المرء مع من لا يفهمه مثل السجين
أ. لخضر لقدي/
الناس أشكال وألوان هذا يعجبك شكله وذاك يروقك مظهره تماما مثل الفاكهة بعضها حلو وغيرها حامض وبعضها قد يكون فيه علاج ومنها ما يسبب الحساسية فإذا ابتعدت عنها نلت الغنيمة والراحة.
والناس أصول ومعادن كمعادن الذهب والفضة والحديد والقصدير فالتبر منها غالي الثمن كثير اللمعان وكــل معــدن يختلف فــي بريقه عن الآخر ويختلف في طول بقائه عن الثمن فمنها سريع الصدأ كثير التآكل.
تجد منهم الهادئ الهادي وتجد منها المارد الجبار, تضع بعضهم في قلبك ,وبعضهم موضوع في جيوب الناس يتصرفون بهم مثل أشيائهم.
ومنهم عظيم الهمة الدائم في القمة الرافض للهوان يزيدك حيوية ويملأ حياتك إشراقا ومنهم المتراخي المتكاسل المتواني ,يزيدك غما وهما ووهنا وكسلا وإحباطا, وبعضهم غذاء وآخرون دواء وأخرون داء.
لكل واحد منهم حكاية وهدف واهتمام والعشرة وحدها هي التي تكشف أصيل المعدن وتظهره, ولك أن تضع نفسك حيث تشاء.
ومن شعر الكاتب والمفكر والشاعر والديبلوماسي الأديب عبدالوهاب عزام:
قلت للصقر وهو في الجو عــالٍ أهبط الأرض فالهواء جديب.
قال لي الصقر:
في جناحـــــي وعزمــــي وعنان السماء مرعى خصيب
وفي الناس تجد النبهاء والنبلاء والفضلاء، كما تجد الثقلاء والدخلاء والأغبياء ,ومن حولك تتسع دائرة التوافق والتجانس أو تضيق فإذا اتسعت طابت الحياة وإذا ضاقت صارت الحياة سجنا، عن مُسَاور الورَّاق قال: إنما تطيب المجالسة بخفّة الجلساء وكما يصاب الجسد بالأسقام والأوجاع تصاب الروح بالوهن أخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق عن جبريل – متطبّبٍ كان بالشام – قال: نجد في كتبنا أنَّ مجالسة الثَّقيل حُمّى الروح.
والحياة مسافة طويلة ونصف المسافة بَصَائِرٌ في النفس والحياة ونصفها الآخر معرفة بالناس والأشياء، وما لم تفهم نفسك وتفهم محيطك فلن تستطيع مواصلة الطريق بنجاح.
ومن جميل الحكم في معاملة ومخالطة الناس: «كلما ابتعدت عن الله عُوقبت بالناس» و«يأتيك الخذلان ممن عصيت الله لأجلهم» و«اعتزل ما يُؤذيك».
فالطيور على أشكالها تقع: الصقور مع الصقور والحمام مع الحمام والرخم مع الرخم ,وكل طائر لمثيله يصفر ويُغرد، ومعه يطير وإلى وكره يصير.
ومن لا يفهمك, أولا يعرف قيمتك فإن طريقك معه ثقيلة وحياتك معه مستحيلة وعندها تكون:
وحدة الإنسان خير *** من جليس السوء عنده
وجليس الخير خير *** من جلوس المرء وحده
قالت عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى: فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ…هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الثُّقَلَاءِ.
وأَنْشَدَتْ بَيْتَ لَبِيْدٍ:
ذَهَبَ الَّذِيْنَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِم وَبَقِيْتُ فِي خَلْفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ.
وكان القاضي عبد الوهاب المالكي يعيش في بغداد وقد ناله فيها ضيق العيش فقال:
بَغْدَادُ دَارٌ لِأَهْلِ الْمَالِ طَيِّبَةٌ وَلِلْمَفَالِيسِ دَارُ الضَّنْكِ وَالضِّيقِ
ظَلَلْتُ حَيْرَانَ أَمْشِي فِي أَزِقَّتِهَا كَأَنَّنِي مُصْحَفٌ فِي بَيْتِ زِنْدِيقِ!
وقيل في تفسير قوله تعالى على لسان سيدنا سليمان مهددا الهدهد: لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ.النمل…قيل: نتف ريشه..وقيل: يحبس في القفص…وقيل: أن يجعله مع غير بني جنسه فلا يجد إلفا ولا مشابها.
والمرء مع من لا يفهمه مثل السجين, فمن الصعب أن تبتسم في بيت ملئ بالدموع ,وكيف يمكنك رسم أحلامك لشخص أعمى ,أو وصف مشاعرك لأصم, أو كتابة معاناتك لجاهل لا يعرف قراءة ولا كتابة.
وهذا من الضنك والضيق أيضا…ولكم مني ألف تحية وألف سلام.