرة.
– لا يجادل في أمور لا يعرف عنها شيئا.
– يعرف من يحتاج إلى معلومات أكثر عن شيء ما، فهو مبتكر ومتجدد.
– يعرف أن لدى الناس أفكار مختلفة نحو معاني الكلمات.
– واع لما يجري في أذهان الآخرين ويفهم وجهات نظرهم وافتراضاتها وتطبيقاتها ومدى التحيز وعدم الموضوعية فيها.
– قادر على تحمل مسؤولياته أمام المجتمع.
– يدرك أن فهم الآخرين دائما نسبيا ومحدودا.
– القدرة على ربط المتغيرات والمعلومات بطريقة منطقية ومنظمة.
– يعرف الفرق بين النتيجة التي تكون حقيقة، والنتيجة التي يجب أن تكون حقيقة ويميز بين الاستنتاجات المنطقية وغير المنطقية.
– يحاول تجنب الأخطاء الشائعة في تحليل الأمور.
– يبتعد عن الأحكام الذاتية على الأمور.
– يستطيع تطبيق استراتيجيات حل المشكلة حتى في مجالات جديدة.
– يحاول الفصل بين التفكير العاطفي والتفكير المنطقي.
– يحاول بناء مفرداته وزيادتها باستمرار.
– لديه مهارات اتصالية عالية.
– يتساءل عن كل شيء لا يفهمه ويوجه الأسئلة التي تتميز بالصعوبة والتحدي.
– الميل إلى إجابة الأسئلة التي تتميز بالصعوبة والتحدي.
– يأخذ بالاعتبار الجوانب المختلفة في الموضوع.
– لديه القدرة على اتخاذ قرارات صائبة في حياته.
الإجراءات التي تساعد على بناء وتطوير القدرة على التفكير النقدي:
1. الفهم العميق للمشكلة وتحديد أبعادها.
2. جمع المعلومات من عدة مصادر، والقراءة الكثيرة، ويُفضّل أن تكون القراءة منظمة بشكل يساعد الباحث على الرجوع لها بشكل جيد، يفضل لذلك أن يستخدم الباحث جدولا يحدد فيه بدقة مصدر المعلومة، وكيفية الرجوع إليها، ثم تعليق الباحث. هذه التعليقات مفيدة جدا في المستقبل عند العودة إليها، وهذا التعليق يكون بنقد المعلومة سواء إيجاباً أو سلباً.
3. تأمل الافتراضات وقيمتها.
4. تحليل المعلومات ومن ثَمّ مقارنة المعطيات والافتراضات.
5. تفسير الأدلة وتقييمها.
6. مناقشة الآخرين وجميع من لهم صلة بالبحث…حيث يحسن بالباحث طرح أفكاره لعموم الناس ثم ينظر كيفية استجابتهم لها. هذه المناقشات تفتح آفاقاَ لا يمكن حصرها.
7. تقديم في الخاتمة، المقترحات التي يمكن تعميمها.
ويمكن التنبيه إلى أن هذه القدرة أو الملكة تُكتسب اكتساباً ويكون التمرس عليها بالتعلم والتدريب والصبر. لذا فلا يغضب أحدنا عندما يوقّع المصحح في أسفل بحثه الذي قد بذل فيه الليالي والأيام، بعبارة: (البحث وصفي، ويفتقد إلى التفكير الناقد)، فطالب العلم لا يكل ولا يمل من التزود بالمهارات التي تعينه أن يكون مبدعاً في مجاله.
معايير التفكير الناقد:
للتفكير الناقد معايير وهي كل ما يساعد على التحكم فيه كالصحة والوضوح والدقة…، وكذلك هو مستويات، إن من التفكير ما هو عالي ومنه ما متدني، ولذلك الكثير من المظاهر والعلامات، ونظرا لكثرتها لا يمكن الإتيان على في هذه الرقعة المحدودة، ولكن يمكن تلمسه في مظانه عند ممارسة التفكير النقدي.
* أهمية تعليم التفكير الناقد:
1- يجعلنا أكثر صدقا مع أنفسنا، وسنتعرف على مالا نعرفه، ولن نخاف بأن نعترف أننا على خطأ.
2- يساعدنا أن نتخيل أنفسنا في مكان الآخرين ومن ثم إمكانية أن نفهم وجهات نظرهم.
3- ستتحسن قدرتنا على استخدام عقولنا بدل عواطفنا، ونستطيع تحديد مشاعرنا وربطها منطقيا مع عواطفنا.
4- يعد مدخلا مبكرا للتقليل من التسيب الأخلاقي، والتقليل من فرص الجريمة.
5- يكسب الطلبة منهجية في دراسة الكثير من المواد، كالمنطق والأدب والفن والتاريخ.
6- يساعد في صنع القرار الحكيم في الحياة اليومية.
7- تحصيل الاستفادة القصوى من التكنولوجيا الحديثة.
8- يطور تربية وطنية مثالية وحسا عاليا للتفاعل مع المجتمع ورقيه وتقدمه.
9- يحسن تحصيل الطلبة في مختلف المواد الدراسية.
10- يشجع على ممارسة مهارات كثيرة من مهارات التفكير.
11- يشجع المناقشة، الحوار، وسعة الأفق، والقدرة على التواصل والتفاوض.
12- يساهم في إيجاد بيئة صفية تتسم بالحوار الهادف.
13- يحسن وعي الطلبة وخصوصا في الجامعات إذ عليهم أن يتفاعلوا مع القضايا المطروحة في الساحة العالمية والإقليمية والمحلية.
14- يحسن قدرة الفرد على التعلم الذاتي.
15- يحسن قدرة الفرد على فهم الفروق الثقافية بين الحضارات كما يساهم في حوار الأديان والثقافات.
16- يحسن قدرات العاملين في المجال الطبي والتمريضي والهندسي والصناعي وفي التجارة وفي المجالات الحياة المختلفة.
مهارات التفكير الناقد:
صنَّفها واطسون وجليسر Watson & Glaser إلى المهارات التالية:
• الافتراضات: وهي القدرة على التمييز بين درجة صدق معلومات محددة أو عدم صدقها، والتمييز بين الحقيقة والرأي، وغرض المعلومة.
• التفسير: وهو القدرة على تحديد المشكلة وتفسيراتها المنطقية وقبول المعلومة من عدمه.
• الاستنباط: وهو قدرة الفرد على تحديد بعض النتائج المترتبة على مقدمات، أو معلومات سابقة لها.
• الاستنتاج: وهو قدرة الفرد على استخلاص النتائج من حقائق معينة لملاحظة أو مفترضة.
• تقويم الحجج: وهو قدرة الفرد على تقويم الفكرة، وقبولها أو رفضها، والتمييز بين المصادر الأساسية والثانوية، والحجج القوية والضعيفة، وإصدار الحكم على مدى كفاية المعلومات.
جامعة أم البواقي