الذكــــرى الستـــون لعيـــد النصـــر فــي نـــدوة بالـمكتبـــة الوطنيـــة
19 مارس.. نصر أجبر فرنسا على الاعتراف بالجزائر كدولة مستقلة
تغطـيــة: فاطمة طاهي/
تحل بالجزائر الذكرى الستون لعيد النصر المصادف لـ 19 مارس، يوم تاريخي حققت فيه الثورة الجزائرية ما ناضل من أجله أجيال عدة منذ عام 1830م، لتسترجع الجزائر سيادتها واستقلالها، بعد أن أجبرت فرنسا على اللجوء إلى الحل السياسي والاعتراف بالجزائر كدولة مستقلة، وذلك بعد التوقيع الرسمي على اتفاقيات إيفيان يوم 18 مارس 1962م على الساعة الخامسة وأربعين دقيقة، وبعد اجتماعات طويلة دامت 12 يوما متتالية، حيث وقع كل من رئيس الوفد الجزائري كريم بلقاسم ولويس جوكس وزير الدولة الفرنسي المكلف بالشؤون الجزائرية عليها، وبموجبها تم وقف إطلاق النار عبر كامل التراب الجزائري يوم 19 مارس 1962 على الساعة 12 زولا.
هذا واحتضنت المكتبة الوطنية يوم الخميس 14 شعبان 1443هـ الموافق لـ 17 مارس 2022م، ندوة تاريخية مزدوجة احياء للذكرى العاشرة لتأسيس جريدة “التحرير”، وتزامنا مع الذكرى الستسن لعيد النصر، هذا وحاضر بالندوة كل من البروفيسور مولود عويمر مؤرخ وأستاذ بجامعة الجزائر 2، البروفيسور أحمد حمدي، عميد كلية الاعلام بجامعة الجزائر 3، البروفيسور والمؤرخ محمد الأمين بلغيث، والدكتور محمد بوعزارة أستاذ بكلية الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر 3، وذلك بحضور ثلة من الباحثين والمثقفين في الحقل الإعلامي والتاريخي.
البروفيسور مولود عويمر: لتراث الجمعية أرشيفا كاملا بإيجابياته وسلبياته.
وفي مداخلة ألقاها البروفيسور مولود عويمر بالندوة التي نظمتها جريدة “التحرير” تزامنا مع الذكرى المزدوجة التي توافق تاريخ تأسيسها والذكرى الستين لعيد النصر، أشار إلى تاريخ عميدة الصحف العربية “البصائر”، حيث أصدرتها جمعية العلماء المسلمين في 27 ديسمبر 2022م، لتكون لسان حالها وذلك لأهمية سلاح الإعلام في نشر الوعي الديني والوطني بين أوساط الجزائريين، وقبلها صدر عن جمعية العلماء مجموعة من الجرائد لكنها لم تعمر طويلا بسبب إدارة الاستعمار الفرنسي، كجريدة “السنة” التي صدر لها 13 عددا، وجريدة “الشريعة” التي صدر لها سبعة أعداد، ثم تأتي جريدة “الصراط” الذي صدر لها 13 عددا، وفي سنة 1935 أصدرت جريدة “البصائر” الحالية واستمر طبع أعدادها إلى غاية 20 أوت 1939م بسبب أوضاع الحرب العالمية الثانية، وقد صدر لها 182 عددا بقسنطينة، تحت إشراف الشيخ الطيب العقبي ثم الشيخ مبارك الميلي.
كما تحدث المؤرخ عن عودة إصدار جريدة “البصائر” بعد عودة نشاط جمعية العلماء المسلمين إلى الساحة سنة 1947م في عهد الشيخ البشير الإبراهيمي، ويضيف أنه بعد استرجاع الجزائر لسيادتها وبعد التعددية الحزبية وظهور قانون الإعلام، عاد نشاط جمعية العلماء المسلمين ولسان حالها “البصائر” سنة 1992م، وقد صدرت منها 34 عددا ثم توقفت، لتعود إلى الساحة مرة أخرى في عام 2000م في عهد الشيخان أحمد حمامي وعبد الرحمان شيبان.
وأما عن رؤساء التحرير الذين تعاقبوا على رئاسة تحرير جريدة “البصائر” حسب المتحدث: الشيخ عبد الرحمان شيبان ثم الدكتور عبد الرزاق قسوم، الدكتور عمار طالبي، الدكتور مولود عويمر، الأستاذ التهامي مجوري، وحاليا يتولى رئاسة تحريرها الدكتور عبد الرزاق قسوم.
كما أكد البروفيسور بأن جريدة “البصائر” ومن أجل التوثيق التاريخي لها أرشيفها من خلال سلسلاتها الأربع التاريخية المتوفرة والمتاحة للباحثين، حيث تم جمعها وطبعها خدمة وحفاظا على التراث الجزائري.
وردا على أولئك الذين يكنون العداء لجمعية العلماء المسلمين ويجددون هجومهم نحوها يقول الدكتور مولود عويمر: جمعية العلماء وضعت كل ما أنتجته ونشرته بايجابيته وسلبيته في متناول الجميع، وذلك من خلال جمع تراثها ونشره في 16 مجلدا، عكس بعض الحركات الكبرى التي تحذف جزءا من تاريخها وتترك فقط ما يخدم مصالحها. ويضيف قائلا: الذي يعمل في الوضوح حتى وإن أخطأ قد يخطأ لقراءته للأحداث والشخصيات.
وفيما يخص تطلعات وآفاق جريدة “البصائر”، أشار الدكتور مولود عويمر إلى أن الجريدة يُطبع منها حاليا 1000 عدد، في حين كانت تطبع سابقا 8000 عددا، مشيرا إلى أنه على الرغم من التحديات فإن جريدة “البصائر” تقاوم من أجل البقاء خاصة وأن لها قراء أوفياء من النخبة والمفكرين. ويقول في هذا الصدد: نحاول التأقلم مع مختلف التحديات.
البروفيسور محمد الأمين بلغيث: الاتيان بالأرشيف الجزائري من فرنسا قد تكون مساوئه أكثر من محاسنه.
هذا واعتبر البروفيسور محمد الأمين بلغيث، في مداخلة له حول كتابة المذكرات الشخصية معتمدا على مذكرات المجاهدين كنموذج، اعتبر أن كتابة المذكرات لون من ألوان المعرفة التاريخية، وأن التاريخ تكتبه ثلاث فئات الأولى: هي الفئة المكلفة بالكتابة الرسمية “الدولة” من خلال الكتب المدرسية في الأطوار الأربعة التي تصاحب التلاميذ والطلبة على اختلاق مجالاتهم، وتأتي الفئة الثانية المتمثلة في شهادات الأحياء ومذكرات المجاهدين ويقول في هذا الصدد: إن التاريخ الشعبي هو عبارة عن التحقيقات الصحفية والإعلامية الكبرى في مجال السمعي والبصري وفي الصحافة المكتوبة.
وأشار أيضا المؤرخ إلى بعض مذكرات الفاعلين الأوائل، كمذكرات علي كافي الذي ساعده أحد المثقفين في كتابتها، إلى جانب مذكرات أحمد توفيق المدني و لخضر بورقعة. فيما يخص الأرشيف الجزائري يقول البروفيسور محمد الأمين بلغيث: الاتيان بالأرشيف الجزائري من فرنسا قد تكون مساوئه أكثر من محاسنه.
البروفيسور أحمد حمدي: مفردات الخطاب الإعلامي الجزائري وفق السياقات التاريخية
في سياق آخر، يضيف البروفيسور أحمد حمدي، عميد كلية الإعلام والاتصال السابق، أن مفردات الخطاب الإعلامي الجزائري متباينة خاضعة لسياقات تاريخية مختلفة، حيث أن علاقة الإنسان الجزائري بالصحافة غالبا ما كانت قائمة على الشك والظن، باعتبار أن بداية الإعلام في الجزائر كان من قبل الاستعمار الفرنسي، مضيفا أن المقاومات الجزائرية ولدت مفردات جديدة للخطاب الإعلامي، فتصالح القارئ الجزائري مع الصحافة سنة 1881م منذ صدور القانون الفرنسي الذي استفاد منه الجزائريون في إصدار الصحف.
ويقول الدكتور أحمد حمدي في نفس السياق: أن الخطاب السائد آنذاك كان دينيا وإرشاديا، مشيرا إلى جريدة الاقدام الصادرة في عهد الأمير خالد. ويضيف أن المفردات المتعلقة بالمواطنة تكررت في بيان أول نوفمبر 17 مرة، وذلك لأساسية خطاب الوطنية في تلك الحقبة، وفي ظل اندلاع الثورة التحريرية حسب المتحدث، فإن مفردات الجهاد والشهادة والنضال…. هي التي تميز بها الخطاب الإعلامي الجزائري.
وبعد استرجاع السيادة الوطنية يقول الدكتور أحمد حمدي: شهد الخطاب الإعلامي الجزائري تحولا كبيرا من خلال تغيير مفردات الخطاب من لغة الوطن والنضال إلى البناء والتشييد حيث أن مؤتمر طرابلس انعكس على الخطاب الإعلامي بظهور مفردات جديدة كالتخطيط والتنمية والتأمينات.
الدكتور محمد بوعزازة: هواري بومدين.. حتى المعارضون لشخصه اعترفوا بقيادته
من جهته كشف الدكتور محمد بوعزازة ملامحا عن الشخصية القيادية للرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، مستشهدا بمذكرات مؤيديه والمتعلقة بمعارضيه، الذين أجمعوا بقيادة هذا الرجل، وذلك لشخصيته التي سحرت وألهمت الجزائريين بكاريزما ثورية وسياسية وقومية صارمة لا سبيل لها لخيانة الوطن أو الفساد “صاحب الأيدي النظيفة”.