القضية الفلسطينية بين شرف المقاومة وعار التطبيع
أ. عبد الحميد عبدوس/
على مقربة من شهر رمضان المبارك، تصاعد القمع الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وتراوحت الجرائم الصهيونية بين التصفيات الجسدية وتدنيس المقدسات والاعتقالات التعسفية والاستفزازات العنصرية، وجاء هذا التصعيد الإسرائيلي بعد أيام قليلة من اجتماع تطبيعي زاد في شهية الاحتلال الصهيوني للتنكيل بالفلسطينيين وترويج دعايته بأنه يسير في طريق السلام رفقة شركاء عرب من مشرق العالم العربي ومغربه، فعشية الذكرى السادسة والأربعين ليوم الأرض الموافق لـ30 مارس الذي يحييه الفلسطينيون للتعبير عن تمسكهم بأرضهم وهويتهم الوطنية، احتضنت مستوطنة «سديه بوكر» بمدينة النقب جنوب فلسطين المحتلة يوم الاثنين 28 مارس 2022، الاجتماع السداسي الذي شارك فيه وزيرا خارجية إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى وزراء خارجية مصر والإمارات والبحرين والمغرب.
هذا الاجتماع الوزاري التطبيعي المشؤوم الذي سمي «قمة النقب» حظي باهتمام بالغ من قبل المحتلين الصهاينة، فقد وصفه رئيس الحكومة الإسرائيلي نفتالي بينيت، بأنه «يوم احتفالي ومؤثر جدا»، وتبودلت فيه القبلات والضحكات بين المشاركين، تناولوا في مأدبة العشاء أطباقا ضمت «أرز بن غوريون» ولحم خروف الجولان…
دولة الاحتلال الإسرائيلي تسعى إلى إشراك الدول العربية المطبعة في تحالف عسكري موجه ضد إيران وقوى المقاومة للاحتلال الصهيوني،بل إن إسرائيل حولت خيانة بعض الدول العربية للقضية الفلسطينية إلى ورقة تفاوضية ضاغطة على الولايات المتحدة الأمريكية لثنيها عن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران. فقد قال السفيرالإسرئيلي السابق في مصر، إسحاق ليفانون، في صحيفة (معاريف) الإسرائلية: «هكذا جاءت 4 دول عربية إلى إسرائيل بإخطار قصير، هبطوا في قاعدة عسكرية إسرائيلية، حجوا لقبر مؤسس إسرائيل، وجلسوا معا للتشاور في كيفية التصدي للفترة ما بعد الاتفاق النووي». أما صحيفة (نيويورك تايمز) الامريكية فقد كتبت «إن الاجتماع هو إشارة إلى المنافع التي بدأت إسرائيل تجنيها من اتفاقيات السلام التي وقعتها مع دول عربية قبل عامين».
شكل مكان انعقاد الاجتماع التطبيعي في مستوطنة «سديه بوكير» في النقب الشمالي بعدا رمزيا هاما لإسرائيل لأنه المكان الذي دفن فيه دايفيد بن غوريون قائد الحركة الصهيونية وأول رئيس وزراء في إسرائيل والمؤسس الفعلي للدولة العبرية،وهو الذي قاد عمليات التطهير العرقي في فلسطين في العام 1948م، هذا المجرم العنصري الصهيوني الذي يعتبره الصهاينة «أبو الأمة» قال عن الفلسطينيين: «نحن ننظر إليهم كما ننظر إلى الحمير».
تزامنا مع وصول وزراء خارجية الإمارات ومصر والمغرب والبحرين من الدول العربية المطبعة إلى دولة الكيان المحتل، أعلنت الحكومة الإسرائيلية، عن عزمها بناء خمسة تجمعات استيطانية جديدة في صحراء النقب، كما ذكرت قناة (كان) العبرية الرسمية، أن: «تل أبيب قررت السماح للمستوطنين اليهود بمواصلة اقتحام المسجد الأقصى خلال شهر رمضان».
الترحيب الإسرائيلي والدول المطبعة بهذا الاجتماع، قابله تنديد ورفض فلسطيني وعربي له حيث وصفت لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية، هذه القمة أنها «قمة محور الشر، الذي تتزعمه الولايات المتحدة»، وأعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أن «مثل هذه اللقاءات لا تخدم سوى العدو في تكريس عدوانه المتواصل ضد أرضنا وشعبنا ومقدساتنا»، ومن جهتها أكدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أن: «عقد القمة غير بعيد عن ذكرى يوم الأرض، وفي النقب الفلسطيني، لا يخلو من دلالة خاصّة، وأنّه يتعرّض في هذه الفترة لمخطط تهويدي شامل يستهدف تدمير قراه، وتهجير سكانه، وإقامة العديد من المستوطنات عليه».
أما مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين في المغرب فقد أدانت بشدة موقف الوزراء المشاركين في ما وصفته بـ «الفضيحة»، ورأت أنها «مشاركة تنم عن الانحطاط غير المسبوق والانحدار الرسمي العربي الذي بلغ أسفل الدرك في تاريخنا الراهن»، كما طالبت بإقالة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ودعت إلى محاسبته «على كل هذه الانحرافات في الدبلوماسية المغربية بما يضر بالشرف والسمعة الوطنيين ويجسد التفريط في السيادة الوطنية بشكل غير مسبوق».
وقال (المرصد المغربي لمناهضة التطبيع): «إن المغرب مع موجة التطبيع الإبراهيمي أصبح بوابة لاختراق المنطقة وإفريقيا في مشهد جد مخز يضرب في الصميم تاريخ ورصيد وموقع ومسؤوليات الدولة تجاه شعبها وتجاه مسؤولياتها الإقليمية خاصة رئاسة لجنة القدس».
وإذا كان حكام الدول العربية المطبعة يعتبرون خيانة القضية الفلسطينية ومقايضة حقوق الشعب الفلسطيني بمكاسب اقتصادية واتفاقيات أمنية عابرة، مجرد وجهة نظر، فإن الشعب الفلسطيني لم يتخل عن مقاومته للاحتلال الإسرائيلي والدفاع عن أرضه وعرضه ومقدساته الدينية، فقبل وأثناء وبعد انعقاد الاجتماع التطبيعي قامت المقاومة الفلسطينية بعمليات فدائية هزت وهم سلطات الاحتلال الصهيوني في بناء «شرق أوسط جديد» تكون فيه اليد الطولى والكلمة العليا لإسرائيل على قطيع من العرب المطبعين الراكعين، والتمكن من تحقيق الأمن والاسلام لها دون الاعتراف بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف.
ففي يوم الأحد 22 مارس المنصرم نفذ الأسير السابق في سجون الاحتلال الصهيوني الشاب الفدائي محمد غالب أبو القيعان من بلدة حورة بالنقب عملية طعن ودهس أسفرت عن مقتل 4 إسرائيليين واستشهاد المنفذ. واعتبرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية إن الهجوم «في بئر السبع يعيد الذكريات القديمة؛ لقد مرت سنوات منذ أن تمكن مهاجم منفرد آخر مرة من ارتكاب مثل هذه المذبحة باستخدام أدوات بسيطة مثل السكين والسيارة».
بعد هذه العملية الفدائية قام الشابان المقاومان إبراهيم وأيمن اغبارية من من مدينة أم الفحم بإطلاق النار بمدينة الخضيرة شمالي فلسطين على قوة من الشرطة، أدت لمقتل جنديين من حرس الحدود، ثم واستولى المقاومان على بندقيتي الشرطيين المقتولين واستخدماهما في مواصلة إطلاق النار على المارة مما أدى إلى إصابة خمسة منهم. وسائل الإعلام الإسرائيلية، اعتبرت العملية دليلاً على أنها جزء من «الشرق الأوسط القديم» الذي لا يسمح « للشرق الأوسط الجديد بالنهوض»، بمعنى أن الشرق المقاوم يتصدى إلى الشرق المطبع .
وفي يوم الخميس الماضي قام السجين السابق في معتقلات الاحتلال الصهيوني الفدائي ضياء حمارشة (27 عامًا)، بقتل 5 إسرائيليين بينهم شرطي في مدينة بني براك بعد أن استطاع تخطى الحواجز والمحظورات التي وضعها الاحتلال الإسرائيلي بفعل العمليات الأخيرة، ولكنه رفض قتل النساء والأطفال، واستهدف الرجال ذلك ما أكدته مستوطنة إسرائيلية شاهدة عيان بقولها: «طلب منا أحد منفّذي العملية أن نرجع إلى الوراء، يبدو أنه لم يرغب بقتل النساء والأطفال».
وبعد سماح الشرطة الإسرائيلية لعضو الكنيست الإسرائيلي النائب المتطرف إيتمار بن غفير باقتحام المسجد الأقصى يوم الخميس الماضي. نفذ فدائي فلسطيني في مستوطنة قرب بيت لحم عملية طعن في حافلة أدت إلى عدة إصابات وإلى استشهاده إثر إطلاق النار عليه.
وزراء العار والتطبيع سارعوا إلى إدانة العمليات الفدائية فقد نقلت القناة 13 العبرية، كلمة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة الذي قال: «أبدأ كلمتي بإدانة شديدة اللهجة لعملية الخضيرة، أشاطر عائلات القتلى حزنهم وأتمنى الشفاء للجرحى»، كما أدان وزراء خارجية مصر والبحرين والإمارات العمليات الفدائية الفلسطينية واعتبروها هجومات إرهابية.
ولحسن الحظ فإن هذه المواقف الذليلة لدول التطبيع لا تؤثر في عزيمة المقاومة الفلسطينية كما أنها لا تخدع كل الإسرائليين وتحجب عنهم حقيقة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فقد قال الكاتب الإسرائيلي ألوف بنفي في صحيفة هآرتس: «بعد انتهاء الهتافات وإغلاق الكاميرات، ستبقى إسرائيل مع نفس المشكلات الوجودية في علاقتها مع الفلسطينيين. لذلك، من الجدير بزعمائها أن لا يوهموا أنفسهم بأن النزاع سيحل من تلقاء نفسه أو سيتم طمسه تحت أكوام مساحيق التجميل في الصور الرسمية». «أما الجنرال في الاحتياط، شاؤول أرئيلي، فقد كتب «أن اسرائيل مستفيدة من التطبيع مع العرب لكنها بالمنظور البعيد ستتعرض لخسارة استراتيجية خطيرة إذا ظنت أن السلام مع البحرين والإمارات سيعفيها من تسوية الصراع مع الفلسطينيين».