في ثقافة الوقف …. / حسن خليفة
الوقف لغة: بمعنى الحبس والمنع، يُقال: وقفتُ كذا أي حبستُه. ومعناه شرعا على أبسط التعريفات: حبسُ مال (أو غيره) يمكن الانتفاع به، مع بقاء عينه بقطع التصرّف في رقبته على مصرف مباح موجود، ويجمع الوقف على: وقوف، وأوقاف. كما هو شأن تسمية وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، عندنا، في بلدنا وفي عديد من البلدان العربية والإسلامية. وهناك كلمة أخرى لها نفس المدلول وهي كلمة الحُبس. ومن جميل التعريفات لمسألة الوقف تعريف الإمام مالك رحمه الله له فقال عنه: “الوقف :إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازما بقاءه في ملك معطيه ولو تقديرا”. والوقف والحُبس بمعنى واحد .وهو كل شيء وقفه صاحبه من أصول أو غيرها ، يُحبس أصله وتُسبل غلته . والشرح في هذا الأمر يطول وهو في مظانه من المصادر والمراجع قديما وحديثا ، يُنتفع بمدارستها واستيعابها.
ما دفعني لكتابة هذه الأسطر أمران ، أراهما في غاية الأهمية :
أما الأمر الأول فيتصل بالسعي الحثيث المطلوب منا جمعيا، في الجمعية وحتى خارج الجمعية، إشاعة وترويج الحديث والخطاب عن مسألة الوقف البالغة الحيوية في بلادنا، والتي لها آثار متعدية كثيرة تمس نسيج التنمية الإنسانية جميعها. وهذا أمر نستطيع القول ـ بكل أسف ـ أن حظ مجتمعنا فيه بسيط للغاية، أعني في الحاضر خاصة؛ حيث لا نكاد نجدا وقفا ـ بالمعنى الشرعي والحقيقي ـ لأمر ذي أهمية في مجالات الحياة الكبرى كـ: الطب والتطبيب والصحة، التعليم، التنمية المحلية، كفالة الفئات الهشة والضعيفة في المجتمع… الخ. خاصة عندما نقارن أنفسنا بغيرنا.
وعليه فمقتضى الأمر هنا أن ننخرط في عمل علمي ـ إعلامي ـ ترويجي.. من أجل إيصال الفكرة الخاصة بثقافة الوقف، ومن ذلك ـ على سبيل المثال: العمل على إقامة أنشطة نوعية وفعاليات متنوعة في سبيل إيصال الرسائل المطلوبة لأبناء المجتمع رجالا ونساء/ من أجل إحياء ثقافة الوقف، وإبراز آثارها ونتائجها وقبل ذلك صيّغها وأساليبها وطرقها وكل ما يتصل بها من قريب أو من بعيد فالمجتمع ـ ولله الحمد ـ يزخر بأهل الخير من الصالحين والصالحات الذين لديهم الاستعداد للبذل والإنفاق في أوجه الخير والبرّ والتقوى والصلاح، وهو ما يفسر ذلك الفيض من الأخبار الطيبة التي تنشرها الصحف والفضاءات الإعلامية عن تبرعات وصدقات وهبّات شعبية اجتماعية، بين آن وآخر، من محسنين ومحسنات ، هنا وهناك، في كل أنحاء الوطن؛ دون الحديث عن بناء صروح المساجد ومرافقها المختلفة.
وبالنسبة للجمعية بصورة خاصة أتصور أن عمل الشعب في هذا المجال في مستوى أول وهو “التحسيس” أمر بالغ الأهمية، من خلال لقاءات علمية نوعية وندوات وتوجيهات وتواصل سيفضي ـ بإذن الله تعالى ـ إلى تحقيق هدف مركزي وهو إبراز أهمية الوقف في حياة المسلم والمسلمة، مما ييسُر على الناس ـ لاحقا ـ حُبس ووقف بعض ما لديهم لوجه الله تعالى، أيا كان من أملاكهم وأموالهم، ولكن بالشكل الشرعي المطلوب والذي يجعل الواقف على اطمئنان ومعرفة وتبصّر بمايقوم به؛ وأيضا على معرفة بما يناله من الأجر والثواب من الله تبارك وتعالى، وتحصيل العوائد الطيبة التي سيجرّها “الوقف” على العباد والبلاد. ولسنا في حاجة إلى ضر ب الأمثلة هنا فبعض البلدان الإسلامية والعربية كتركيا والكويت والمغرب وسواها لديها تراث مهم نظريا وعمليا في هذا المجال الإنساني الرحيم الرحيب وللوقف فيها مؤسسات كبيرة متكاملة الأركان لها آثارها الاجتماعية والإيمانية والنفسية في حياة الناس في مجالات الحياة المختلفة .
إذن .. أتصور أن الاهتمام بهذا الأمر على مستوى شُعب الجمعية النشطة، ولائية وبلدية، في مختلف أنحاء الوطن سيحقق المطلوب بعون الله تعالى، ونعني غرس ثقافة الوقف والتشجيع عليها وتيسير أمر الدخول في هذا الحقل الطيب الكريم ببيان كل ماله علاقة بالأوقاف آخرة ودنيا ، وما يتحقق من إصلاح وفضل ونماء وخير بفضل تلك الأوقاف التي يوقفها أهلها على خدمة الدين وخدمة الناس في معاشهم ومعادهم .
وأما الأمر الثاني، فهو تيسير العمل بالنسبة للجمعية بالانخراط في مسار الوقف بالصيغة المناسبة مما سيجعل أعمالها تؤتي أكلها بإذن الله، فهي بالنسبة للحاضر ستكسب وتريح وتوسع مساحات التأثير بالحصول على بعض ما تحتاج إليه في عملها وفي جهادها العلمي والفكري والديني الذي لا يكون بالكلام فقط بل بالمؤسسات والعقارات والهيئات والأوقاف المختلفة، خاصة إذا اتجهت الإرادة صوب تحقيق المنافع الأكبر في مجال كالطب مثلا أو التعليم .فلمَ لا يكون للجمعية أوقاف طبية تعين على التخفيف من آلام الناس وتعالجهم في ظروف أنسب وأرحم كالمشافي الصغيرة والعيادات والمراكز الطبية الاستشارية .ولمَ لا تكون لها مؤسساتها ومعاهدها التعلمية والتكوينية والتدريبية التي تعمل ـبدورها ـ على رفع منسوب الأداء في مجال خدمة المجتمع؟
ثم وهذا أمر هو الآخر في غاية الأهمية ،هناك مايتعلق بأملاك الجمعية وأوقافها السابقة التي أُخذت منها وهي كثيرة ومهمة، في كثير من ولايات الوطن، وهي موثّقة بيّنة ظاهرة،وقد سعت الجمعية مرارا في سبيل استردادها واستعادتها كحق لها، ولكن.. ومن المساعي العديدة ما تم على أعلى المستويات مع الحكومة ووعود كبيرة كثيرة بإعادة تلك الأملاك وإيجاد الحل لهذه القضية …ولكن ـ مرة أخرى… لا شيء في أرض الواقع.
نأمل بالفعل أن يوجد حلّ حقيقي جذري لهذه القضية فتستعيد الجمعية حقّها وأملاكها وأوقافها لتخطوّ بذلك خطوات أوسع وأكبر في خدمة المجتمع الجزائري بشكل أفضل وأرقى.
المطلب الأول :السعي في صياغة منظومة خطاب في مجال إحياء ثقافة الوقف بمختلف الوسائل والوسائط.
المطلب الثاني: العمل على تحقيق بعض الأهداف في مجال الحصول على ما يساعد على إنشاء وإطلاق مؤسسات وقفية ذات شأن ،ولتكن مؤسسات نموذجية: مستشفى تخصصي، عيادات استشارية، معاهد تعليمية (عليا) موجهة مثلا للمتخرجين من مدارس الجمعية والمعاهد الدينية.
المطلب الثالث: السعي لتوثيق كل ماله علاقة بأملاك الجمعية وأحباسها وأوقافها في الماضي، والعمل على إيجاد حل ّ ودّي يحفظ الحقوق ويصونها.
المطلب الرابع: قد يكون من المفيد عقد لقاء علمي ـ دراسي ـ تحليلي في مجال الوقف والحُبس كمنشط من المناشط النوعية التي تفتح المجال للجمعية في مجال تعزيز مكانتها في المجتمع ورأب الصدوع في عملها وبرامجها.