فهرســة الأفكار ….فــنّ قصّرنا في تحقيقــه وتعلــيمه
يكتبه: حسن خليفة/
لفت نظري عنوان كتاب صدر قبل مدة قصيرة وهـو.. «الدليل المفهرَس لأفكار مالك بن نبـي» للأستاذ سليـمان طيّار، وقدم له الأستاذ الدكتور نذير طيار الكاتب والأكاديمي الرياضياتي والمترجم المعروف.
اللافت للنظر هو هذه التقنيـة العقلية (إن صحّ التعبير) والتي تعمـل على تحويل أفكار هذا المفكر الكبير إلى أطروحات فكرية متكاملة في شكل «أفكار» أو «رؤوس موضوعات» «أو فلنقـل تحويلـها إلى «فوائد منتقاة» بصـياغة تتيـح ،في أقل تقدير، القدرة علـى الاطلاع على مجمـل أفكار مالك بن نبـي (أو أيّ كاتب أو مفكر آخر غيره)… فيحيط القاريء بأهم ما يجب أن يحيط به وتكون الفائدة حينئذ مضاعفة: الإحاطة بمضمون الكتاب، ومعرفة أهم أفكارالكتاب والكاتب.
الجميـل أن هذه الفهرسة ستســمح بمسـح لمجمل الأفكار، مع تنظيم وترتيب وتصنيف، وكل ذلك سيفيد القاريء أيما إفادة، فينتفع بالكتاب الذي يقرأ، انتفاعا مضاعفا، بل يعينه ذلك على التذكّر بشكل أفضل وأقوى، مما لم تكن ثمة فهرسة وهندسة فكرية للأفكاروتنظيمها.
والواقع يشير إلى أن حياتنا الثقافية والفكرية، خاصة في مجال التأليـف والكتابة، تخلـو من مثل هذه التقنـيات التي تعـد وسائل تعزيـز وتقوية وترســـيخ للأطروحات والأفكار والرؤى، يعمل بها الكثيرون من الكتّاب والمؤلفين والدارسيـن في العالم العربي، ولا نتحدث عن العالم الغربي؛ فقد ذهبـوا بعيدا في هذا المجال.
إن بعضا من تلك التقنيات تُعتمد كوسائل لتعزيز المعارف، في بعض الجامعات من خلال طرحها كصيغة من صيـغ الاختبارات .وللأسف يبدو أننا أبعد ما نكـون عن هذا، كما أننا أبعد ما نكون عن بعض ما اجتهد المجتهدون وسعى الساعـون إلى «تبثبـيته» في نظامنا الثقافي والعلمي والأكاديمي: كالتفكير الناقد، والتفكير الإبداعي، والذكاءات المتعددة، وفنون القراءة، وسرعة القراءة (*) إلخ. والحديث ذو شـجون في هذا الشأن قد نعود إلى بعضه متـى أُتيحت الفرصة.
المهمّ أن ثمة الكثيـر من التقنـيات التي تقود إلى إكساب القرّاء والقارئات، وأيضا طلبة العلم (في كل الفنون والمعارف والاختصاصات) ..إكسابهم «مهارات» متقدمة ،تصقل عقولهم وترتب فكرهـم وتوسّع آفاقهم بشكل غير معهود، وتعينـهم على الاحتفاظ بقدر أوفى من الأفكار والمحتويات والمضامين والتلاخيص لما قرأوه هنا أو هناك، من الكتب والمطبوعات، والمراجع … ومن تلك المهارات:
1- التلخيص بأنواعه (المختصرـ المركز ـ الموسّع ..الخ) وهو تقنية تحريرية غاية في الأهمية ينبغي أن يتدرّب عليها، خاصة طلبة الجامعات، والقرّاء بأنواعهم، لترسخ لديهم «المعارف».
وفوائد التلخيص كثيرة متنوعـة منها بالمختصر المفيد: ربح الجهـد والوقت، التدرّب على ترتيب وتنظيم الأفكار، التدرّب على السرعة والدقة والاتقان، القدرة على فهم مقاصد الكاتب وغاياته..
2- رؤوس الأقلام: وهي أيضا تقنية كتابية(تحريرية) مهمة يكتسب من خلال القاريء(ة) وطالب العلم فنّا جميلا يتمثل في قدرته على وضع رؤوس أقلام تسمح له بتشكيل عناصر أي موضوع، على النحو الذي يريد الإفادة منه. وبالنسبة لقراءة الكتب رؤوس الأقلام تمثل تلخيصات مختصرة مركزة لأهم ما ورد في الكتاب، بتعبيرالقاريء وصياغاته، وسيسمح له ذلك بفتح أفق مهم في توليد الأفكار، وتسجيل الملاحظات ذات الصلة.
يحتاج الأمر في التقنيتين السابقتين التعلـم الواعي الذكي، ولكن يحـتاج أكثر إلى التمرّن والتدرّب والتكرار حتـى تستقيم هذه الصيغة وتُسلـم له القياد. وما أحوجنا إلى تعليم وتدريب طلابنا على مثل هذه المهارات (التواصلية) في مجالات: القراءة، الكتابة، الاستماع (إذ التلخيص له أيضا علاقة بالاستماع إلى المحاضرات والدروس، والتقاط ما يجب وتسجيله وتلخيصه. والطالب الذكي هو من يستطيع أن يصـنع ذلك باقتدار وسهولة ومرونة، فلا تفوتـه معلومة في المحاضرة ـ الدرس الذي يلقيه أستاذه.
وإلى حين استواء بيئتنا لتطبيق هذه التقنيات والمهارات، هذا مثال حيّ عن شيء قريب من فهرسة الأفكار، وأقرّ هنا أن من بين الدكاترة الذين اشتغلوا ـ بأنفسهم ـ في هذا الحقل (التلخيص وفهرسة الأفكار) الأستاذ الكاتب اللغوي المربي الكبير الدكتور عبد الكريم بكّار؛ حيث يعمد في الغالب غلى جعل الصفحات الأخيرة من كتبـه في هذا الشكل ويسميـه (فوائـد منتقاة) أو بأي اسم آخر، يلخص فيه الكتاب تلخيصا بديعا، بتقييد كل الأفكار التي وردت فيه. وهذا مثال من كتابه البديع «طفل يقرأ»، نورده على سبيل المثال لا الحصر:
*****
فوائد منتقاة من كتاب (طفلٌ يقرأ) للدكتور عبد الكريم بكار:
– حرمان الأطفال من رؤية قدوة في محيطهم يشكل نوعا من اليتم المعنوي.
– المتعلم الذي لا يقرأ ليس أفضل حالا من الذي لا يعرف القراءة.
– قراءة الكتب الجيدة هي مثل مجالسة أشرف الناس من عصور مضت.
– الطفل الرضيع بحاجة إلى ثلاثة أشياء: الحليب وحنان الأم والحكاية.
– أثبتت الدراسات أن معظم المبدعين كانوا في صغرهم قرّاء ممتازين.
– لا يكون البلد متحضرا إذا كان لا ينفق على شراء الكتب أكثر مما ينفقه على ارتياد المطاعم.
– من بركات القراءة أن من يقرأ كثيرا تساوره الرغبة في أن يكتب.
– الكتاب حين يكون فوق الرف يشبه بالميت وتدب فيه الحياة حين تمتد إليه يد القارئ.
– أفضل الكتب هي تلك التي تستحث القارئ على إتمامها.
– أفضل العلم معرفة العبد بربه عز وجل.
– غرفة بلا كتب مثل جسد بلا روح.
– تدل الأسئلة على عقل صاحبها أكثر من الأجوبة.
– تغيير السلوكيات شاق ويحتاج دائما إلى صبر ومثابرة.
– التعليم الجيد مكلف، والتعليم الرديء أعظم كلفة منه، ولكن على المدى البعيد.
– الحكاية أفضل وسيلة لغرس القيم وهي أفضل بديل عن اللوم والتوبيخ
– القراءة ليست قناة لاكتساب المعرفة، وإنما هي وسيلة حياة
*- إن الذي لا يعرف شيئا إلا عن جيله يموت طفلا.
– سئل أحد العباقرة: لماذا تقرأ كثيرا؟ فقال: لأن حياة واحدة لا تكفي.
(ومن وعى التاريخ في صدره أضاف أعمارا إلى عمره).
– تظل الجاذبية لفعل شئ أنجح من الإكراه عليه
– القراءة حياة توازي الحياة نفسها.
– ترسم الخطوط العميقة في شخصية الطفل خلال السنوات الست الأولى من عمره.
– إعراض شبابنا عن القراءة مشكلة أكبر من مشكلة البطالة والطلاق وإدمان المخدرات، لأن الجهل هو الطريق السريع لكل ذلك.