وزارة الثقافة تنظم مسابقة “البطولة الوطنية للقراءة – مالك بن نبي”

أ. محمد مصطفى حابس جنيف/سويسرا/
طالعت منذ عقود مؤلفات مالك بن نبي ولم أفهمه جيدا لحد اليوم كما ينبغي فهم المتخصصين، علما أني كتبت أول مقالاتي عنه منذ عقود خلت، وأنا شاب في جريدة “الفجر” التي كانت تصدرها ثانويتنا ونحن تلاميذ صغار، وها أنا ذا أعود لتصفح بعضها، بعد أن كلمتني هذا الأسبوع طالبة جزائرية تدرس الأدب بالفرنسية، تستفسر عن كاتب جزائري له وزنه باللغة الفرنسية، وقد أخبرتني أنه اقتُرحت عليها بعض الأقلام الجزائرية المعاصرة منها، آسيا جبار، كاتب ياسين، يمينة مشاكرة، ويسمينة خضراء غيرها من الكتاب.. فاستوقفتها مستفسرا من جهتي!! هل تعرفين مالك بن نبي صاحب كتب بالفرنسية، كمذكرات شاهد القرن، الطفل والطالب؟ ردت علي متـأسفة..”أسمع عن مالك بن نبي، لكني لم أقرأ له مطلقا، وكنت أظن أنه معرب وليس مفرنسا؟!”.
علما أن بنتنا هذه كانت تدرس في جامعة قسنطينة والمفكر مالك بن نبي من مواليد قسنطينة وتعود في العطل لعائلتها في كل من مسكيانة وتبسة كما كان يفعل مالك بن نبي لزيارة عائلته تقريبا، هذا الأمر وأمور أخرى دفعتني هذا الأسبوع للعودة للموضوع بذاكرتي لسنوات خلت، لأشرح لها قيمة الرجل العلمية عموما وفضله على الجزائر في ميادين كثيرة كملتقيات الفكر الإسلامي والعمل الطلابي في الجامعات، مذكرا إياها أنه في نهاية الثمانينات، مع الانفتاح “الديمقراطي” عاد بعض طلبته لرفع المشعل حيث أسس بعض الاخوة الأساتذة بجامعة الجزائر المركزية، جمعية أطلق عليها اسم المفكر الإسلامي وسميت يومها “جمعية مالك بن نبي للدراسات والآفاق الإسلامية”، وترأسها أستاذنا الكبير الدكتور محمد السعيد مولاي – حفظه الله- مدير معهد الرياضيات بباب الزوار، وهو أحد تلاميذ مالك بن نبي النجباء الأوائل، وعضوية الدكتور محمد ثابت أول ومجموعة من الأفاضل والفضليات، وانتخب العبد لله أمينا عاما للجمعية، علما أنه أصغرهم سنا وشأنا، لأن فيه من أعضاء الجمعية هم من هم أولى وأكفأ..
حكيت لها أن الجمعية انطلقت في جمع الطاقات وبدأت فعلا بنشاط واعد في الجامعات الجزائرية منها ندوات في كل من جامعة الجزائر المركزية ثم جامعة قسنطينة وغيرهما، وقد نشرت حينها بعض نشاطات الجمعية، يمكن الرجوع إليها في أرشيفات الصحافة المحلية، منها حوارات نادرة مع زوجة مالك بن نبي رفقة الكاتبة الفرنسية المسلمة مليكة ضيف.. وبعض أفراد عائلة مالك منهم ربيبه مقداد، قصد جمع تراث مالك وأيضا حوارات أخرى متلفزة مع من تتلمذ عن مالك بن نبي مباشرة أو جلس في بعض حلقاته وكان آخرهم حوار مطول مع أحد تلاميذ مالك، أستاذنا الشيخ راشد الغنوشي حفظه وقد حاورته شخصيا رفقة أستاذنا المرحوم الدكتور مصطفى بلعيد (أولاد ميمون)، ونشرنا ذلك في يومية المساء الجزائرية ومجلة التذكير الفصلية التي تصدر عن مسجد الطلبة بجامعة الجزائر، طبعا لم تعمر كثيرا يومها “جمعية مالك بن نبي للدراسات والآفاق الاسلامية” وتوقفت نشاطاتها لأن طوفان الفتنة الذي داهم الجزائر في العشرية السوداء جاء على الأخضر واليابس..
ومن ذلك الوقت وأنا أتابع الموضوع عن بعد، إلا أنه في المدة الأخيرة أخبرني أحد أساتذتنا أنه صدر عن دار الفكر بدمشق “الأعمال الكاملة لمالك بن نبي” في خمسة مجلدات – طبعا بالعربية-، جُمعت في مجموعة واحدة؛ ورتبت بحسب تاريخ تأليفها، لتتيح للقارئ الكريم فرصة الاطلاع على حركة أفكاره؛ من أين بدأت، وكيف نمت وتطورت.. وتضمنت المجلدات عناوين معروفة مثل: شروط النهضة، وجهة العالم الإسلامي، فكرة الإفريقية الآسيوية في ضوء مؤتمر باندونغ، فكرة كومنولث إسلامي، مشكلة الثقافة، الصراع الفكري في البلاد المستعمرة، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، مذكرات شاهد القرن، بين الرشاد والتيه، المسلم في عالم الاقتصاد، مجالس دمشق، من أجل التغيير، الكتاب والوسط الإنساني.. مبشرا إياها، بأن هناك بعض الهيئات الآسيوية تسعى اليوم لجرد آلاف الدراسات التي خصصت لفكر مالك وأعماله بلغات شتى، وبالتالي فإن “غربة مالك بن نبي قد آذنت بالأفول على ما يبدو، فأفكاره التي استعصت على الفهم لدى أجيال النكبة والانتكاس الحضاري، قد أخذت طريقها الآن إلى جيل الشباب الذي استهدفه مالك رحمه الله”- كما جاء في كلمة دار الفكر التي تشرف على نشر وتوزيع كتب الأستاذ مالك-، مضيفا أن هناك دول استفادت من أفكار مالك في آسيا خاصة في كل من ماليزيا وإندونيسيا وغيرها.
واليوم وصلتنا بشرى سارة أخرى، قد تضاف لبعض الجهود الجزائرية المبذولة، إذ أطلعني أحد الأساتذة الأعزاء الأفاضل، أن وزارة الثقافة ممثلة بالوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، “تنظم البطولة الوطنية للقراءة، التي تحمل اسم أحد أعمدة الفكر في الجزائر مالك بن نبي، وحدد تاريخ 31 مارس الجاري كآخر أجل لاستقبال الأعمال المشاركة”..!!
كما كشفت الوكالة الجزائرية، أن مسابقة “البطولة الوطنية للقراءة – مالك بن نبي”، تنخرط في مسعى وزارة الثقافة والفنون لترسيخ فعل القراءة والمطالعة في أوساط الشباب الجزائري، وتكريم أحد أعمدة الفكر في الجزائر، مالك بن نبي عبر التشجيع على قراءة مؤلفاته واستلهام أفكاره النيرة..
وحددت الهيئة المنظمة، شروط المشاركة في المسابقة، حيث يتعين على المترشح أن يقرأ سبعة كتب من تأليف المفكر مالك بن نبي، باللغة العربية، وتلخيصها، وتخص هذه المسابقة كل الجزائريين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة.
وتتم عملية الانتقاء الأولي للمشاركين بعد قراءة كتاب واحد عنوانه “ميلاد مجتمع” وتلخيصه، بعدها يتم إرسال عناوين الكتب إلى المشاركين المؤهلين .. ويمر المترشحون المؤهلون للمشاركة في المسابقة، بعد عملية الانتقاء، بثلاث مراحل من التصفيات إلى المرحلة النهائية.
وأوضحت الوكالة، أن الملخصات تقيّم من طرف لجنة تحكيم مختصة متكونة من شخصيات فكرية ذات خبرة معتبرة، على أن يتم استقبال المتأهلين إلى المرحلة النهائية من أجل “إقامة قراءة” بدار عبد اللطيف في الجزائر العاصمة، وهذا تحضيرا للامتحان الكتابي والشفوي أمام لجنة التحكيم.
ويتنافس المترشحون على المراتب الثلاث الأولى للمسابقة، ويكرمون بجوائز مالية تتراوح بين 300 ألف دينار و100 ألف دينار.
وهنا، بقدر ما فرحت بالمبادرة ونوعية النشاط المميز والهيئة المحترمة التي تشرف عليها، تأسفت كثيرا للطريقة الضحلة التي قدمت بها المسابقة، إن كانت فعلا مسابقة وطنية وبهذا الحجم، شابتها الكثير من قلة المهنية والعجلة والارتجال، منها على سبيل المثال لا الحصر، حسب ما اشتكت لنا بعض الجهات في أوروبا:
– أولا : لماذا تحديد سن المشاركين (18/35سنة) فالعلم لا يعرف سقفا للعمر، وتشجيعا للشباب فلتكن من 15/45 سنة أو أكثر وليس ما بين 18 إلى 35 سنة تحديدا؟ لماذا يُحرم الشاب المتفوق الذي عمره أقل من 18 سنة أو أكثر من 35 سنة من المساهمة والحضور الايجابي في مثل هذه الموائد التربوية الثقافية.
– ثانيا : فيما يخص مدة التحضير، يُطلب من شبابنا في أقل من 20 يوما، تلخيص كتيب فيه 130 صفحة إلى 7/10 صفحات، أي تلخيص كتاب دسم من كتب بن نبي ككتاب “ميلاد مجتمع” على قلة صفحاته وكثرة مادته وأفكاره!! وهذا أمر يصعب حتى على أهل الاختصاص.
– ثالثا : يتنافس المترشحون على المراتب الثلاث الأولى للمسابقة، ويكرمون بجوائز مالية تتراوح بين 300 ألف دينار و100 ألف دينار، أي بعملية حسابية بسيطة 300+200+100 ألف، المجموع 600 ألف، ما يقابل تقريبا 3800 أورو للمتسابقين جميعهم، بالتعبير الجزائري “المندبة كبيرة والميت فار”!! لأن 600 ألف د.ج.، ثمن جد زهيد مقابل الجهد المطلوب بذله، قد تتبرع به أية جمعية خيرية صغيرة من الجمعيات الولائية النشطة، فما بالكم بمؤسسة دولة، تابعة لوزارة الثقافة، التي تتكرم بالمليارات لسهرات ونشاطات ثقافية وفنية على مدار السنة لأنشطة أقل شأنا ومردودا من هذه المسابقة بكثير، فسخاء الدولة مطلوب في مثل هذه المحفزات.
رابعا: في مسابقة مهمة ورائدة وذات شأن كهذه لشبابنا، اكتفت الجهة المنظمة، بعدم إعطاء أي رقم هاتف أو تواصل مجانية “كالوتساب” وغيره، مكتفية بعنوان اليكتروني واحد هو:
bennabi.lecture@gmail.com
من باب ” اتهنى الفرطاس من حكان الرأس”، من يدري بعد الإرسال، هل استلمت اللجنة الإجابات أم لا، أم حولت بقصد أو غير قصد لسلة المهملات كما يروج لدى طلبتنا، لماذا لا تكون وسائط أخرى للتواصل والتشاور المجاني وما أكثرها، فالأمر ثقافي علمي تربوي تبشيري تنويري!!
ضف لذلك، وضع الشرط التعجيزي المنفر في مثل مسابقات كهذه، والذي مفاده: “يتم قراءة وتقييم الملخصات من طرف لجنة تحكيم مختصة متكونة من شخصيات فكرية ذات خبرة معتبرة، وقرارها نهائي غير قابل للطعن”؟! نعم بالفم الملآن :”قرار اللجنة نهائي غير قابل للطعن”.. و من الشروط المعيقة، كثيرا ما تزهد الناس في المشاركة فيها، وبالتالي تفوت الفرصة على الأجيال في مثل هذه المحطات من أعمارهم في البحث والتنقيب في كنوز تراث الشعب والأمة، التي هي في أمس أوقات التحفيز على حب الوطن والذود عن حماه !!
في الختام، وبإيعاز من كوكبة من شباب الجزائر المقيم في أوروبا الراغب في المشاركة بالعربية وبلغات غربية أخرى كالأنكليزية والفرنسية، حبذا لو يمدد أجل المسابقة، إلى ما بعد شهر رمضان، على أن تتكرر مثل هذه المسابقات كل سنة حول شخصية ما بعينها من رجال الجزائر وكبرائها، كالإمام بن باديس والابراهيمي وحتى المعاصرين كالوزير الأسبق مولود قاسم نايت بلقاسم والدكتور علي مراد ومالك شبل ومحمد ديب ومولود فرعون ومفدي زكريا وعبد الكريم الجزائري ومحمد المبارك ومازن المبارك وغيرهم كثير … وبالله التوفيق.