معوقات في طريق الإصلاح

الشيخ نــور الدين رزيق /
تواجه الحركة الإصلاحية المعاصرة عوائق داخلية و أخرى خارجية، وهذا ليس جديدا بل منذ انطلاق الدعوة إلى هذا الدين و لعل مما هو من داخلها ما جاء في الاثر عن الشَّعْبِيِّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ: «هَلْ تَعْرِفُ مَا يَهْدِمُ الْإِسْلَامَ؟» قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: «يَهْدِمُهُ زَلَّةُ الْعَالِمِ، وَجِدَالُ الْمُنَافِقِ بِالْكِتَابِ وَحُكْمُ الْأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ» جامع بيان العلم وفضله (1869-1867) قال ابن عبد البر بعده : وَشَبَّهَ الْعُلَمَاءُ زَلَّةَ الْعَالِمِ بِانْكِسَارِ السَّفِينَةِ؛ لِأَنَّهَا إِذَا غَرِقَتْ غَرِقَ مَعَهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ ، وَإِذَا ثَبَتَ وَصَحَّ أَنَّ الْعَالِمَ يُخْطِئُ وَيَزِلُّ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ وَيَدِينَ بِقَوْلٍ لَا يَعْرِفُ وَجْهَهُ. جامع بيان العلم وفضله (2/982). وحتى لا نحيد عن ما رسمه سادتنا العلماء رواد الإصلاح و منهم الشيخ محمد خيرالدين رحمه الله وهو يعرف جمعية العلماء قال: لم تكن «جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» حزباً سياسياً، ولم تعمل في ميدان «السياسة الحزبية» التي تكوَّنت في بلادنا خلال فترة تأسيس «الجمعية»، وإنما عملت في ميدان «السياسة العامة» التي تهدف توْعِيَة الأمة، وتكوين المواطن الصالح، وتبصيره بحقوقه في الحرية والاستقلال». انتهى فالتغيير والإصلاح هو التدافع كما هو مقرر بوضوح في القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)؛ (سورة البقرة/ آية: 251)، ومنها ما ورد في الحديث الصحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ نَبِىٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِى أُمَّةٍ قَبْلِى إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ؛ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ»؛ (رواه مسلم). وأساس أي إصلاح أو تغيير حقيقي يجب أن يبدأ من الداخل. وأن يبدأ من داخل نفسه اولا فيجاهدها ويأخذ بالأسباب التي تعينه على ذلك،لا ينتظر أن يأتي التغيير والإصلاح من غيره، وبالتالي فهو غير مطالب ببذل أي جهد لتغيير نفسه. وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا وما استعصى على قوم منال إذا الإقدامُ كان لها ركابا. لكن ينبغي للمصلح من مراعاة الحال من حيث القوة والضعف والمصلحة والمفسدة فالتغيير لا بد فيه من مراعاة هذه الأحوال ولا يصلح الجمود على حال واحد. وهذه هي السياسة والتدبير التي اتبعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحداث التغيير في الواقع، لذا من تمسك بمرحلة واحدة (المكية مثلا) وأهمل الباقي كي يغير تغييراً شاملاً فقد خالف السنة وغالب الواقع الذي ربما غلبه. قد يواجه هذا الاصلاح و التغيير المنشود (معوقات التغيير)، اذ الأفراد أو المنظمات (كالجمعيات أوالجماعات أو الشركات أو الأحزاب السياسية) يعانون من تعثر واضح في مسيرتهم، قد يصل إلى حد الفشل في بعض الأحيان، ومع ذلك تجدهم يقاومون التغيير. فالناس تقاوم التغيير؛ لأنها تتوقع النتيجة السلبية، والخوف من أن النتائج سوف تكون أسوأ مما هي عليه الآن. والمثل العربي الشهير خير دليل على هذا، يقول: السيئ الذي تعرفه خير من الجيد الذي لا تعرفه. و بعض يعيش نظرية المؤامرة مما تجعل الأنظار كلها في حالة حدوث الفشل تتجه إلى الخارج، وترى المشكلة على أنها مؤامرة، وبالتالي فإن الأسباب التي أدت إلى المشكلة هي أسباب خارجية، وهنا يدخل صاحب المشكلة في مرحلة إلقاء اللوم على الآخرين، مما يؤدي إلى عدم مواجهة الواقع وعدم الاعتراف بالخطأ، وبالتالي مقاومة التغيير. يقول جل في علاه: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: 11] اي لن تتحسن أوضاعكم-هذه قاعدة و منطلق – لن تتحسن إلا بأن تعملوا شيئًا وتغيروا، بدءًا بانفسكم.