قطار الانشقاق إلى أين؟

أ. آمنة فداني/
الانشقاق الأسري مرض مخيف ومشين منبعه العديد من الأسباب في عالم ملؤه عدم الأمان والتوتر، وهو يصيب في المقام الأول الأسرة المضطربة، حيث يقتل فيها كل أمل في إصلاحها وترميمها. إن بناء الأسر والسهر على ثباتها وديمومتها أقوى وأصعب من أي بناء آخر، فكم من أسر يراها البعض من الظاهر في طمأنينة وسكينة بينما تعيش حياتها ممزقة الأوصال، فصورة الواقع الحالي لبعضها مؤلم حقا لأن سرعة الانحذار باتت فوق التصور.
الإنسانية عامة لم توجد على الأرض مصادفة غير مقصودة أو فلتة عابرة، إنما خلقها واستخلفها المولى تبارك وتعالى عن قصد وتدبير إن شاءت التزمت وعندئذ تكون من المهتدين بهديه تعالى وإن شاءت لم تلتزم وعندئذ ستحمل أثقالها وأثقالا مع أثقالها.
الإنسان إنسان بما هو شريف لأجله وهو الذي يحمل الخلق على حمد صنيعه، من خلال إنصاف نفسه من الناس وإنصافهم من نفسه، فلابد لك في الحياة أن تسعى لبناء أسرة مطمئنة سليمة بأسلوب جدي منتظم على امتداد الوجود الزمني الحضاري يتوارث للأبناء، فهذا من المشروعات التي تستحق العناية وأولوية التنفيذ، فالمرأة والرجل عبارة عن جزءان في واحد يستر بعضه بعضاً قال تعالى {هن لباس لكم وأنتم لباس لهم}البقرة 187. فكلاهما قوة اجتماعية وكيان مشترك يسهم في ازدهار الأمة وبناء مجدها.
الوفاء بين الزوجين علامة الصادقين ولا يتم ذلك إلا إذا صدق القول الفعل بينهما، لأن كلا منهما يستطيع بما وهب من نعمة العقل والبصيرة أن يحسن التدبير وتسويق العرض، فالتوازن واحترام الأدوار بينهما نقطة مهمة في صناعة الاستقرار وترميم الأسرة من الداخل، كل هذا بالتركيز على تعلم طرق التأقلم ومباشرة الحياة الصحية، تطبيق وسائل تعميق الترابط وكيفية الحفاظ عليه وينظر إليه على أنه تشريع رباني مقدس، علاج القضايا بالأخلاقية الحوارية وليكن حسنا تعاملكما، رقيقا تخاطبكما، دقيقا تفاهمكما، هذا هو الزواج الإنساني في وضعه الصحيح من جهة الأفراد والمجتمع، سكن تسوده مجموعة قيم وفضائل تستريح فيه النفوس إلى النفوس فالإحسان بين أفراد العائلة يقويها.
– الاختلاف نعمة يجب أن نقر بهذا فهي المشيئة القدرية، فاحرصا على أن يكون اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد وهذا من خلال ترك متسع للرأي والرأي الآخر، وإن وقع خصام يترك للصلح موضعا فالتنوع داخل الإطار الرحب يحكمها في النهاية حبل متين والرصيد في الثبات يزيد في إدراك المقصد من خلال المرور إلى عمق الحقيقة بمشاعر المصير المشترك.
– تتأثر البنية الأسرية أحيانا جراء أمور تافهة يضعها البعض وفي لحظات تتوتر فيها الأعصاب فتتعذر الرؤية الصائبة وإن لم يلجم الأمر في حينه يصل إلى مرحلة الخطر وبالتالي يتوارى الحكم السليم، عندئد زمن الأسرة زوالها قد بدأ إلى نهاية غير سارة.
– حين يعجز العقل المجرد في الحسم فإن سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيدينا تمنحنا الحل في لحظة الخطر، فحياة جديدة أساسها العدالة واحترام الآخر كفيل بتجنيب الانشقاقات واتجاه الزوجين لما هو أهم نحو دينهم ومجتمعهم واكتساب الباقيات الصالحات قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر) رواه مسلم.
– لا يجوز أن نترك هذا الحصن يتهاوى، بل نسعى جميعا لرتق الفتق، فالأبناء الذين لم يفرقهم الموت عن أهاليهم وإنما تفرقوا لأسباب دنيوية جراء انعدام ثقافة التسامح وإذكاء روح التباعد بين الأفراد قال أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله (ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلا، إن اليتيم هو الذي تلقى له أما تخلت أو أبا مشغولا) نسأل الله العافية.
مقال في الصّميم جدير بالمطالعة بتأنّي و بفهم سليم