هل هناك فرق بين الصوم والصيام؟

أ. لخضر لقدي/
سمعت من أحدهم كلاما يفيد الجزم أن الصوم غير الصيام وأن بينهما فرق، وأنه ليس في القرآن كلمات مترادفة إطلاقا، وفسر الصوم بأنه قول الحقيقة والكلام الطيب خلال السنة كاملة، وأن الله تعالى قال:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} ولم يقل: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّومُ).
والواجب على المسلم أن يرجع في كل فن إلى علمائه وأن يحترم المصطلحات الشرعية.
وإذا رجعنا للقرآن وجدنا أن كلمة الصوم (صَوْمًا) وردت مرة واحدة بمعنى الإمساك والكف عن الكلام، أما كلمة الصيام فوردت سبع مرات كلها بمعنى الْإِمْسَاكُ عَنِ الْمُفطِراتِ (الأكل والشرب والجماع وما يقوم مقامهما).
والصحيح أنه لا فرق بين الصيام والصوم لا في اللغة ولا في الشرع، فمن تأمل ورود لفظتي الصوم والصيام في القرآن والحديث واللغة وجد أنهما تفيدان الإمساك والتّوقف عن فعلٍ ما.
ففي لسان العرب: الصَّوْمُ: تَرْكُ الطعامِ والشَّرابِ والنِّكاحِ والكلامِ،… وَقِيلَ لِلصَّائِمِ صائمٌ لإِمْساكِه عَنِ المَطْعَم والمَشْرَب والمَنْكَح، وَقِيلَ لِلصَّامِتِ صَائِمٌ لإِمساكه عَنِ الْكَلَامِ.
وأكثر المفسرين على أن: الصوم وَالصِّيَامُ هو: الْإِمْسَاكُ، قال الزركشي في البرهان في علوم القرآن: وَكُلُّ صَوْمٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ الصِّيَامُ الْمَعْرُوفُ إِلَّا الَّذِي فِي سُورَةِ مَرْيَمَ .
واجتمع ذِكر الصوم والصيام في العديد من الأحاديث النبوية مع التسويةِ بينهما، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في بيان أركان الإسلام: «وَصَوْمِ رَمَضَانَ» البخاري، ومنها: «وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ» البخاري.
وعنون البخاري في صحيحه: بَابُ تَرْكِ الحَائِضِ الصَّوْمَ وعنون مسلم في صحيحه: بَابُ اسْتِحْبَابِ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ .
واستعمل الفقهاء الصوم والصيام بمعنى واحد فجاء في كتب الفقه: بَاب الصَّوْمِ، وبَابُ الصِّيَامِ، وكِتَاب الصَّوْمِ، وكِتَابُ الصِّيَامِ.
أما القول بأنه لا ترادف في القرآن فللعلماء مذهبين قديمين:- أحدهما ينفِي الترادف في اللغة تمامًا. – وثانيهما: يجيزه.
ومن قواعد البلاغيين المعروفة: الزيادة في المبنى زيادةٌ في المعنى، قال أبو الهلال العكسري في كتابه معجم الفروق اللغوية: الفرق بين الصيام والصوم: قد يفرق بينهما بأن الصيام هو الكف عن المفطرات مع النية،… والصوم: هو الكف عن المفطرات، والكلام كما كان في الشرائع السابقة.
ومال بعض المعاصرين إلى التفرِقة، لا سيما البلاغيون، ومنهم الأستاذ علي علي صبح، في كتابه التصوير القرآني للقيم الخلقية والتشريعية، ومثله الدكتور فاضل السامرائي؛ في إحدى محاضراته التي حملَت عنوان لمسات بيانية في نصوص من التنزيل.
ولكلٍّ وجهة نظر لها احترامها، ولكن وجب التنبيه أن بعض من يفرق بين الصوم والصيام ينطلق من إنكاره للسنة، واحتجاجه بالقرآن وحده، وهو أصلهم الوحيد الذي يرجعون إليه، ويفسرونه على هواهم، وهؤلاء لا يؤخذ منهم علم ولا يوثق منهم في دين.
والسنة هي المبينة للقرآن والشارحة له، وفيها أحكام تشريعية ليست في القرآن، ومن كان يؤمن بالقرآن فلابد من أن يؤمن بالسنة لأن الله تعالى يقول: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[لنحل:44].
وروى أبو داود عن المقداد بن معد يكرب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه».