قضايا و آراء

إسماعيل حامد والتمازج العربي البربري/أ. سيفاوي عبد اللطيف

إسماعيل حامد، عاصر بلقاسم بن سديرة الذي تحدثنا عنه في مقالنا الأخير ، وإن كان  مساره المهني يختلف عن مسار ه ، إلا أنّ توجههما الفكري متقارب وخاصة فيما يخص بعض المسائل التي أثارها كل منهما حول الموضوع الذي يهمنا، أي الدراسات البربرية  .

كما أنّهما يعدان من الشخصيات التي بحكم اهتماماتهما وطبيعة دراساتها من المُطَّلِعين عن قرب على الملف الذي يعنينا.

ترجمة إسماعيل حامد غير مكتملة لحد الآن، وهي مستخرجة من كتابته في الأغلب، ولد بالجزائر في 4 غشت 1857، ودرس بها العربية والفرنسية، تخرج من المدرسة السلطانية لينتقل إلى الثانوية ثم يواصل تعليمه بفرنسا في الكلية الحربية سان سير، ويتخرج كمترجم ويصبح من المترجمين الأساسيين في قيادة الأركان العامة للجيش الفرنسي .

شارك في مهمات  للسلطات الفرنسية سنة 1899-1900بالمغرب الأقصى حيث عين مديرا الدراسات في معهد الدراسات العليا المغربية من 1919 إلى 1925 وله كتاب يجمع دروسه بهذا المعهد بعنوان “تاريخ المغرب”.

ولقد أصدر سنة 1906 كتابه “مسلمو شمال أفريقية”، الكتاب الذي سيكون محل اهتمامنا في هذا المقال والذي هو عبارة عن استعراض لتاريخ الجزائر منذ العهود القديمة إلى بداية القرن العشرين، ومحاولة منه تقديم قراءة لهذا التاريخ تنسجم مع طروحاتة الإندماجية والذي يمكن من خلاله تأكيد ما لاحظه الدكتور سعد الله عن جيل الثمانينات والتسعينات من القرن التاسع عشر من المثقفين الجزائريين الذين لم يتجاوز أغلبهم في دعواتهم إلى” التقدمية” الخطوط الحمراء، فقد كان جيلا لا يزال مرتبطا بالماضي ومراعيا لدينه ولغته، رغم ابتعاده عنهما تدريجيا .

ولقد كانت ثقافتهم العربية تجذبهم إلى اتخاذ مواقف ضد الإندماج الكلي، في حين أنّ الجيل الذي أعقبه في بداية القرن العشرين كان منقسما على نفسه، بين تيار مفرنس اندماجي وتيار محافظ، مع ملاحظة أنّ هذه الفئة من الإندماجيين المسلوبين “لم يكونوا جميعهم سواء في تطرفهم أوجهلهم وتنكرهم لماضيهم “على حد تعبير الدكتور أبو القاسم سعد الله، وأنّ إسماعيل حامد يمكن تصنيفه في فئة المنادين بالإندماج التدريجي وأنّ تمكنه من اللغة العربية وثقافته الواسعة في مجال الأدب العربي والحضارة الإسلامية جعلته يظهر بمظهر المعتدل في طروحاته .

الذي يهمنا من كتاب حامد إسماعيل الذي أشرنا إليه، أنّه يظهر من جهة  سعة معرفته بالدراسات التي اهتمت بالمسألة البربرية من جهة، ومن جهة ثانية يكشف عن تحفظه الواضح على كثير من الطروحات التي تعتبر من المرتكزات الفكرية والتاريخية لمنظري النزعة البربرية .

ويظهر اطلاعه الواسع بالدراسات والمراجع الأساسية التي اهتمت بموضوع البربر من خلال أعماله الكثيرة التي اتسمت بالعمق والإستيعاب وليس من الصدف أن يكتب مقالا تأبينيا عن المستشرق رينيه باصيه، الذي اعتبره المؤسس الحقيقي للدراسات البربرية وسيدها، وقدم تفاصيل عنه وعن أعماله وعن مدى تأثيره في مجال الدراسات البربرية .

إسماعيل حامد يرفض فكرة المجتمع الجزائري المنقسم على نفسه المعادي بعضه لبعض .

فهو يرى أنّ البربر والعرب يشكلان كتلة واحدة منسجمة، يصعب التمييز لاعتبارات تاريخية بين من هو عربي ومن هو بربري، معتبرا أنّه لم تحدث فيهم وبينهم خصومة أو عداوة على أساس العرق طيلة تاريخهم الطويل منذ الفتح الإسلامي .

كما يؤكد صاحب الكتاب أنّ في إفريقيا وإسبانيا أيضا وفي كل العهود تحرر العرب والبربر الذين دخلوا في الإسلام من كل نزعة عرقية أو طائفية أو جذور تاريخية معتبرا أنّ الحضارة الإسلامية كانت عربية اللسان ومتعددة الأعراق، فالحضارة العربية فرضت نفسها كتعبير في التاريخ فهذا كان بالنسبة للسان والآداب وأنّه  سيبرهن كيف أنّ الشعبين العربي والبربري تمازجا تقريبا بشكل كلي، لتكوين جنس مختلط.

وبعد تفصيل تاريخي طويل يخلص، إلى الإندماج البالغ للبربر في الحضارة العربية لغة وعلوما وآدابا.

وحتى بالنسبة للزحف الهلالي على المنطقة فيرى حامد أنّه لم يترتب عنه تلك الكوارث والتغييرات التي تحدث عنها الكثير من المؤرخين والباحثين الفرنسيين، وأنّ العرب كلهم من الفاتحين إلى الهلاليين قد تمازجوا كلية مع السكان الأصليين ولا يمكن أبدا الفصل بينهما، وأنّ التقسيم الذي على أساسه يعتبر الرحل عربا، والمستقرون بربرا ليس صحيحا.

كما أنّه يعتبر أن انتشار اللغة العربية بالمنطقة مرده إلى الإسلام السني في البداية، واستمر مع الدولة الفاطمية، وتم أساسا بفضل وصول كثير من العائلات البربرية إلى سدة الحكم وتأسيس إمارات ومراكز أدبية ومدارس لتعليم اللغة العربية.

ويخلص الكاتب إلى أن إندماج البربر في الحضارة العربية في بعدها اللغوي والأدبي والعلمي كان عميقا، وأن الذين تألقوا منهم في مجال الآداب ليسوا بالقلة، معتبرا أنّ سيطرة الجنس العربي لم تدم أكثر من قرنين ونصف، وابتداء من سنة 953 م عندما حوّل  الأمير الفاطمي المعز مركز سلطته إلى القاهرة، انتقلت السلطة إلى البربر وتكرس استقلالهم.

ويرى حامد أنّ اللغة البربرية كانت دائما لغة شفوية ولم تكتب أبدا بحروف خاصة بها، يسمح لها بأن تحدث حركة فكرية ورفع معالم، فكانت بذلك دائما لغة الدرجة الثانية .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com