قضايا و آراء

القرب حرمان

مداني حديبي/

 

لا يلجأ الفرد إلى الاستدانة وعنده رصيد مذخور .. ولا للاستيراد وعنده كل المصانع والمعدات.. إن على مستوى الماديات أو المعنويات.. فهناك ظاهرة تستوقفك كثيرا.. ظاهرة تجاهل أهل الفقه
والتخصص في بلدك ودعوة أهل العلم والخير من خارجها لتلميع صورة الملتقى وجذب المدعوين بالأسماء اللامعة ودعاة الفضائيات ونجوم الإعلام… مع يقيننا بحسن نية الجهة المنظمة فهي مضطرة أحيانا ولو كلفها الأمر ماديا لدعوتهم.. لأن الحضور سيكون باهتا محتشما إن اقتصرت على علماء الوطن.
ذلك لأن القرب حرمان والألفة الغافلة تفعل فعلها في تجاهل أهل العلم في بلدك.. فمُغنية الحي لا تطرب.
وقد كتب صاحب الماجريات عن النماذج العالية التي استثمرت وقتها في التحصيل والتصنيف وبدأ بعظيمين جزائريين.. الشيخ البشير الإبراهيمي والمفكر مالك بن نبي.
ثم يأتي من لا يلتفت إلى كتبهم وفكرهم إلا بعد أن يشهد لهم المشارقة ويحتفوا بهم.
أعرف الكثير من أهل الابداع الذين يعانون من التجاهل والاحتقار والانتقاص ذنبهم الوحيد أنهم أهل البلد.
فقد تعجبت كثيرا لدعوة فقيه من خارج الوطن لشرح متن من المتون وعندنا من يشرحه شرحا بالسند العالي بنفس طويل متدفق.. ليس عصبية مقيتة ولا جزأرة للعلم والتوجيه.. بل المفروض نبدأ بالأقرب فالأقرب.. إن كان متمكنا متخصصا.. فإن لم نجد فلا مانع من دعوة أهل التبحر والتخصص من أي جهة كانت.
وحضرت مرة لمنشد متألق جزائري استضاف منشد ضيف الجزائر.. فلما أنشد الجزائري فلا تسأل عن التثاؤب والانشغال بتصفح الهاتف الذكي.. أما حين جاء دور الآخر للإنشاد اهتز القوم وتمايلوا وكأنهم يسمعون الإنشاد أول مرة في حياتهم .. على الرغم أن المنشد الجزائري كان هو الأول في مسابقة عالمية..؟!.
وفي إحدى الملتقيات فتحوا للشباب النقاش فقام أحدهم ليقول لهم المرة القادمة أرجوكم وجهوا الدعوة لعلماء من خارج الوطن.. وكان حاضرا في الصف الأول مجموعة من الفقهاء والمفكرين الجزائريين.. ولو قال لا تقتصروا عليهم لهان الأمر.. لكن لا أدب ولا ذوق.. بل تجاهل وتطاول.
وحتى على مستوى الفيسبوك والتويتر إذا كتب من هو خارج البلد جملة.. دعاء أو حديثا أو حكمة.. أو أي كلام تنهال عليه التعليقات وتتدفق الاعجابات.. فقط لأنه ليس مغنية الحي التي كرهوا من تكرر نغمها ولو كان ساحرا آسرا.
هذه الظاهرة دفعت بمئات الطاقات من تخصصات مختلفة إما إلى التواري والاعتزال أو الهجرة خارج البلد فيجدون مراغما كثيرة وسعة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com