حسم الحـــــــــرب بين القوتين الناعمــــــــة والصلبــــــــــة
هل تخسر روسيا معركتها في أوكرانيا سياسيا وإعلاميا؟

إعداد: عبد القادر قلاتي/
قد تحسم روسيا حربها الواسعة على أوكرنيا، عسكريا وتطبق أجندتها المرسومة مسبقا، لكنها لن تستطيع حسم المعركة نهائيا؛ لعدم توفرها على أدوات القوة الناعمة، خصوصا وأنهّا تدير هذه الحرب في مجال مختلف عن واقعها الثقافي الهزيل، وتاريخها غير المشرف في الصراع داخل أوروبا؛ التي تقف في هذه الحرب إلى جانب العدو المفترض لروسيا، وهي أوكرانيا التي تمردت ثقافيا وسياسيا عن الجغرافيا الأم، لتلتحق بالمعسكر الغربي، الذي صنع خللاً داخل الوعي الاوكراني بالانتماء الحضاري، حيث بدأ الحسم نحو القطيعة مع الماضي الجغرافي لهذا الكيان، مع التصفية النهائية للتراث الجمعي بين الرأس المركزي للكيان الروسي، والأطراف الهامشية المكونة له، وعندما فكر بوتين باسترداد مجد الامبراطورية السوفياتية، أدرك بالمقابل المشروع الغربي خطورة التفكير في رجوع هذا المجد، ولهذا فهذه الحرب تشكل لحظة الحسم بالنسبة للطرفين، إما نجاج بوتين باسترداد ذلك المجد، أو فشله في الحرب وانكفائه داخل جغرافيته الواسعة دون التفكير في التمدد والتوسع المعهود لهذه الامبراطورية الكبيرة، هذا ما ستسفر عنه نتائح هذه الحرب في الميدان..
ربما تعمد الغرب والولايات المتحدة جر روسيا إلى حرب استنزاف كبيرة، تحولها إلى هيكل كبير بدون روح، وقد تكون روسيا تعمّدت عدم الاهتمام بالقدر الكافي بصورتها التي تبدو عليها أمام العالم، حيث يلعب الاعلام الغربي رسم صورة مشوهة جداً أقنعت العالم شرقا وغرباً ببشاعة هذه الحرب التي يديرها بوتين،.فمنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا كانت التصريحات الرسمية من موسكو قليلة للغاية بالمقارنة مع الأوكرانيين، ومعظمها ذات طابع تقني، بينما كان المسؤولون الأوكرانيون ينشرون كماً هائلاً من المعلومات في وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية، وساعدتهم وسائل الإعلام الغربية التي تغطي الحرب وآثارها المدمرة على تضخيم الأثر الإعلامي، وهذا ما تسبب بالانتشار الواسع حتى في الداخل الروسي لهذه الاخبار الموجهة نفسها بحسب جهات رصد مختصة.
صحيح أن بوتين كان قد وعد شعبه بالنصر وهدد مناوئيه بالدمار، إلاّ أنّه ومنذ البداية كان واضحاً ودقيقاً في تحديد الدافع وراء شن الحرب، بأنّ روسيا لم يكن أمامها من خيار سوى غزو أوكرانيا، ثمّ ذكر تفاصيل تتعلق بتهديدات وتجاوزات الناتو ومظالم تاريخية تعود إلى الحرب العالمية الثانية، وهذا يعني أن المعركة ومن وجهة نظر روسية رسمية ليست بدعوى الانتصار أو الغلبة بقدر ما هي وسيلة لتحسين ظروف التفاوض.
وفي نفس السياق فإن إعلان بوتين وضع قوات الردع النووي بحالة تأهب بالتزامن مع الإعلان عن محادثات بدون شروط مسبقة جرى تغيير مكان انعقادها وفق رغبة الأوكرانيين، هذا الإعلان يأتي استعداداً لوقف متوقع لإطلاق النار من المفترض أن ينتج عن هذه المفاوضات، بعد الحصار الاقتصادي والسياسي غير المسبوق الذي تفرضه دول أوروبا والولايات المتحدة على روسيا، حيث يختصر الخبراء دوافع بوتين من التلويح باستخدام السلاح النووي بأنها طريقة الكرملين للرد على الدعاية السيئة بحق روسيا وتصوير روسيا بمظهر الضعف والانكسار وهو ما ينعكس سلباً على معنويات الروس في الداخل وحلفائهم في الخارج، كما أن هذا الإعلان عن التأهب النووي من شأنه أن يُوصل رسالة إلى الولايات المتحدة والأوروبيين بأن روسيا مستعدة للذهاب بهذا الصراع حتى النهاية، ومن ناحية أخرى تدرك روسيا جيداً أن العديد من الدول الأوروبية تشعر بالرعب الشديد من استحضار شبح الأسلحة النووية والتلويح بها وبالتالي قد تتوقع روسيا من هذه الدول التراجع عن مشاركتها في حصار روسيا إذا ما تمّ التلويح باستخدام هذا السلاح الفتاك.
يُنظر للتلويح الروسي باستخدام السلاح النووي، بقدر كبير من الجدية، لأنّ التراجع العسكري وخسارة بوتين -إن وقعت – في أوكرانيا فستضعف وضعه الداخلي كثيراً وقد تعني إزاحته عن السلطة وربما انهيار المنظومة التي أنشأها هو وأتباعه.